أحمد المحمدي المغاوري: يُحبون الموت كما تُحبون الحياة

 

بعث القائد العظيم خالد بن الوليد رسالة إلى كسرى ملك فارس كان مفادها “أسلم تسلم وإلا أرسلت إليك برجال يحبون الموت كما تحبون الحياة”. فأرسل كسرى إلى ملك الصين يطلب منه العون والمدد، فرد عليه ملك الصين – بعد أن علم برسالة خالد – قائلاً: “ليس لنا طاقة برجال إذا أرادوا خلع الجبال لخلعوها”.

ابنة هولاكو وعالم مسلم
(يحبون الموت كما تحبون الحياة): كانت هذه هي كلمة السر التي بها ساد المسلمون الأرجاء، حين انتصروا على أنفسهم أولاً ومن ثم على عدوهم. وهذا يوضح لنا تحذير النبي لأمته من أعدائها، ويوضح لنا أيضاً سبب نجاح كلاب الله في الأرض في تداعيهم وتكالبهم على أمة الإسلام.
يحكى أن ابنة هولاكو قائد التتار كانت تطوف في شوارع بغداد فرأت جمعاً من الناس يلتفون حول رجل منهم فسألت عنهُ فإذا هو عالم من علماء المسلمين فأمرت بإحضارهِ، فلما مَثَل بين يديها سألتهُ: ألست من المسلمين؟ قال: بلى. قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟ قال: بلى. قالت: ألا يعني ذلك أننا أحب إلى الله منكم؟ قال: لا، قالت: لم! قال: أتعرفين راعي الغنم؟ قالت: نعم. قال: ألا يكون مع قطيعهِ بعضُ الكلاب؟ قالت: بلى قال ماذا يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامهِ وخرجت عن سلطانه؟ قالت: يرسل عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه. قال: كم تستمرفي مطاردة الخراف؟ قالت: مادامت شاردة. قال: أنتم – أيها التتار- كلاب الله في أرضه، وما دمنا نحن المسلمين شاردين عن منهج الله وطاعته، فستظلون وراءنا حتى نعود إلى الله جل.
عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت”.

حارثة وحقيقة الإيمان
(يحبون الموت كما تحبون الحياة): كانت هي نفس كلمة السر التي أدرك بها حارثه حقيقة الإيمان وسر قوة هذه الأمة، حينما سأله النبي: كيف أصبحت يا حارثة؟ فقال .أصبحت مؤمنا حقا. فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذِ اسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟ ” قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: انْظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَةً. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي.(الحديث). ذاك هو المحرك (الإيمان) الذي حرك الصحابه فتركوا الأهل والبلد والمال، فمنهم من مات في اقاصي الدنيا لأجل إعلاء كلمة الحق.

مدرسة (الإيمان)
نحن بحاجة إلى مدرسة (الإيمان) لنتعلم منها دروس التضحية والثبات، ولنستخلص منها العبر بأن الآجال مقدرة من عند الله، وأن الفوز بالشهادة هو الانتصارالحقيقي والعاقبة هي الجنة. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”. وأمة الإسلام تمر بفترة عصيبة من تاريخها وتحتاج إلى الجادين القادرين على تحمل المسؤوليات في كل الميادين والمجالات حتى ننهض من جديد، كل ما في الأمر أن تكون الدنيا في أيدينا لا في قلوبنا، وتلك هي كلمة السر والبوصلة التي استمد بها الصحابة والتابعون همتهم ورجولتهم. أنهم”يحبون الموت كما المنافقون وأسيادهم يحبون الحياة”.

 

 

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …