وائل قنديل يكتب: دعوة رسمية إلى التدخّل في شؤون مصر

لم تتوقّف التدخلات السعودية في أدقّ الشؤون المصرية منذ ما قبل انقلاب 2013، إن بالتدخّل المادي الصريح، تمويل ومنح ومساعدات وقروض وخلافه، أو تدخّلات إعلامية بلغت درجة تحديد شكل النظام الحاكم قبل الإعلان عن تنفيذ الانقلاب.

لذا، تبدو غريبةً هذه المرّة تشنجات إعلام السلطة في مصر ضد ما يعتبرونه انتهاكًا للسيادة لمجرّد أن الأصوات السعودية التي طالما اشتبكت مع المسألة المصرية على مدار السنوات الماضية عادت لتدلي بدلوها الآن في الأزمة المصرية الراهنة، عبر تغريداتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي.

دعوة رسمية إلى التدخّل في شؤون مصر

01 فبراير 2023

FacebookTwitterWhatsAppانشر

وزيرا الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والمصري سامح شكري في القاهرة (30/1/2023/فرانس برس)

+الخط

لم تتوقّف التدخلات السعودية في أدقّ الشؤون المصرية منذ ما قبل انقلاب 2013، إن بالتدخّل المادي الصريح، تمويل ومنح ومساعدات وقروض وخلافه، أو تدخّلات إعلامية بلغت درجة تحديد شكل النظام الحاكم قبل الإعلان عن تنفيذ الانقلاب.

لذا، تبدو غريبةً هذه المرّة تشنجات إعلام السلطة في مصر ضد ما يعتبرونه انتهاكًا للسيادة لمجرّد أن الأصوات السعودية التي طالما اشتبكت مع المسألة المصرية على مدار السنوات الماضية عادت لتدلي بدلوها الآن في الأزمة المصرية الراهنة، عبر تغريداتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي.

لا يأتي الانزعاج من تغريدات تركي الحمد وخالد الدخيل من أنها تحمل محتوى نقديًا يمثل خطورة على النظام المصري، وإنما تنبع هذه التشنّجات من يقين مستقر لدى إعلام الجنرالات من أنها ليست من عنديات كاتبي التغريدات، بل هي رسائل بعلم الوصول من الرياض إلى القاهرة، في سياق ما تتحدّث عنه أوساط عديدة منذ فترة عن احتقان دبلوماسي بين البلدين.

على الجانب الآخر، تحتفي بعض الأصوات المصرية في الخارج بهذه الرسائل بوصفها مؤشّرًا على مرحلة عد تنازلي في أيام النظام الذي تعارضه، على اعتبار أن حلفاءه وأصدقاءه ورعاته بدأوا الانفضاض من حوله وتركه في عرض محيطٍ هادرٍ تتقاذفه أمواج عاتية.

لا يمكن الجزم بصحّة هذه القراءات الافتراضية لما يدور، غير أن السؤال الجدير بالتوقّف أمامه هنا هو: لماذا هذه المرّة يحمل الإعلام الموالي للسلطة على تعليقات المغرّدين السعوديين، باعتبارها تدخّلًا غير مقبول في شؤون مصر؟

في ذلك، يمكن الإشارة إلى أن هذه ليست المرّة الأولى التي يعلق فيها الكاتب السعودي، تركي الحمد، على الأوضاع في مصر، إذ سبق له، في سنواتٍ مضت، ممارسة “التدخّل” بتعبير المنزعجين والخائفين على البلد من تغريدة، حيث كتب في صيف العام 2021 إنه “لولا الدعم السعودي لمصر في تلك الأيام العصيبة، لربما أصبحت مصر اليوم “عزبة” فارسية، يعيث فيها الإخوان فسادا، والتوتر الطائفي على أشدّه، ووضع مسيحي مصر في الدرك الأسفل من السوء” . 

لو قارنت ذلك المحتوى بما نشره الحمد أخيرا عن الأوضاع في مصر، فإن الأول لا يمكن وصفه إلا بأنه مهينٌ لأي شخصٍ يدرك قيمة مصر ويعرف حجمها ودورها، ومع ذلك لم يظهر أحد من المنزعجين الآن غضبًا أو يستشعر جرحًا للكرامة وخدشًا للسيادة.

كان الحمد في تلك التغريدة يتداخل مع تغريدة أخرى للأكاديمي البحريني عبد الله المدني يحتفل فيها بالذكرى السنوية لما وصفها بالقبلة التاريخية التي وضعها عبد الفتاح السيسي على رأس العاهل السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز، حين توقف بطائرته في مطار القاهرة وصعد إليه الجنرال ليشكره.

هذا الإعلام المصري الغاضب مما يعتبرها تدخلاتٍ الآن لم يُبد أي احتجاج أو غضب على تدخّل الإعلام الرسمي السعودي في رسم خريطة مستقبل السلطة في مصر في أثناء انقلاب 2013 حيث اكتفى هؤلاء الغاضبون بمطالعة الصحف السعودية، وهي تنشر قبل تنفيذ الانقلاب ما يلي: “العسكر يحكمون مصر لفترة قصيرة مؤقتة لا تتجاوز عاما”، كما عنونت صحيفة عكاظ صبيحة الثلاثين من يونيو/ حزيران، قبل أن تعود وتعلن في الثاني من يوليو/ تموز 2013 قبل إعلان الانقلابيين نجاح العملية بيوم كامل “مجلس عسكري .. وآخر استشاري مدني أعلى يحكمان مصر غداً”.

الذي حصل بالأمس البعيد ويحصل اليوم أن نظامًا عسكريًا نجح في تحويل مصر إلى نموذج “رجل المنطقة المريض”، وبالتالي انفتحت نوافذ التعليق والرثاء والأسى والقلق الصادق والقلق الشامت المتغطرس أحيانًا على مصاريعها، حيث لا يترُك الممسكون بالسلطة في مصر مناسبةً إلا وتحدّثوا باستجداء مخزٍ طالبين المساعدة من الأطراف الإقليميين والدوليين على نحو يقترب من حدود التسوّل والاستعطاف، ناهيك عن الكلام طوال الوقت في الخطب الرسمية وبرامج الفضائيات التي هي ترجمة شديدة الضحالة للخطاب الرسمي عن الفقر والفاقة والخطر المحدق بالبلاد والعباد.

في هذا السياق المخجل، جاءت تصريحات وزير الخارجية، سامح شكري، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، في القاهرة، إن “الأزمة التي تواجهها مصر تحتاج تدخلًا من أميركا لرفع الضغوط”.

هذا هو الرجل الأول في الدبلوماسية المصري يستجدي تدخّلًا أميركيًا في الشؤون المصرية، من دون أن يثير ذلك غضب أحدٍ من الخائفين على العرش من تغريدةٍ عابرةٍ لمعلقٍ عربيٍّ تتناول مصر باعتبار سلامتها سلامة كل العرب واعتلالها اعتلالًا لكل العرب.

لا يريد هؤلاء الغيورون على السيادة أن يصدّقوا أنهم كانوا أول من اشتغل على تسويق النظام الذي يدافعون عنه على أنه طفل العالم المستحقّ للرعاية الشاملة، لذا لا يتوقّف عن طلب منح ومساعدات، وإسقاط مديونيات، وإسكات منابر إعلامية، وإبعاد معارضيه وتشريدهم في كل واد.

شاهد أيضاً

خليل العناني يكتب : ميناء غزة المؤقت… تخطيط إسرائيلي وتمويل إماراتي وتنفيذ أميركي

– صاحب فكرة إنشاء الميناء هو نتانياهو وقد طرحها مرتين الأولي أواخر أكتوبر 2023 بعد …