د. زياد موسى عبد المعطي: المن يذهب الحسنات ويفسد العلاقات

المن يذهب الحسنات ويفسد العلاقات، ويؤثر سلباً على المحبة، لا تعتَدْ ذكر أفضالك على الآخرين، فيكرهوا حديثك، ويملوا كلامك ويكرهوا معروفك، فإذا أنفقت صدقة، أو أديت معروفاً لأحد أو قضيت حاجة إنسان فلا تعتد أن تفتخر به؛ لأن هذا يجعل عمل الخير ليس ابتغاء وجه الله، بل رياءً للناس، بل قد يذهب المحبة من القلوب.
الله الرزاق
من يمن على الناس عليه أن يتذكر أن الله الخالق الرازق المنان؛ خلقنا ورزقنا، فهو سبحانه وتعالى صاحب الفضل والمنة “وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ” (النحل: 53). من يفتخر بأنه من أصحاب الأموال والصدقات عليه أن يتذكر أن الله هو الرزاق الكريم الذي رزقه ووهبه الأموال، ومن يفتخر أنه من أصحاب العلم الديني أو الدنيوي وأنه يعلم طلابه عليه أن يتذكر أن الله عز وجل هو الذي وفقه للعلم, فلا يجب أن يمن مدرس على طلابه بأنه يعلمهم، فالله هو من هداه لطريق العلم، وهو يؤدي واجبه الذي ينال عليه أجراً في الدنيا، وثواباً في الآخرة، وعلى الطلاب أن يعوا ويدركوا فضل معلميهم, ومن يمن على الناس أنه صاحب منصب أو وظيفة وأنه قضى للناس حوائجهم عليه أن يتذكر أن الله هو الذي وفقه وجعله في هذه الوظيفة أو هذا المنصب. فالنعم الدينية والدنيوية كلها من الله.
والرياء والمفاخرة يمحقان الأجر ويضيعان الثواب. يقول الله عز وجل: “ومَا بِكُمْ من نّعمةٍ فمنَ الله”. ويقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ” (البقرة: 264)، فعندما يعتاد من أنفق أن يفتخر بأنه تصدق على فلان فإنه بذلك يضيع ثواب الصدقة لأنه بهذا يريد شكر الناس ولا يريد ثواب الله عز وجل.
ومن يفتخر بأنه أسلم ودخل في دين الإسلام فالله هو من هدى المسلمين للإسلام، يقول الله عز وجل “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (الحجرات: 17). جاء بعض الأعراب لرسول الله يمنون عليه أنهم دخلوا في الإسلام بدون حروب، فنزل الوحي الأمين لخاتم النبيين يذكر هؤلاء وأمثالهم إلى يوم الدين أن الله هو الذي يهدي للإسلام وأن الفضل لله وأن الهداية من الله.
إخلاص النية
من يقضي حوائج الناس ابتغاء وجه الله يجب أن يستر على الناس ولا يفتخر بذلك، لكي يكون العمل خالصاً لوجه الله، ولينتظر الثواب من الله في الدنيا والآخرة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه” (صحيح مسلم).
ومن يكرم ضيفاً، ويطعمه فليجعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، حيث أن ديننا يأمرنا بإكرام الضيف، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” (متفق عليه)، أما إذا أخذ يذكر من أكرم ضيفه بهذا الكرم – وأنه أطعمه كذا وسقاه كذا – كلما رآه بعد ذلك، أو أخذ يذكر ذلك للناس، فإن ذلك يجعل من تم إكرامه يكره زيارة هذا الذي يمن عليه.
وفي الحياة الزوجية يجب على الزوجين ألا يمن أحدهما على الآخر بما يقدمه وبما يفعله لإسعاده وإسعاد الأبناء، فما يفعله الزوج أو تفعله الزوجة من خدمات للطرف الآخر وخدمة الأولاد إنما هو واجب عليهما، وتكرار ذكر أحد الطرفين للآخر بما يقدمه له من معروف قد يمثل بداية شرخ في العلاقة الزوجية، ويقلل المحبة والود، وقد يتسع الشرخ مع تكرار المن، وقد يؤدي للانفصال.

أيها الآباء: لا تمنوا على أبنائكم
ويجب على الآباء ألا يكرروا على مسامع أبنائهم أفضالهم عليهم، حتى لا يمل الأبناء هذا الكلام، وكي لا يحزنهم ذلك. فالآباء عندما يقومون برعاية أبنائهم فإنهم يؤدون واجبهم، لأنهم سوف يحاسبون على رعايتهم لأبنائهم يوم القيامة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ, وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” (متفق عليه).
وأصحاب الوظائف والمهن والحرف
ومن أدى وظيفته أو مهنته أو حرفته على أكمل وجه فيجب عليه ألا يمن على من تلقى الخدمة أنه أدى له الخدمة، فالموظف الذي يؤدي خدمة لمواطن بصورة جيدة فإنه يؤدى واجبه الذي يأخذ مقابله راتبًا، وصاحب المهنة مثل الطبيب في عيادته أو في المستشفى الذي يعالج المريض ويكون سبباً في شفائه فإنما يؤدي مهنته، وصاحب الحرفة الذي يؤدي حرفته مثل النجار أو الخياط أو غيرهما يجب عليه ألا يمن على أحد بما أنجزه له. فهذه حرفته، وإتقانها ينال عليه أجراً في الدنيا وثواباً في الآخرة، والتذكير بالخدمة التي يؤديها من سبق ذكرهم يجعل متلقي الخدمة لا يحب من قدمها، ويجعل من أدى له الخدمة يمل حديثه ويبحث عن بديل آخر في نفس المهنة أو الحرفة.
ندعو الله أن يوفقنا للأعمال الصالحة، وأن تكون هذه الأعمال خالصة لوجهه الكريم، وألا نفسد أعمالنا الصالحة بالمن والأذى.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …