في ذكرى مولده .. لماذا لم يؤذّن الرسول للصلاة ولو لمرة واحدة في حياته؟

مع اقتراب مولد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يوافق غدا الخميس، الثاني عشر من شهر ربيع الأول الهجري، نسلط الضوء على نداء يتكرر 5 مرات يوميًا مع الصلاة، ثاني أركان الإسلام وعمود الدين.

ويتمثل هذا النداء العظيم في “الأذان” الذي يعد بمثابة إعلام للمسلمين بدخول وقت الصلاة وتذكيرهم بتلبية نداء الحق.

ولكن هل سمعت من قبل أن الرسول عليه الصلاة والسلام أذّن ولم لمرة واحدة في عمره؟ الإجابة هي لا، فما الحكمة من تركه صلى الله عليه وسلم للأذان طيلة حياته الشريفة؟

بداية، فإن الأذان الصحيح هو الذي علمه سيدنا محمد لأمته، وكان يؤذن به بلال بين يديه حتى توفاه الله، وهو عبارة عن 15 جملة:

“الله أكبر.. الله أكبر، الله أكبر.. الله أكبر، أشهد أن إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر.. الله أكبر، لا إله إلا الله”. وفي أذان الفجر فقط زيادة “الصلاة خير من النوم”

لكن لم يرد ولم يثبت عن سيدنا محمد الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه أذن للصلاة في مدة حياته الشريفة، وأنه عليه الصلاة والسلام أذَّن فقط لحفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما في أذنيهما عقب ولادتهما. لكنه لم يؤذن للصلاة.

وقد رجح أهل العلم حكم وعلل وأسباب عدة، لعدم أذان النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما أوردته دار الإفتاء المصرية وموقع “إسلام ويب” وعلماء آخرون، فيما يلي:

أولًا: أنه لو أذن لكان من تخلف عن الإجابة داخلًا تحت قوله تعالى “فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ”، فلو قال النبي “حي على الصلاة” ولم يعجلوا، لحقتهم العقوبة، حسبما أشار العلامة الحطاب في “مواهب الجليل”

ثانيًا: لأنه بُعِث داعيًا، فلم يَجُز أن يشهد لنفسه.

ثالثًا: أنه لو أذّن وقال “أشهد أن محمدًا رسول الله” لتُوهِّم أن هناك نبيًّا غيره.

رابعًا: قيل أيضًا من ضمن الأسباب أن الأذان رآه غيره في المنام، فوكَّله إلى غيره، فالأذان شُرع بناء على رؤية منامية رآها غير الرسول لكنه صلى الله عليه وسم أقرّها ووكلها إلى غيره لانشغال النبي بأمور أخرى كثيرة.

خامسًا: كما أن الأذان أمانة أسندها الرسول إلى أصحابه، وقال صلى الله عليه وسلم “الإمام ضامن، والمؤذن أمين” رواه أحمد والترمذي وأبو داوود، ومن الطبيعي أن يكون المؤذن أمينا لأنه لا ينادي فقط للصلاة وإنما للإمساك والإفطار للصائمين في شهر رمضان.

سادسًا: انشغاله صلى الله عليه وآله وسلم وضيق وقته، وكذلك الخلفاء الراشدين من بعده، لم يتول أحد منهم الأذان. وقد أشار إلى ذلك الفقهاء في معرض ذكر أدلة القائلين بالمفاضلة بين الأذان والإمامة أيهما أفضل من الآخر.

فقد ذكر الإمام النووي في “المجموع”، أن النبي والخلفاء الراشدين من بعده وكبار العلماء من بعدهم، أمّوا ولم يؤذّنوا، لانشغالهم بمصالح المسلمين التي لا يقوم غيرهم فيها مقامهم، فلم يتفرغوا للأذان ومراعاة أوقاته، وأما الإمامة فلابد لهم من صلاة.

ويؤيد هذا التأويل ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال “لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة، لأذّنت”. وكذلك اتفق الإمام الشوكاني في كتابه “نيل الأوطار” مع ما ذكره النووي.

سابعًا: وذكر العلامة عزالدين بن عبدالسلام، أن الرسول لو أذن مرّة، لتطلب ذلك منه التثبيت، أي أن يستمر عليه مواظبًا على أدائه كالإمامة والخطابة، فكيف يستطيع أن يتفرغ للأذان خمس مرات يوميًا وفي أوقات محددة بدقة، وهو رسول الله المنشغل بهموم الرسالة والدعوة؟

وقد أخرج الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذّن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم، وقد ضعف الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” رواية الأذان هذه، فقال: ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه؟

ولكن وُجد أنه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه: فأمر بلالا فأذن، فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا، وأن معنى قوله أذّن أي أمر بلالا به، كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا؛ وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرًا به.

لذلك كله لم يؤذن، لأن لو فعل سيكون تأكيدا لذلك الفعل، وربما تقاتل الناس على ذلك العمل، فكان عدم أذانه هو تخفيف للأمة ورحمة بهم، وقال صلى الله عليه وسلم “إن المؤذنين يبعثون يوم القيامة أطول الناس أعناقًا”.

شاهد أيضاً

حماس: المرونة التي نبديها لا تعني التراجع عن شروطنا وإسرائيل لا يعنيها أسراها

قال القيادي في حركة “حماس” باسم نعيم، إن “إسرائيل باتت تفهم المرونة التي تبديها حماس …