محمد المنشاوي يكتب : جو بايدن ليس محايدا بين العرب وإسرائيل

تعامل الرئيس جو بايدن بسلبية شديدة تجاه العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس. ولم يدرك بايدن أن الولايات المتحدة ليست متفرجة فى الصراع، حيث إنها جزء لا يتجزأ من القوى، التى تضر بشكل غير عادل بأحد الطرفين لصالح الطرف الآخر، وهو ما جعل تحقيق السلام أكثر بعدا وصعوبة خلال العقود الأخيرة.
واعتبر بعض المعلقات والمعلقين الأمريكيين أن استمرار دعم بايدن لأكثر الحكومات يمينية وتطرفا فى التاريخ الإسرائيلى يوفر غطاء لما نشهده من أعمال عدوانية إسرائيلية جاءت عقب صمت واشنطن وفشلها فى إدانة أعمال العنف من المستوطنين واليمينيين المتطرفين الإسرائيليين فى ساحة المسجد الأقصى قبل بدء العدوان الأخير.
ويمثل التزام الرئيس بايدن بالدعم الكامل لإسرائيل مفاجأة للكثير ممن صوتوا له فى الانتخابات الرئاسية لعام 2020 خاصة من بين داعمى وداعمات التيار اليسارى التقدمى بالحزب الديمقراطى من أنصار السيناتور بيرنى ساندرز.
ويتوقع أن بايدن أعاد وكرر ما سبقه إليه الرؤساء الأمريكيون فى اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأمريكيين من أنهم لن يفرضوا حلا للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على إسرائيل أو الشعب الفلسطينى، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل فى عرض خطوط عريضة للتفاوض بين الطرفين.
ويملك الرئيس بايدن سجلا طويلا وحافلا فى العمل السياسى، وهو ما جعله يتمتع بسجل طويل يمتد لأكثر من نصف قرن، ويشمل الكثير من المواقف تجاه جولات الصراع العربى الإسرائيلى. ويكشف استعراض هذا السجل عن التزام بايدن القوى بحماية أمن إسرائيل، وتعزيز الشراكة الأمريكية الإسرائيلية.
فقد اعتبر بايدن خلال حملته الانتخابية عام 2020 أن دعمه لإسرائيل «شخصى للغاية، ويمتد طوال حياته المهنية».
***
ومنذ رحلته الأولى إلى إسرائيل عام 1973، قبل وقت قصير من حرب أكتوبر، كان التزام بايدن بأمن إسرائيل لا يتزعزع. وخلال سنوات عمله سيناتورا عن ولاية ديلاوير، ساعد بايدن فى ضمان الدعم الثابت لأمن إسرائيل.
وقاتل بايدن فى مجلس الشيوخ لضمان حصول إسرائيل على أكبر قدر من المساعدات، وكثيرا ما وصف تقديم المساعدات المالية الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل بأنها «أفضل استثمار نقوم به بقيمة 3 مليارات دولار» وعارض دائما مبيعات الأسلحة المتقدمة لجيران إسرائيل.
وخلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتى خدم فيها بايدن نائبا للرئيس 8 سنوات، كان مدافعا رئيسيا عن تأمين الدعم للتكنولوجيات العسكرية الإسرائيلية المتقدمة، مثل نظام القبة الحديدية للدفاع المضاد للصواريخ، إضافة لنظام أروــ3 الدفاعى.
وأشرف بايدن عام 2016 على توقيع مذكرة تفاهم غير مسبوقة بين واشنطن وتل أبيب بقيمة 38 مليار دولار لمدة 10 سنوات للمساعدة العسكرية لإسرائيل، وهى أكبر حزمة مساعدات عسكرية من هذا القبيل فى تاريخ الولايات المتحدة.
وقاد بايدن كذلك الجهود الرامية إلى معارضة نزع الشرعية عن إسرائيل، سواء فى المنظمات الدولية أو من خلال حركة المقاطعة داخل الولايات المتحدة، والتى تشمل الدعوة لسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها.
وربط بعض المعلقين بين تشدد بايدن وتعهده بمنع إيران من الحصول على سلاح نووى، وبين تفهمه للمنطق الإسرائيلى المعادى للاتفاق النووى مع طهران. وفرضت إدارة أوباما وبايدن عقوبات متعددة الأطراف على إيران، واضطرتها للتفاوض، مما مهد الطريق لخطة العمل الشاملة المشتركة التى منعت إيران من تطوير برامجها النووية.
وخلال الحملة الرئاسية 2020، سخر بايدن من دعوة السيناتور الديمقراطى بيرنى ساندرز إلى فرض شروط على تقديم مساعدات عسكرية لإسرائيل، واعتبرها «غريبة» ووصف بايدن فكرة فرض شروط على تقديم المساعدات لإسرائيل بأنها «شائنة للغاية وخطأ فادح».
وخلال زيارة بايدن لإسرائيل عام 2010، أقدمت إسرائيل على توسيع مستوطنات حى رامات شلومو بالقدس الشرقية المحتلة، وبدلا من انتقاد الفعل الإسرائيلى، الذى اعتبره الخبراء مهينا لنائب الرئيس، اختار بايدن التأكيد على قوة الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وقال «التقدم يحدث فى الشرق الأوسط عندما يعلم الجميع أنه لا يوجد أى خلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل».
***
وبعد ضرب إسرائيل الحائط برغبات إدارة أوباما، واستمرارها فى بناء المستوطنات، ظهر بايدن مدافعا عن إسرائيل ورفض ممارسة أى ضغط عليها.
وبعد لجوء السلطة الفلسطينية لمجلس الأمن عام 2011 للمطالبة بإدانة بناء إسرائيل المزيد من المستوطنات بالأراضى المحتلة وسط أحداث الربيع العربى، وفى اجتماع بالبيت الأبيض حول طبيعة القرار الذى ستتخذه إدارة أوباما أمام مجلس الأمن، حذرت وزيرة الخارجية حينذاك (هيلارى كلينتون) من أن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار المستوطنات قد يقلب المتظاهرين بالعالم العربى ضد واشنطن، ووافقها الرأى وزير الدفاع روبرت جيتس، وكذلك السفيرة الأممية سوزان رايس، لكن بايدن جادل بقوة لاستخدام الفيتو، واتبع أوباما نصيحته. ومن ثم أيد كل أعضاء مجلس الأمن القرار، وكان التصويت 14 صوتا ضد (صوت) الفيتو الأمريكى.
وفى ولاية أوباما الثانية، حاول وزير الخارجية حينذاك جون كيرى بشكل محموم إحياء عملية السلام. ولكن بحلول عام 2016، أدرك الوزير أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية تحت إشراف إدارة أوباما.
وكان الشيء الوحيد المتبقى للنقاش هو ما إذا كان ينبغى على أوباما توجيه رسالة تحدد معايير اتفاق الدولتين، وأن تحصل على موافقة مجلس الأمن الدولى، وبالتالى وضع خطة عمل للإدارات القادمة. ووافق كل أعضاء مجلس الأمن القومى المعاون لأوباما على الخطوة، إلا أن بايدن رفضها.
وبعد وصوله الحكم فى يناير الماضى، تعهد بايدن بإعادة المبادئ الحاكمة التى وجهت الدبلوماسية الأمريكية نحو الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، ويشمل ذلك دعم حل الدولتين، ومعارضة عزم إسرائيل ضم الأراضى وبناء المستوطنات. لكن بايدن أكد كذلك أنه لن يتراجع عن قرار ترامب نقل سفارة واشنطن إلى القدس ولن يتراجع عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
وبعد العدوان الإسرائيلى الأخير بالقدس وغزة والضفة، ومقتل مئات الأبرياء المدنيين، أكد الرئيس بايدن على ما اعتبره «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها فى وجه آلاف الصواريخ التى تسقط عليها».

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …