صحفيو مصر يروون تجاربهم المريرة الحياة بعد سنوات السجن ومنعهم من الكتابة

أجري موقع “الحرة” الأمريكي حوارات مع عدد من الصحفيين الذين اعتقلوا وأطلقت السلطات الأمنية سراحهم مؤخرا يروون فيه تجاربهم في السجن وبعده.

قال الصحفي والرئيس السابق لحزب الدستور، خالد داوود، لموقع “الحرة” بعد مرور ثلاثة أسابيع على إخلاء سبيله بعد قضائه 19 شهرا خلف القضبان بدون محاكمات أو تحقيقات: “لم أكن اتخيل أن تعبيري عن رأيي قد يدخلني السجن”.

داوود كان واحدا من نحو 60 صحفيا يقبعون في السجون، حيث بدأت السلطات المصرية منذ عدة أشهر في الإفراج عن بعض الصحفيين المحبوسين احتياطيا “وإن كان بالقطارة”، بحسب تعبير داوود.

في حين لا يزال العشرات من الصحفيين في السجون يُطالَب بخروجهم، يشعرون بالقلق أيضا من كيفية عودتهم إلى عملهم بعد الإفراج عنهم، في ظل حديث في مصر منذ فترة حول “رغبة النظام المصري في فتح قنوات حوار وحل أزمة الحبس الاحتياطي”.

عاد خالد داوود، إلى عمله، كنائب رئيس تحرير “الأهرام ويكلي”، بعد الإفراج عنه، وأغلقت السلطات المصرية موقع “مصر العربية” بعد الإفراج عن رئيس تحريره، عادل صبري، من الحبس بعد قضائه عامين ونصف من الحبس الاحتياطي، رغم أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي عامان.

“أنا محظوظ”

قال داوود لموقع “الحرة” بحكم أنني معين في الأهرام منذ عام 1999، لا يوجد في القانون ما يسمح لهم باتخاذ إجراء ضدي بالفصل إلا لو صدر حكم نهائي بحقي مثلما حدث مع الصحفي مجدي حسين، بل بالعكس القانون ينص على أن يصرف لي نصف مرتبي أثناء الحبس الاحتياطي وهو ما كان يحدث أيضا معي”.

ويضيف “عندما دخلت السجن كنت أدرس في الجامعة الأميركية بالقاهرة لبعض الوقت، وعندما خرجت تلقيتُ اتصالا من عميد كلية العلوم السياسية بأن مكاني محفوظ في العام الدراسي القادم الذي يبدأ في سبتمبر 2021”.

أصبحت في حكم المشبوه

لكن صحفياً آخر، فضل عدم الكشف عن اسمه، روى تجربة خروجه من السجن لموقع “الحرة”، فبعد أن كان يعمل بشكل مستقل، في تغطية قضايا حقوق الإنسان في مصر، يقول إنه من الصعب اليوم أن تستقبله الآن أي صحيفة محلية مصرية “بحكم أنني أصبحت في حكم المشبوه”، رغم أنني لم أفعل شيئا خاطئا، بل كنت نادرا ما أعبر عن رأيي في مواقع التواصل الاجتماعي”.

أضاف أن هناك “تنكيلاً” يحدث بالصحفيين وأسرهم “ليس بالضرورة بطلب من الأمن ولكن تطوعا وتقربا له”

لذلك يعتبر داوود نفسه محظوظا بالمقارنة مع صحفيين آخرين، مضطرين للإشادة بكل ما تنفذه الدولة، أو عدم الكتابة عن مواضيع معينة أو تغطية قضايا بشكل معين.

ويقول: “من قبل ما أدخل السجن ولأنني كنت رئيس حزب وعضو في الحركة المدنية الديمقراطية، كان عملي بالاتفاق مع رئيس التحرير ينصب على الشؤون الخارجية، وأبتعد عن الكتابة في الشأن المحلي الداخلي، “أكتب عن الشؤون الأميركية أو ما يحدث في ليبيا أو سوريا، حتى لا يتعارض عملي الصحفي مع نشاطي السياسي”.

وأشار إلى أن القيود في الكتابة في الشؤون الخارجية أقل بكثير من الكتابة في الشؤون الداخلية، “ما يعطيني حرية أكبر”.

لكن حتى في القضايا الإقليمية، فإنه نادرا ما تحدثت الصحف المصرية عن قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في اسطنبول، بحكم العلاقات المصرية السعودية، أو انتقاد للرجل القوي في شرق ليبيا، خليفة حفتر، بحكم دعم مصر له.

“وضع صعب”

وحول وضع الحريات الصحفية في مصر، يقول داوود: “بشكل عام، من قبل حتى دخولي السجن كنا في وضع صعب جدا، منذ أن اختفت التعددية التي تمتعنا بها لنحو عامين أو ثلاثة بعد ثورة 25 يناير، حيث بدأ حجب المواقع”

“كان لدينا إعلام متعدد لكن للأسف الشديد، بعدما أتى نظام جديد بقيادة السيسي، له رؤية معينة للإعلام رجعنا بها إلى الوراء بشكل كبير”.

النظام يرى أن الإعلام دوره “الحشد والتوعية، وأداة دعائية أكثر منه إعلاما مهنيا، حيث يرى أننا في حالة حرب ضد الإرهاب أو من أجل التنمية من وجهة نظر الرئيس وزيادة التوعية بالقضايا التي تهدد أمن الوطن”.

حتى أن القطاع الخاص أصبح نسخة من القنوات الرسمية بعدما اشترت قنواته وصحفه شركة معينة، فاختفى التعدد، وهو ما وضع علينا ضغوطا كبيرة علينا كصحفيين في ممارسة المهنة”، بحسب خالد داوود.

حجب عشرات المواقع الإلكترونية وحبس بعض الصحفيين على ذمة اتهامات بنشر أخبار كاذبة فضلا عن أزمات اقتصادية تواجه المؤسسات الصحفية والإعلامية في مصر قد تهدد استقلاليتها، تحديات أخرى تؤثر بحسب مختصين على حرية الكلمة وأصحابها .

وعلى خارطة حرية الصحافة العالمية استقرت مصر في المنطقة السوداء حيث حلت في المرتبة رقم مئة وستة وستين من أصل مئة وثمانين دولة وفق منظمة مراسلون بلا حدود.

اعتقال.. إفراج .. “تضييق”

أما رئيس تحرير موقع “مصر العربية”، ورئيس تحرير صحيفة “الوفد” الحزبية سابقا، عادل صبري، وبعد أن قضى عامين ونصف من الحبس الاحتياطي، فقال في بيان أصدره منذ ثلاثة أسابيع بمناسبة إغلاق الموقع: “فوجئنا بحجب الموقع منذ 4 سنوات، تلاه تعرض رئيس التحرير للاعتقال لنحو عامين ونصف العام، وأثناء ذلك توقف العمل بالموقع، إلى أن أصر عدد من المخلصين من المنتمين له على مواصلة الكتابة والنشر بجهد طوعي آملين أن تنتهي الدولة من تقنين أوضاع المواقع الإلكترونية وفقًا للدستور والقانون”.

وأضاف أنه “بعد إخلاء سبيل رئيس التحرير، لم تتوقف المقابلات مع نقيب الصحفيين والمراسلات الرسمية مع الهيئة الوطنية للإعلام، في محاولات قانونية وودية لاستعادة العمل بالموقع. لكن لم تكلل جهودنا بالنجاح”.

التضييق علي صحف وزوجته

وروى الصحفي ورئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية، هشام جعفر، اليأس بسبب التضييق عليه وعلى زوجته بحكم أنه تم حبسه احتياطيا لثلاث سنوات ونصف بدون محاكمة أيضا، فكتب اعتذارا على صفحته على فيسبوك لزوجته الأكاديمية، منار الطنطاوي، والتي تم حرمانها من الترقية بسبب الدفاع عنه طوال فترة سجنه.

وقال جعفر: ” آراها تجلس في ركن بعيد من المنزل وتبكي وتظن أنني لم أرها ولا أشعر بما تعانيه من ألم وحزن على ما بذلته من مجهود لكي تتحصل على درجة الأستاذية في تخصص يندر توفره في مصر، وتصل إلى درجة علمية يصعب من كان فى ظروفها أن يحصل عليها “، مشيرا إلى حرمانها من التعيين في درجتها العلمية لأكثر من 16 شهرا؛ “لأنها وقفت بجواري تدافع عني، وتظهر للناس مدى حبي لمصر”

وقال: “ماذا فعلت منار سوى محاولة الحفاظ على ما تبقى في عيني الوحيدة من ضوء في ظل أوضاع صحية صعبة فى سجن يعرف بسجن الموت، سجن العقرب”، متسائلا عن صاحب المصلحة في حرمانها من التعيين في الأستاذية برغم حصولها على الدرجة.

واعتقلت السلطات المصرية جعفر، في أكتوبر 2015 وظل في قبضة الحبس الاحتياطي لمدة ثلاث سنوات ونصف.

بعد فترة، عاد جعفر للكتابة المنتظمة في المواقع وأصدر كتابه الأول بعد تجربة السجن بعنوان “سردية الربيع العربي ورهانات الواقع”

“لا أريد العودة إلى السجن”

أما بالنسبة لنشاط، خالد داوود، السياسي، حيث كان رئيسا لحزب الدستور وعضوا نشطا في الحركة المدنية الديمقراطية، وإن كان سيعود له بعد خروجه من السجن، فيقول إنه لا يزال يستكشف الوضع بالبلاد بعد عام وسبعة أشهر قضاها خلف القضبان كانت تتسم بالعزلة وبـ”شح كبير في الوصول للمعلومات”

ويقول: “منذ أن خرجت من السجن منذ ثلاثة أسابيع، أقابل الناس وأستكشف إلى أين وصلت الأمور، لأننا كنا في مرحلة شبه عزلة، كان ممنوعا أن تدخل لنا كسجناء سياسيين حتى صحيفة الأهرام المسموح بها في السجن، وذلك كنوع من أنواع التضييق”، مشيرا إلى أن مصدره الوحيد للإطلاع على أخبار العالم الخارجي كان “الراديو ولم تكن تصدر منه إلا قنوات أم أم التي هي بالأساس شبكة الإشاعات الرسمية للدولة”

ويضيف “حاليا أقابل الكثير من السياسيين، من تبقى منهم لأن الكثير منهم لا يزال في السجن، لأعلم الأوضاع إلى أين وصلت وما هو المسموح به حاليا، لكن حتى الآن لم أقرر لأنني بالتأكيد لا أريد العودة إلى السجن ولا أرى دخول السجن بطولة أبدا، ولا أتمنى أن يحدث لي ولا لأي شخص آخر أبدا لأنها تجربة مريرة وقاسية”.

شاهد أيضاً

الناخبون الأفارقة يتراجعون عن دعم بايدن بسبب عدوان إسرائيل على غزة

أدت سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الحرب في غزة إلى خسارته المزيد من الناخبين …