إعلام الثورة المضادة لم يأخذ درسا من انقلاب 2016 وتلقي صفعة عثمانية ثانية من أردوغان

 مصادر في المخابرات التركية قولها إن “محمد دحلان (القيادي المفصول من حركة فتح) ومستشار محمد بن زايد هو المتهم الرئيسي في التواصل مع فتح الله كولن”

وذكر حينها أن “الإمارات تعاونت، من خلال محمد دحلان، مع بعض الشخصيات داخل تركيا لتدبير انقلاب مع من لهم علاقة بكولن”، و”نقل دحلان الأموال لهم عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة”

وأكد أن “الإمارات سخرت قناتي سكاي نيوز، والعربية لأجل الانقلاب ليلة 15 يوليو 2016، وكان عنوانهما الرئيسي أن “الانقلاب نجح”

تغطية حاقدة

قبل ظهور النتائج، بثت قناة “العربية”، ذراع الدعاية السعودية، تقارير تزعم أن الأتراك ضد أردوغان، وأنهم يصوتون بكثافة لمرشح المعارضة بسبب تدهور المعيشة وتراجع الاقتصاد، ما أثار تساؤلات مغردين عن المهنية.

مراسلة “العربية” فاطمة فهد قالت متحمسة: “أشاهد بعيني كثافة التصويت لكليتشدار أوغلو”، لكن مغردين أتراك قالوا إنها تبث من منطقة تصويت معروف أنها تؤيد المعارضة.

زعمت أن “شابة تركية بكت أمامها تأثراً من وضع الاقتصاد حتى انهارت”، ضمن تحريضها ضد أردوغان، لكن مراسلة “العربية” عادت لاحقا، مع ظهور تقدمه في الانتخابات، لتتحدث، وهي حزينة، عن النتائج المخيبة لآمال المعارضة كما رصد ناشطون.

تراجعت “العربية” خطوة أخرى، مع وضوح زيادة فرص فوز الرئيس أردوغان، فظهرت مراسلة القناة لتعترف أن كليتشدار يحتاج “معجزة” للفوز برئاسة تركيا ومن المستحيل أن يحصل على أصوات المرشح الثالث “سنان أوغان” الـ 5 بالمئة.

لكن ظلت التغطية العامة للقناة غير موضوعية، حيث تحدثت “العربية” في 15 مايو عن “السلطنة العثمانية” وهيمنة أردوغان على الحكم منذ 2003.

وقد لفت الدكتور أحمد سعيد أستاذ الإعلام بالجامعات السعودية، النظر إلى تعمد “العربية” اختيار تصوير بطاقات اقتراع تظهر فيها عبارة “EVET” (نعم)، لمرشح المعارضة، كنوع من الدعاية له.

وتجاهلت “العربية” في 13 مايو اختتام أردوغان حملته الانتخابية بأداء صلاة المغرب في جامع آيا صوفيا، وتلاوته مطلع سورة البقرة، التي اعتبرها محللون “رسالة إسلامية وصفعة عُثمانية”، وسعت بالمقابل للتأكيد كذبا أنه اختتم حملته بـ “الغناء”!

وأغضبت تغطية القناة السعودية المغردين الأتراك المؤيدين لأردوغان فانتقدوا القنوات العربية التي تتبني نهج القنوات الغربية في الهجوم على أردوغان.

أيضا حرص صحفيون سعوديون، منهم عبد العزيز الخميس، على نشر أرقام محطة “خلق تي في” التلفزيونية التابعة لحزب الشعب الجمهوري، والتي ادعت تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان، رغم أن هذا لم يحدث في أي لحظة من لحظات الانتخابات.

وكرر “الخميس” ما قالته “العربية” من أن الانتخابات هي الأهم التي تشهدها تركيا “في حقبة ما بعد السلطنة العثمانية”، ومزاعم أن “أردوغان يُحكم قبضته على السلطة منذ عام 2003”

وسعت صحف ممولة من السعودية في الخارج، مثل صحيفة “العرب” اللندنية لتشوية صورة أردوغان بالادعاء أنه “يستدعي المشاعر الدينية عشية الانتخابات لإنقاذ موقفه” في ظل “تزايد مؤشرات الغضب الشعبي ضد سياساته”.

وأنه “أخفق” و”لم ينتصر منافسه”، ما أثار سخرية نشطاء.

وعن ذلك كتب سلطان: “من يتابع القنوات التليفزيونية العربية ، خاصة من الإمارات والسعودية، في تغطيتها للانتخابات التركية ورسائل مراسليها، وترويجهم لخطاب المعارضة ضد أردوغان ، يشعر أنهم نسوا أن يضعوا شارة على صدورهم في لجان التصويت: لا تنسوا مرشحنا كمال كليتشدار أوغلو!، إعلام مثير للغثيان فعلا”.

هدوء مصري نسبي

عكس التناول الفج لإعلام المخابرات المصري للانقلاب العسكري في تركيا عام 2016 وتشجيعه، ووصف المذيع أحمد موسي، حينئذ، الانقلاب بأنه “ثورة للجيش”، غير إعلام السلطة تناوله لانتخابات تركيا 2023، وتعامل معها بهدوء.

تغير لهجة إعلام مصر ظهر في عدم مهاجمة أردوغان أو دعم كليتشدار أوغلو، واقتصر على حديث خافت عن تقدم الرئيس التركي، أرجعه محللون لتحسن العلاقات المصرية التركية ولقاء رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بأردوغان في قطر علي هامش كأس العالم نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، والترتيبات الجارية لتبادل السفراء.

ويرجع الباحث الفلسطيني، المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة إسطنبول ميديبول، محمود سمير الرنتيسي عدم وجود تغطية إعلامية سلبية من جانب بعض الدول العربية (مثل مصر) تجاه الانتخابات في تركيا عكس ما حدث في 2018، لأمرين:

(الأول): المصالحات التي بدأتها تركيا منذ عامين مع عدة دول عربية، والتي أحدثت مناخاً حوارياً وتفاهماً على قضايا عديدة، ما أدى إلى تقليل التوتر وتوقع استمرار صفحة جديدة إيجابية من العلاقات، وفق مقاله في “العربي الجديد” 14 مايو 2023.

(الثاني): صعوبة التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات هذه المرة بسبب التنافس الشديد بين الطرفين وبالتالي، قد يكون تقدير الموقف حتى لدى الراغبين بعدم استمرار أردوغان هو الترقب وانتظار النتيجة وعدم المخاطرة بأي موقف مسبق قد يكون له أثره السلبي.

لكن، برغم التحسن النسبي في العلاقات وتخفيف تدخل الإعلام المصري في انتخابات تركيا، استمرت صحف مصرية مدعومة إماراتيا مثل “البوابة نيوز” 14 مايو في بث أخبار ضد حزب العدالة، ونشر مزاعم عن “تزوير الانتخابات لصالح أردوغان”

زعمت أن نشطاء بثوا شريط فيديو يبين “تزوير أوراق الاقتراع عبر التصويت لصالح الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لعدد كبير من البطاقات”

كما زعمت “البوابة نيوز” 14 مايو 2023 أن وسائل الإعلام التركية بدأت نشر انتهاكات الانتخابات مثل نشر نشطاء شريط فيديو لعشرات الأكياس التي يتواجد بها كروت اقتراع لا تحمل أي أختام من هيئة الانتخابات.

وأبدت صحيفة “المصري اليوم” التي تشرف المخابرات على خطها التحريري، ترحيبها الضمني بهزيمة أردوغان لأنه داعم لرئيس وزراء ليبيا عبد الحميد الدبيبة الذي لا تعترف به مصر.

نقلت عن البرلماني الليبي عادل الخطاب قوله 15 مايو/أيار 2023 أن “هزيمة أردوغان قد تشكل تحديًا للدبيبة وأنصاره”

وزعمت أن “عناصر الإخوان وحلف حكومة الوحدة الوطنية منتهية الصلاحية يتخوفون من خسارة رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية”

وحاولت قناة “القاهرة الإخبارية” التابعة للمخابرات المصرية الظهور بموقف حيادي، ونشر تصريحات الطرفين، لكنها اهتمت بتشكيك المعارضة في النتائج، وحرصهم على تأكيد أنهم هم من فازوا لا أردوغان.

لكن نشطاء قالوا إن الإعلام المصري ينتظر لحين وضوح الرؤية، ولو خسر أردوغان سينصبون الأفراح، أما لو فاز فسيقيمون سرادقات للعزاء.

