محمد صالح البدراني: المخلوق العجيب

من النفس الآدمية خلقت فهي إنسان.

    أحبت آدم فلم تحب أن تخالفه عندما أغوى إبليس آدم فزلّت معه، وهل تجد امرأة إلى يومنا هذا لا ترى الحق عند من تحب؟!، وهي مستعدّة للتحمل في سبيل من تحب. المودة والرحمة تلك المغروسة، إن جمعت فهي عندها، وان فصلت فالمودة عندها والرحمة عنده.

    كذلك قال الله: (فرجل وامرأتان)، ليس لأنها ناقصة عقل بل لأن عقلها قادر على صنع سيناريوهات متعددة للحدث نفسه، هل رأيت لو أن والدتك غاضبة من أخيك وتحكي لك عنه، فإنها ستثير في نفسك تعاطفًا معها وموقفًا ضده، ولكن إن تصالحت معه ستقص ذات القصة ولكن بطريقة أخرى تجعلك تبتسم وتتعاطف معه؟، فما بالك لو أن إحدى الشاهدات تحب المتهم أو المدان!، إنها ستفعل كما فعلت حواء ستجد رواية تجعل منه بريئا، لكن الأخرى لا تحب الرجل نفسه بالصيغة نفسها فستعدّل روايتها لا محالة، لم يقل القرآن أن تنسى إحداهن، بل قال: ( أن تَضلّ) وهنالك فرق! فهي ستذهب إلى الضلال، أما الرجل فلن يَحبك الرواية بتلك القدرة.

    المرأة لا تحتاج إلى ساعات وساعات لتفهم الأمور بل ستفهمك سيدي قبل أن يرتد إليك طرفك، وليس من مفتاح لعالمها إلا الكلمة، وقد تكون منطوقة أم غير منطوقة لكنها الكلمة التي تتناغم والأعماق، فهي خير من يُعرّف الرجال على أنفسهم بحقيقتهم إن أحبت، أو كيفما تصنعهم هي إن كان زوج اختاره الأهل والأعراف، فكم من رجل قدير ومدير لا قيمة له في معيار محيطه بسبب زوجه وكم من رجال تتحسّب لهم الناس قبل أن تكتشف حقيقتهم بسبب نسائهم فقد رفعت نساءهم قيمتهم في تقييم الرجال.

   بيد أنها ثقة وحرص وكفئ لتحافظ على خلافة الأرض للإنسان على السلالة، إنها صلة الرحم وليس أيّة صلة، فالمحافظة على النسب لم توكل للرجل وإنما أوكلت للمرأة، فالمرأة لا تحركها رغبتها وانما قناعاتها.

   أعجب من الرجال وهم يريدون أن تكون النساء مثلهم، … إنها لن تكون مثلك سيدي، لكنها أمينة على صفاتك حريصة على كينونتها رغم أن حبها إدمان.

    هذا المخلوق الذي يوصف بالضعف بما يُضعف الرجال، لكنها معانٍ للقوّة والرّقة والجمال، له أسلحة يصبح مغفَّلاً من حاول أنْ يتجاوزَ حدود نظرها، فهي قادرةٌ واعيةٌ وتعرف حدود حراكها، لا يمكن أن تصف حركتها بالرّعونة فهي جهاز تخطيط مستنير يعرف حدود الفشل وبوادر النجاح، هنالك دائمًا في ذهنها مواصفات لنموذجٍ لا يعني أنها تَسْتَسْلِم له، بل أنَّها تقدّره وتُبقيه في صيانة مشاعرها.

    إن المرأة إذا اقتنعت بشيء تفعله ولا يوقفها إلا أمران، الأول: حب لإنسان آخر قريب أو زوج أو رفيق، والثاني الموت، عندما تقتنع بقيمة أو مبدأ تضحي من أجله بالزوج والابن والجميع.

    لقد رأينا في الحراك وما سمي بالربيع العربي صلابة المرأة وتواضعها في الوقت ذاته. حين تتقدم لا يثنيها أمر ولا يوقفها شعور بالخوف فقد اتخذت تلك النسوة القرار.

    ليس الأمر تدينا وغريزة تديّن بل إن قرارها هو إرادة، منطلقة من قناعات قد لا تبدو منطقية دائما، لكنها منطقية بالنسبة لها بقدر تعلقها بمهمتها في الحياة.

    المرأة من تصنع الأسرة لأنها قدوة ونموذج فهي الأقرب للأبناء والبنات لكنها حريصة أ لا تكون كل مركز القوة وأن تبقي الهيبة للرجل الى يوم يكبر الأبناء فيصبح هو من يهابون وتتمكن من إيقاف نزواتهم بالهالة التي بنتها حوله في نفوسهم.

     الرقة والجمال لتمثل السكون في النفس بل في المنهج للخليقة؛ حيث توزع هذا العبق أينما حلت إنه ليس عطرً ا يشم، بل هو إثر النفس الزكية مدينة الجمال المحصنة ذات السور المرتفع الذي لا يتسوّر عليه بل هي من تفتح لمن يسعد في ربيعها الدائم الأبواب، ذاك الربيع كالعالم السيبراني لا يظهر دوما ولا يحيى دوما الا حين يتوافق النظام.

    إن المساواة، وحقوق المرأة وما مثلها من دعوات، هي دعوات طوباوية في مجتمع إسلامي تنتجه المرأة نفسها وتدير أسرته عمليا، لكننا اليوم ومع التمزق الحاصل والتفكّك فلابد أن ننظر في قوتهن ما لامسناه أعلاه من الوصف ليكون تثبيتا لحقوق هذا الانسان البناء لنواة المجتمع والذي يحمل من الذكاء والمشاعر ومجموعة المنعكسات على السلوك بل الحياة كلها ليكون بحق يستحق الوصف بالمخلوق العجيب.

    لم افِ بحقها فعالم المرأة كالمحيط تهابه النفوس حين تنقل العيون صورته وترتعش الأبدان، من ينبوع يتهادى إلى نهر حين تكون يد أمها وضلع ابيها إلى بحر حين ترتفع أمواجها تضرب سواحل وتمحي ما على الرمل وترسم في الجرف الأشكال، إلى المحيط الحاوي لكل ما عُرف ولم يُعرف ويتحدث بكل ما يقال.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …