إسماعيل تركي يكتب: الفساد في توريد وتوزيع زيت التموين في مصر

يعد الزيت من أهم السلع التي يعتمد عليها المواطن المصري البسيط في حياته, ولما كانت مصر تستورد حوالى 95% من احتياجاتها من الزيوت من الخارج, وتعد وزارة التموين المستورد الأكبر للزيوت في مصر, كان هذا القطاع هدفا للتربح من وراءه.

ولما كان الرئيس المخلوع حسنى مبارك صاحب مدرسة في الفساد تقوم على إفساد أجهزة الدولة, وذلك بحرفها عن وظيفتها الأصلية بتمكين هذه الأجهزة من قطاع من قطاعات الدولة لتنفق منه علي مصروفاته بدل أن تتفرغ الأجهزة والمؤسسات لأداء دورها كما هو محدد في الدستور والقانون.  رأينا القوات المسلحة تخترق كافة الانشطه المدنية, ورأينا المخابرات العامة تدخل هي الأخرى في مجال استيراد اللحوم والزيوت والأجهزة الطبية.. الخ.

جهاز سيادي يستورد الزيت!

الفساد في منظومة الزيت التموينى هو موضوع حديثنا الآن. فقد أوكل حسني مبارك بقرار صادر من رئيس الوزراء عاطف عبيد إلى جهاز المخابرات العامة استيراد الزيت التمويني عن طريق شركة “ميدى تريد” بالأمر المباشر, وهذه الشركة في تكييفها القانوني السليم شركة قطاع خاص نظرًا لأن قانون المخابرات الصادر في عام 1974 لا يتيح لجهاز المخابرات العامة إنشاء الشركات. وبالمخالفة للقانون تم إنشاء الشركة, وبالمخالفة للقانون وبالأمرالمباشر احتكرت استيراد الزيت التموينى, ولما كادت أعمال شركات الزيوت التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية التى كانت تستورد الزيوت لحساب الهيئة العامة للسلع التموينية, أن تتوقف, فقد تم تقاسم الكمية المستوردة بين الطرفين, وكانت في الفترة التى عملت بها مستشارا مع الدكتور باسم عودة 91 ألف طن زيت شهريا زادت في الفترة الأخيرة إلى 110الف طن شهريا, كما صرح مسؤولو التموين إبان أزمة الزيت في الشهور الماضية. ونصف هذه الكمية تكون من زيت دوار (عباد) الشمس والنصف الآخر من زيت الصويا.

لغز الزيت الخليط

وفي اختراع عجيب تتفرد به مصر تقرر خلط زيت دوار الشمس وزيت الصويا لإنتاج زيت خليط يوزع علي بطاقات التموين بنسبة50 % لكل نوع, وهو ما آثار تعجبي على المستوي الشخصي ولما بدأت ترد إلينا شكاوى المواطنين من سوء الزيت وتبادل مسئولو الشركات المنتجة وشركات التوزيع والبدالين الاتهامات حول غش الزيت, قرر الوزير دراسة الموضوع وتم عمل جلسات نقاش حول سبل تحسين الزيت التموينى استعنا فيها ببعض الباحثين والعاملين في المجال ومسئولى الوزارة وبدت نقاط غامضة في الإصرار علي خلط الزيوت. وبتقصى الأمر علمت من بعض العاملين في شركات الزيوت أن جميع الشركات بلا استثناء تقوم باستبدال زيت دوار الشمس المستورد لصالح الزيت التموينى بزيت النخيل المعروف بزيت أولين وتقوم ببيع زيت دوار الشمس في السوق الحر، فإذا علمنا أن فارق السعر بين النوعين في تلك الفترة كان 200 دولار أمريكى في كل طن فإن مقدار مايسرق من المال العام 9 مليون دولار شهريا باعتبار أن كمية زيت دوار الشمس المستورد  45 ألف طن, أي 108 مليون دولار سنويًا, ومع زيادة كمية الزيت في الوقت الحاضر وزيادة فرق السعر إلى 400 دولار نعلم أن السرقة قد تضاعفت, فإذا علمنا أن ما يستورد من الزيوت لمصر هو أردأ أنواع الزيوت لارتفاع نسبة الشموع والألوان عن المقرر عالميا ويطلق عليه أهل التخصص “كواسح الزيوت”, نعلم مقدر الجناية علي المال العام وصحة المصريين.

 ومع البحث ومحاولة تقصي الحقائق استطعت الحصول على صور مستندات من إحدى الشركات التى كانت مملوكة للقطاع العام وبيعت في سوق نخاسة عاطف عبيد بأقل من 10% من قيمتها الحقيقية لأحد رجال لجنة سياسات جمال مبارك مع احتفاظ الشركة بحصتها في تكرير الزيت التمويني, وهى شركة القاهرة للزيوت, وهى قصة فساد سنعرضها في مقال مستقل بالوثائق والمستندات تبين كيف تورط النظام الانقلابي في حماية الفساد ونهب المال العام.

كانت هذه الشركة تستبدل زيت دوار الشمس المستورد لحساب وزارة التموين وتستخدم بدلا منه زيت النخيل أو زيت بذرة القطن كما تظهر صور المستندات

  وقد قمنا بعمل حملة تفتيشية على هذه الشركة أظهرت لنا حجم الفساد في كثير من الهيئات الرقابية؛ سواء في مباحث التموين أو في المعامل المركزية في وزارة الصحة, ناهيك عن شركات الزيوت, وتم تقديم صورة من المستندات للنيابة العامة التي قُدم لها العديد من وقائع الفساد, ولكنها كانت تتغاضى عنها ولذلك قرر الوزير إنهاء العمل بطريقة خلط الزيوت وتقديم نوعين من الزيت التمويني في عبوتين منفصلتين إحداهما لزيت دوار الشمس والأخرى زيت الصويا, إلا أن وقوع الانقلاب لم يمنحنا الفرصة لاستكمال التجربة التي نكص الوزير الانقلابي عنها.

صور المستندات تتضمن إحداها أمر صرف من مخزن الزيت التمويني إلى الزيت الحر, والثانية خطاب يحذر فيه رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات الغذائية رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للزيوت والصابون من استعمال زيت أولين في الزيت التموينى, والثالثة شكر لقطاع البدرشين لاستخدامه زيت بذرة القطن في الخلط بدلا من دوار الشمس لتحسين اقتصاديات المصنع مع وعد بالمكافأة.

 2

3

4

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …