التطبيع يزيد احتمالية دخول فتح وحماس قائمة انتخابية مشتركة في فلسطين

لم يكن الخلاف السياسي بين حركتي التحرير الوطني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس” وليد الانقسام الفلسطيني عام 2006، بل إن جذوره ترجع إلى أبعد من ذلك بكثير، انطلاقا من اختلاف العقيدة الحزبية لدى كل منهما.

وفي ظل تنافر الرؤى السياسية بين الحركتين، ينبثق حديث عن قائمة انتخابية مشتركة تجمع شخصيات من حماس وفتح، لخوض السباق على البرلمان.

رئيس مكتب “حماس” السياسي، إسماعيل هنية، كشف في أكتوبر 2020، عن أن “الحركتين تفكران بخوض الانتخابات من خلال قائمة مشتركة”

ما كشفه هنية دعمه عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، جبريل الرجوب، وقيادات أخرى من “حماس”، إذ قالوا: إن “الأمر (القائمة المشتركة) قيد الدراسة بين الجانبين”

لكن لا بد من توقف عند تصريح نائب أمين سر اللجنة المركزية لـ “فتح”، صبري صيدم، قال فيه: إن “جولات الحوار الوطني لم تتناول تشكيل قائمة مشتركة لخوض الانتخابات التشريعية”

وبصرف النظر عن تذبذب المواقف بين التأكيد والنفي، فإن خطوة كهذه غير مسبوقة في تاريخ السباقات البرلمانية التي لم تشهدها فلسطين سوى مرتين منذ تأسيس السلطة عام 1993.

تقارب الظروف

ويرجع التقارب الملحوظ بين الحركتين -بالدرجة الأولى-إلى ظروف سياسية يشهدها الإقليم، أبرزها تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل بدعم مصري-سعودي ورعاية أميركية.

وبعيدا عن سرد لقاءات المصالحة بدءا من “وثيقة الأسرى” في 2006 وصولا إلى اتفاق القاهرة سنة 2017، فإن اللقاءات الأخيرة في قطر وتركيا ولبنان كانت الأبرز.

ومع بداية أكتوبر، التقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأمناء العامين للفصائل التي اجتمعت في لبنان، وأبلغهم بموافقته سلفا على كل القرارات بشأن آليات إنهاء الانقسام.

اللافت في هذا اللقاء أنه أول اجتماع يترأسه عباس ويحضره هنية، وأمين عام “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة، وفصائل معارضة منذ الانقسام.

وشكلت الفصائل لجنة تقدم رؤية إستراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة خلال مدة لا تتجاوز 5 أسابيع، تبعتها لقاءات في الدوحة وإسطنبول.

وفي المدينة التركية اتفقت الحركتان على “رؤية” تتعلق بإنهاء الانقسام وتوحيد الصف لمجابهة ما تتعرض له القضية، ستعرض قريبا “ضمن حوار وطني شامل”، بحسب بيان مشترك لهما.

ومنذ أكثر من 13 عاما تعيش فلسطين انقساما حادا عقب فوز “حماس” في انتخابات 2006، في حين تدير “فتح” الضفة الغربية، دون أن تتمكن العديد من الوساطات والاتفاقيات في استعادة الوحدة الداخلية.

تسريبات جديدة

القائمة هذه إذا ما شُكلت فإنها ستخوض انتخابات ستكون الأولى منذ آخر تنافس برلماني جرى قبل نحو 15 عاما، والثانية منذ تأسيس السلطة على إثر اتفاقية “أوسلو” سنة 1993.

وتسربت أحاديث عبر وسائل إعلام محلية ومنصات التواصل الاجتماعي، عن أسماء مقترحة للقائمة، لكن لم يتسن لـ”الاستقلال” التأكد من صحتها.

وتشير المعلومات إلى 15 اسما بينهم 6 من فتح، وهم: “عزام الأحمد، وجبريل الرجوب، وانتصار الوزير، ومحمود العالول، وروحي فتوح، وحسين الشيخ”

كما تضم القائمة 4 شخصيات من حماس، وهم: “عزيز دويك، وصلاح البردويل، وأحمد بحر، ومشير المصري”، إضافة إلى أمين عام حركة “الأحرار” في غزة، خالد أبو هلال.

وضمت أيضا 4 أسماء لمستقلين تم ترشيحهم بالمناصفة بين الحركتين، وهم: “أحمد مجدلاني، وزياد أبو عمرو” بتسمية “فتح”، و”جمال الخضري، وحسن خريشة” بتزكية “حماس”

وتعد فكرة القائمة اجتهاد فلسطيني داخلي، كما يقول المحلل السياسي هاني المصري، لكن تلك الفكرة بحاجة إلى تدقيق ومراجعة، “لأنها تقضي على المنافسة وتعدد الخيارات التي هي جوهر أي انتخابات”

ويضيف في تصريح سابق لوكالة “الأناضول” التركية: أن “القائمة التي تضم الحركتين، أو فصائل أخرى ستعني أنها ستفوز بالتزكية أي بالتوافق الوطني”.

خطان مستقيمان

بشكل ظاهر تختلف الرؤى بين الحركتين، لكن عند الاقتراب أكثر إلى تفاصيل الخلاف التي أججت الانقسام بينهما، نجد عدة ملفات خلافية كشفتها جولات المفاوضات التي جرت خلال أعوام الانقسام.

ومن أهم الملفات، البرنامج السياسي إذ لا تعترف “حماس” بـ “إسرائيل” وتنتهج المقاومة المسلحة سبيلا لتحرير الأرض، بينما تعتقد “فتح” أن المفاوضات هي الطريق لإقامة دولة على حدود 1967.

وعلى صعيد الشراكة السياسية، يحتكر “عباس” رئاسة السلطة ومنظمة التحرير ومناصب أخرى، وهو ما ترفضه “حماس” التي تريد أن تكون شريكة على اعتبار أنها “جزء من الشرعية”

وبشأن منظمة التحرير الممثل الدولي للفلسطينيين، يريد “أبو مازن” أن يكون حضور “حماس” في المنظمة شكليا، لكن الأخيرة ترى ضرورة أن تأخذ حصة لا تقل عن “فتح”

أما المسألة الأبرز والأكثر جدلا فهي تتعلق بسلاح المقاومة في غزة، في ظل إصرار “حماس” على الحفاظ عليه وعدم المساس به، في مقابل حديث “فتح” عن ضرورة أن يكون السلاح واحدا خاضعا للسلطة.

إذن تلك القضايا الخلافية تجعل الحديث صعبا عن التقاء أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية والخصمين السياسيين في قائمة انتخابية مشتركة.

والحديث عن قائمة كهذه ليس جديدا، فقد برز للمرة الأولى في 2014 عقب “اتفاق الشاطئ” (مخيم في غزة) الذي تم بموجبه الاتفاق على إجراء انتخابات فلسطينية بعد ستة شهور من تشكيل “حكومة التوافق” الوطني.

وتولت هذه الحكومة التي ترأسها رامي الحمد الله مهامها في 2 يونيو/حزيران من نفس العام، لكن لم يتم تنفيذ شيء مما جرى الاتفاق عليه، بل تعقدت الظروف السياسية أكثر.

توفير الجهد السياسي

المحلل السياسي الفلسطيني، “هاني البسوس” رأى أن القائمة المشتركة توفر كثيرا من الجهد السياسي والدعاية الانتخابية بما يجعل المشهد بعيدا عن اللغط والاتهامات التي قد تحدث خلالها مشادات.

وفي حديث لـ “الاستقلال” أكد البسوس أن أهميتها تنبع من قدرتها على فرض سياسة الأمر الواقع على دول الإقليم والعالم، التي ترفض أي وجود لحركة حماس.

وأوضح أن تشكيل قائمة موحدة يعني أن “حماس وفتح جزء من النظام السياسي، وعلى العالم أن يقبل الواقع في ظل الأوضاع الإقليمية، والأطراف التي لا تقبل الحركة الإسلامية”

وأشار إلى أنه قد يكون هناك مشكلة في موضوع مدى تقبل دول (لم يحددها) لأعضاء من حماس في حكومة فلسطينية، لكن من الممكن قبول الأمر إذا نجحت القائمة”

وذهب البسوس، في حديثه إلى إمكانية أن تتجه حماس نحو اختيار شخصيات مستقلة لتمثيلها في الحكومة، كوسيلة للهروب من المعارضة الإقليمية.

توافق ضئيل للغاية

وأشار المحلل السياسي الفلسطيني إلى تصريحات خرجت عن السلطة وحركة “فتح” ترفض مسألة أن تكون حماس جزءا من القائمة الانتخابية.

ولفت البسوس إلى أن “شخصيات مستقلة قد لا يعجبها الحال، لأن وجود قائمة من حماس وفتح سيأتي على معظم الأصوات ولن يترك مجالا للمستقلين أو لأي طرف ثالث من أحزاب أخرى”.

وعن الإشكاليات والمعوقات التي قد تعترض هذا الطرح، قال: إن المسألة متعلقة بالتوافق على الأسماء من قبل الحركتين، “وقد يكون هناك إشكالية في موضوع اختيارها وترتيبها وكيفية وضعها بالقائمة”.

ورأى البسوس أن “موضوع التوافق صعب للغاية حتى الآن، وفرص النجاح ضئيلة وبشكل كبير”، مقارنة بالمسائل الأقل حدة ولم يتم التوافق عليها بين الطرفين مسبقا.

ولفت في سياق حديثه إلى تقارير إعلامية تحدثت عن “تيار” يضم حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لـ “فتح” ومدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج “يحاول وقف ما يتعلق بإمكانية إيجاد قائمة مشتركة”

كما أن “التيار الموجود حاليا (برئاسة عباس) قد يغير رأيه تحت الضغط الدولي”، بحسب البسوس الذي قال: إن “مصر والسعودية وأميركا ودولا أخرى لا تقبل بوجود حماس وستضغط على فتح”

لكن القبول بالحركة الإسلامية أمر ممكن إذا ما نفذت “شروطا متعلقة بوقف العمل المسلح ضد الاحتلال، والاعتراف بإسرائيل، ونزع سلاح المقاومة وهو ما تفرضه حماس”

شاهد أيضاً

حماس: المرونة التي نبديها لا تعني التراجع عن شروطنا وإسرائيل لا يعنيها أسراها

قال القيادي في حركة “حماس” باسم نعيم، إن “إسرائيل باتت تفهم المرونة التي تبديها حماس …