شريف عبدالغني يكتب : ذكرى الانقلاب .. «من أنتم» و«انتو مين»؟

(1)

يمر «الديكتاتور» بأربع مراحل إذا تجرأ الشعب وثار ضده.

في البداية ينكر هذه الثورة تماما.

ثم إذا اعترف بالثورة عليه فإنه يعتبرها من «قلة» لا تعبر عن جموع الشعب الهائم في حبه.

والمرحلة الثالثة إذا زادت حدة الثورة فهي حسب قناعته نتاج «مؤامرة دولية»، وقادتها عملاء للخارج ويدسون في ملابسهم «أجندات أجنبية».

بعد ذلك تأتي المرحلة الرابعة: «الدخول في خزعبلات وأمور غير معقولة».

 

(2)

في دول المرحوم الربيع العربي، كلهم مروا بهذه المراحل تدريجيا.

زين العابدين بن علي.. استغرب استمرار الانتفاضة عليه بعد عبارته «الآن فهمتكم».

حسني مبارك.. ظل طوال الوقت يتحدث عن عمره الذي أفناه في خدمة الوطن.

الأسد.. تحدث عن تطهير البلاد من «الجراثيم».

علي صالح.. حذرهم من أن «يفوتهم القطار» قبل أن يلحق هو بـ «سبنسة» النجاة بـ «إكسبريس» المبادرة الخليجية، قبل أن يجرفه حنين «الحوثيين» ويعود محاولا الحكم بفرد العضلات وقوة السلاح.

القذافي.. ختمها.. صرخ في وجوههم بالسؤال التاريخي: «من أنتم»؟!

 

(3)

هؤلاء دخلوا المراحل الأربع عبر عقود طويلة في السلطة، لكن عسكر مصر ضربوا رقما قياسيا عالميا ودخلوا موسوعة «جينيس». اجتازوا هذه المراحل في أيام قلائل بعد انقلابهم المشؤوم قبل ثلاث سنوات، وصادف يوم أمس الأحد 3 يوليو، والذي أتبعوه بدخول مرحلة القتل المباشر.

الآن..

النظام العسكري القمعي القاتل يكرر نفس الأسطوانة المشروخة لأسلافهم الذين ذكرتهم من زين العابدين إلى القذافي.

يقولون إن المظاهرات المعارضة لهم لا تعبر عن كل المصريين، وإنما عن «قلة إرهابية»، وإن المشاركين في المظاهرات مهما كان عددهم يمثلون نسبة ضئيلة من 90 مليون مصري.

 

(4)

المؤكد أن كلامهم يدل على جهل عظيم بوقائع وأحداث الثورات العالمية.

جوابهم يظهر من عنوانه، فأسلوبهم وتصرفاتهم تشير بوضوح إلى أنهم لا يقرؤون التاريخ، وإلا لكانوا عرفوا أن نسبة الفرنسيين الذين شاركوا في ثورتهم العظمى التي غيرت وجه أوروبا والعالم، لم يزد مجموعها عن 1,5 % من مجموع السكان، وارتفعت النسبة في الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه إلى 7 %. وبحسب التقديرات فإن ما يزيد عن 20 مليون مصري نزلوا إلى الشوارع والميادين طوال ثلاثة أعوام منذ الانقلاب، للمطالبة بإسقاط النظام العسكري وعودة المسار الديمقراطي.

إذن، نحن هنا أمام نسبة غير مسبوقة تفوق الـ20 % لم تصل إليها أي ثورة عالمية.

 

(5)

«الثورة» لا تأتي عن طريق الانتخابات. ولا يخرج الشعب في استفتاء ليصوت بـ «نعم» أو «لا» على اندلاع مظاهرات أو حدوث زلزال جماهيري يطيح بنظام حكم، أو إطلاق حمم بركانية غاضبة في وجه من أفسدوا البلاد والعباد.

الثورة تعني أن قطاعا من المجتمع يأخذ المبادرة ويخرج ليقضي على ظلم وديكتاتورية سلطة غاشمة. ومن الطبيعي جدا والمنطقي للغاية أن من خاطروا بحياتهم وواجهوا الرصاص الحي وقنابل الغاز السام المحرمة دوليا لا بد أن تكون كلمتهم هي المسموعة، ورأيهم هو النافذ ورغباتهم محل تحقيق. فهناك فرق بين «الشعب يتوسل» و«الشعب يريد». هذه قاعدة الثورات.

بعد أربعة عقود في السلطة، خرج القذافي بعبارته التاريخية التي كشفت عن المراحل الأربع التي يمر بها الديكتاتور: «من أنتم».

لكن زعيم «جمهورية الكفتة والفلاتر» قالها بعد ثلاث سنوات فقط من اغتصاب الحكم: «انتو مين؟!».

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …