الاحتلال يطرد المحاضرين الأجانب من جامعات الضفة

ترفض سلطات الاحتلال إصدار تصاريح عمل للأكاديميين الأجانب الذين يعملون في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وتصعد في سياستها القاسية في منح التأشيرات. ويجبر هذا الانتهاك على انقطاع المحاضرين الأجانب عن طلبتهم ومغادرة البلاد، وتترك الأنظمة الإسرائيلية التي تتسم بضبابيّتها وتعسُّفها هؤلاء المحاضِرين الأجانب وأُسَرهم في حالة دائمة من انعدام اليقين وتجعلهم عُرضة للإبعاد في أي وقت من الأوقات.

وفي هذه الآونة، تعكف جامعة فلسطينية في الضفة الغربية، إلى جانب منظمتين فلسطينيتين من منظمات حقوق الإنسان، على اتّخاذ إجراء قانوني من خلال مركز «عدالة « من حيفا داخل أراضي 48 ومؤسسة «الحق» في رام الله في الضفة الغربية.

وأوضح مركز «عدالة « ومؤسسة « الحق « في هذا الصدد أنه عقب ثلاثة أعوام أكاديمية متتالية كثّفت خلالها إسرائيل مساعيها الرامية إلى إجبار المحاضرين الأجانب على مغادرة البلاد من خلال المماطلة في تجديد تأشيرات الإقامة أو عدم تجديدها.

وتطالب جامعة بيرزيت و»الحق» و»عدالة» بوضع حدّ لهذه السياسة التي تستهدف الحرية الأكاديمية الفلسطينية وعزل مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية على الفور.

كما تطالب بتأكيد ضمان قدرة جامعة بيرزيت – على الرغم من أنها تزاول عملها تحت نير الاحتلال العسكري طويل الأمد – على ممارسة حقها في حرية التعليم.

وطالبت جامعة بيرزيت والحق وعدالة، في خطاب أرسلته في يوم 30 نيسان/ أبريل 2019 إلى وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، والمستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، والنائب العام الجنرال، شارون آفيك، ومنسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق المحتلة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، كميل أبو ركن، برفع القيود التي تحُول دون إقامة الأكاديميين الأجانب الذين توظّفهم جامعة بيرزيت في الضفة الغربية والعمل فيها ومنحهم التأشيرات المطلوبة والامتناع عن فرض قيود تعسّفية على فترة إقامتهم أو على تمديدها.

 و تطالب هذه الجهات بنشر إجراءات واضحة وقانونية بشأن إصدار تأشيرات الدخول وتصاريح العمل للأكاديميين الأجانب في الضفة الغربية، بحيث تتيح للجامعة أن تدير حريتها الأكاديمية وتحتفظ بها.

ويوضح «عدالة» و «الحق» أنه يمكن فقط للسلطات الإسرائيلية تقديم إحصائيات كاملة بهذا الخصوص مع مرور الزمن، إلاّ أنه وبحلول عام 2017، أكدت مجموعة متعددة من المصادر تصعيدًا في رفض إسرائيل تجديد تمديد التأشيرات بالإضافة إلى مجموعة من الشروط الأخرى.

ويقول بيان صادر عن المنظمتين الحقوقيتين المذكورتين إن حملة الحق في الدخول، التي راقبت مسألة إجراءات الدخول والتأشيرة للمواطنين الأجانب لأكثر من عقد من الزمان، تشير إلى تصعيد واضح في حالات رفض طلبات تمديد التأشيرة وتشديد القيود منذ منتصف عام 2016 على الأقل.

وعلى سبيل المثال، أبلغ معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، التابع لمجلس أمناء جامعة بيرزيت، عن زيادة بنسبة 200% في حالات رفض التأشيرة على مدار العامين الأكاديميين وحدهما.

وفي العام الدراسي 2017-2018، تم رفض تمديد التأشيرات أو الدخول على الحدود لأربعة من أعضاء هيئة التدريس الدوليين من ضمن 20 عضواً، وفي 2018-2019، تم رفض ثمانية من أعضاء هيئة التدريس الدولية من ضمن 19 عضواً بعدم تمديد التأشيرة أو الدخول. وفي الفترة الواقعة بين عامي 2017 و2019، أُجبِر أربعة محاضرين أجانب ممّن كانوا يعملون بدوام كامل في جامعة بيرزيت وثلاثة ممّن كانوا يعملون بدوام جزئي على مغادرة البلاد، وما عاد في وُسعهم مواصلة عملهم في التدريس فيها لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلية رفضت تجديد تأشيراتهم. وفي عام 2019، منعت إسرائيل أكاديمييْن أجنبييْن كانا يرتبطان بعقديْ عمل مع جامعة بيرزيت من دخول البلاد. ولم يجرِ إصدار تأشيرات لأي عضو من أعضاء هيئة التدريس الأجانب، باستثناء العاملين بشكل مباشر في البرامج التي ترعاها حكومات أجنبية، طيلة فترة عقودهم مع الجامعة خلال العام الأكاديمي 2018-2019.

وحتى وقت صدور هذا البيان الصحفي، لا يزال ستة محاضرين أجانب يعملون بدوام كامل وجرى التعاقد معهم للتدريس خلال العام الأكاديمي 2018-2019 دون تأشيرات سارية المفعول، وخمسة آخرون – بمن فيهم رئيسة دائرة – موجودين خارج البلاد دون أي مؤشرات واضحة على ما إذا كانوا سيتمكّنون من العودة والحصول على التأشيرات التي يُشترط حصولهم عليها للإقامة في البلاد خلال العام الأكاديمي المقبل.

ويستدل من معطيات «عدالة « و « الحق» و بير زيت أن أكثر من 12 دائرة وبرنامجًا تعاني فقدان أعضاء هيئاتها التدريسية خلال العام الأكاديمي المقبل بسبب هذه السياسة الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي. وقال رئيس جامعة بيرزيت، عبد اللطيف أبو حجلة في هذا المضمار «إن حرماننا من حقنا في توظيف الأكاديميين الأجانب يشكّل جانبًا من المساعي التي لا يفتأ الاحتلال الإسرائيلي يبذلها في سبيل تهميش مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية».

وتابع «ليس التصعيد الأخير الذي يشهد فرض القيود على التأشيرات سوى جانب من سياسة إسرائيلية ثابتة ومنهجية تستهدف تقويض استقلال مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية وقدرتها على البقاء.»

كما يستدل من معطيات الجهات الفلسطينية المعنية أن جامعة بيرزيت ليست وحدها في هذه المشكلة، فهذه السياسة الإسرائيلية تُلحِق الضرر بالجامعات في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وخلصت دراسة نشرتها وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية في شهر شباط/ فبراير 2018 إلى أن ما يربو على نصف المحاضرين والموظفين الأجانب (32 من أصل 64 محاضِرًا وموظفًا) في ثماني جامعات عانوا ضررًا جسيمًا خلال العامين المنصرمين بسبب رفض إسرائيل للطلبات التي قدّموها للحصول على تأشيرات جديدة أو تمديد تأشيراتهم، أو بسبب رفض السماح لهم بدخول الضفة الغربية. وعدد ليس بالقليل من هؤلاء الأكاديميين فلسطينيون يحملون جوازات سفر أجنبية، ومواطنون من رعايا دول مختلفة، بما فيها هولندا وفرنسا وألمانيا والهند والأردن، كما ينحدر معظمهم من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ويتضح أيضا أنه على مدى العامين الماضيين لم تنفكّ إسرائيل تشدّد من وطأة القيود التي تفرضها على منح التأشيرات للأكاديميين الأجانب، بما تشمله هذه القيود من الحرمان من دخول الضفة الغربية، ورفض طلبات تمديد تأشيراتهم، وتأخير النظر في طلبات تمديد التأشيرات إلى ما بعد انتهاء فترة سريان هذه التأشيرات، ومنح التأشيرات لفترات وجيزة على أساس تعسفي، بحيث تتراوح في بعض الأحيان بين أسبوعين إلى ثلاثة أشهر فقط. وكذلك حصر التأشيرات في دخول الضفة الغربية دون غيرها، والسماح بالدخول والخروج عبر معبر الكرامة مع الأردن فقط، بدلًا من المرور من خلال مطار اللد (بن غوريون)، والشروط التي تقضي بإيداع مبالغ ضخمة كضمانات، قد تصل في بعض الحالات الى ما يعادل 23,300 دولار. وحسب تأكيدات «عدالة « و «الحق» تفرِز هذه القيود الإسرائيلية آثارًا وخِيمة على جامعة بيرزيت وطلبتها، وعلى المواطنين الفلسطينيين بعمومهم، حيث تُفضي إلى عزل الجامعة عن المؤسسات التعليمية الأخرى في جميع أنحاء العالم وتتسبّب في الانتقاص من جودة التعليم الذي تقدّمه لأبناء الشعب الفلسطيني المكفول لهم في القانون الدولي ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقد صُنِّفت جامعة بيرزيت، في ترتيب كواكواريلي سيموندس (QS) للجامعات العالمية الصادر في عام 2019، ضمن أفضل 3% من جامعات العالم. ومع ذلك، يستند هذا التصنيف إلى عدد من المؤشرات المهمة – بما فيها نسبة أعضاء هيئات التدريس الأجانب والطلبة الأجانب – الذين تستهدفهم إسرائيل في هذه الآونة. وبذلك فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تعيق قدرة الجامعة على مزاولة عملها باعتبارها جامعة تستوفي المعايير الدولية من خلال منعها من توظيف طاقم دولي من المحاضرين فيها. وتؤكد المنظمتان الحقوقيتان أن السياسة الإسرائيلية التي تستهدف الأكاديميين الأجانب تشكّل مخالفةً للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي معًا. وتنتهك هذه السياسة حرية الجامعات في توسيع مجالات الأبحاث التي تُجريها والدراسات التي تطرحها للطلبة الفلسطينيين والأجانب على حدّ سواء. وبذلك، تحُول إسرائيل بين السكان الفلسطينيين القابعين تحت نير الاحتلال وبين تحديد نوع التعليم الذي يريدون طرحه لأنفسهم.

وتؤكد الجامعة أن السياسة الإسرائيلية تعرقل دون شك الحق الدستوري للمواطنين الفلسطينيين على السواء في جودة ونوعية التعليم، باعتباره حقا دستوريا مكفولا لكل مواطن فلسطيني بموجب القانون الأساسي الفلسطيني.

وقالت سوسن زهر، نائبة المدير العام لمركز عدالة، التي صاغت الخطاب الذي أُرسِل إلى السلطات الإسرائيلية: «للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة – شأنهم شأن جميع الشعوب الأخرى في جميع أنحاء العالم – الحق في ممارسة حقهم في الحرية الأكاديمية والتعليم النوعي في سياق حقهم في تقرير مصيرهم، ولا يمكن للاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد أن يمنع الفلسطينيين من ممارسة هذا الحق». وخلصت زهر الى القول إنه في الواقع، ووفقًا للتفسير الذي ينطبق على المادة (43) من لائحة لاهاي لسنة 1907، لا تُنقل السيادة على التعليم من سلطة إلى أخرى – بل هي غير قابلة للتصرّف – وينبغي أن تبقى في حوزة السكان الفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال.

 

شاهد أيضاً

منظمات تحذر من وضع المسلمين على القوائم السوداء في أوروبا بتواطؤ الإمارات

حثت منظمات مجتمع مدني إسلامية وناشطون حقوقيون الحكومات الأوروبية على اتخاذ إجراءات ضد الإسلاموفوبيا المتصاعدة …