لكن بعض وسائل الإعلام المصرية والخليجية نقلت هجوم الإعلام الغربي على أردوغان قبل الانتخابات والدعوة لإسقاطه، في تغطيتها الإخبارية، لأنه يسعى لاستقلال القرار التركي والخروج من عباءة الغرب.

تراجع غربي

وكان ملفتا تراجع مجلة “الإيكونوميست” خطوة إلى الوراء، بعدما هاجمت أردوغان يوم 4 مايو 2023 وطالبت برحيله وعدم التصويت له، على غلافها.

عادت بعد 10 أيام لتتحدث يوم 14 مايو عن “مفاجأة الرجل القوي”، وكيف أن أردوغان “أربك التنبؤات في الانتخابات التركية”

كما غيرت غلافها على حسابها بموقع تويتر، مع ظهور تفوق أردوغان في نتائج الانتخابات حيث استبدلت “الإيكونوميست” غلافها القديم الذي يصف أردوغان بأنه “ديكتاتور”، ووضعت بدلاً منه صورة “تنين” يشير إلى صعود الاقتصاد الصيني.

وكانت وسائل إعلامية غربية كبرى تبنت موقفاً معادياً من أردوغان وحزب العدالة والتنمية بشكل فج، لا يتفق مع الموضوعية المفترضة في العمل الإعلامي.

ورفعت صحف بريطانية وألمانية وفرنسية شعار “إسقاط أردوغان” دون مراعاة لأبسط قواعد العمل الإعلامي، في انعكاس واضح لأمنية الغرب في التخلص من الرئيس التركي وحزبه الحاكم لدعمهما عودة تركيا لتراثها الإسلامي.

حيث نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية 4 مايو عنواناً رئيسياً على صحفتها الأولى يقول: “ليسقط أردوغان من أجل تحقيق الحرية والخلاص من الخوف”

ونشرت مجلة دير شبيغل الألمانية على غلاف صفحتها الأولى، صورة للرئيس أردوغان جالساً على كرسي هلاله مكسور.

وكتبت بالخط العريض: “أردوغان، الفوضى أم الانقسام في حال خسارته للرئاسيات؟”، في إشارة كاذبة لرفض الإسلاميين ترك السلطة لو خسروا!

لكن فوز أردوغان وحزبه، على عكس توقعات الغرب وأنظمة الثورة المضادة، سبب لهم صدمة أربكتهم وأفسدت مخططاتهم وأضاعت أمانيهم، بعدما كانوا ينتظرون فوز زعيم المعارضة وأحزابها بأغلبية البرلمان.

وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية تهاجم أردوغان وتقول في 8 مايو 2023: “إذا هُزم أردوغان، يجب على الغرب مساعدة حكام تركيا (العلمانيين) على النجاح”

واعترفت بأن أردوغان بني صناعات عدة في تركيا تهم أوروبا مثل السيارات والأثاث والأسمنت والغداء والأحذية وأجهزة التلفزيون وغيرها حتى أن تركيا يمكن أن يطلق عليها “الصين الأوروبية”، وفق قولها.

ولكنها تحدثت عن كيفية دعم المعارضة، التي ستستولي على هذه الإنجازات وتنسبها لنفسها، ما يشير لحقدهم على أدوغان وفساد اتهاماتهم له.

وفسر الدكتور ابراهيم غانم الاستاذ بالمعهد القومي للبحوث، المتخصص في الشأن التركي، سر هذا العداء الإعلامي، خاصة الغربي، لأردوغان وتمني سقوطه، بأربعة أسباب ذكرها عبر فيسبوك، وهي:

بناء أردوغان قوة عسكرية محلية تكاد تخرج عن سيطرة الناتو، وتفكيكه نمط التنمية المركزية لآخر لا مركزي يصعب استتباعه للاقتصاد الأجنبي، ومخالفته موقف الناتو في الوقوف على الحياد في حرب روسيا وأوكرانيا.

وقيام أردوغان بتغيير محافظ البنك المركزي التركي كلما وجد أنه لا يلتزم بالسياسة العامة للدولة، فأصبح المنصب تابعا للقرار الداخلي أكثر من تبعيته لقرارات المؤسسات المالية الدولية التي تهيمن عليها المراكز الغربية. 

شاهد أيضاً

مصريون يتظاهرون أمام وزارة الخارجية دعمًا لغزة ويطالبون بمرافقة المساعدات

نظَّم عشرات المصريين، الإثنين 18 مارس 2024، وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية المصرية، دعماً لقطاع …