“أوراق فيسبوك”: شركات سعودية ومصرية متورطة في شبكة لاستغلال عاملات المنازل

في تحقيقات داخلية تمت العام الماضي، وثّقت شركة فيسبوك كيف استخدمت وكالة توظيف سعودية بالتعاون مع شركة تسويق مصرية، منصات «فيسبوك» لتسهيل عمل شبكة اتجار في العمالة تستغل النساء للعمل كخادمات في الشرق الأوسط، وفقًا لوثائق حصل عليها موقع “مدى مصر”.

خلُص التحقيق إلى أن منصات «فيسبوك» مكّنت «جميع المراحل الثلاث لدورة حياة استغلال البشر، وهي التجنيد، والتيسير، والاستغلال، عبر شبكات معقدة في العالم الحقيقي»

كانت وكالة أنباء أسوشيتد برس ذكرت، الشهر الماضي، نقلًا عن وثائق داخلية لفيسبوك كذلك، أن شركة أبل هددت بسحب تطبيقي فيسبوك وإنستجرام من متجر التطبيقات الخاص بها، بسبب مخاوف من استخدامهما لتجارة وبيع الخادمات في الشرق الأوسط.

تقرير الوكالة الذي غطى جوانب مختلفة من شبكات الاتجار، أغفل بعض التفاصيل حول كيفية استخدام الأطراف المختلفة لمنصات الإنترنت من أجل القيام بأعمالهم.

بحسب الوثائق التي حصل عليها «مدى مصر»، فإن تحقيقًا داخليًا جرى في يناير 2020، بعنوان «أوب نيوتن-العبودية المنزلية والاتجار في العمالة في الشرق الأوسط»، أثبت أن «وكالة استقدام» في العاصمة السعودية الرياض، تُدعى «مجموعة الفايز والوسيط» سهّلت شراء خادمات للعمل في المملكة، من كفلائهن بموجب نظام الكفالة (الوصاية القانونية التي تتطلب وجود كفيل للعمال الأجانب داخل الدولة) وإبرام اتفاقيات بيع مع وكالات توظيف في بلدان أخرى، من بينها مصر والفلبين.

على أن تصبح «وكالة الاستقدام» السعودية مالكة للخادمات «ملكية كاملة» عن طريق الاحتفاظ بالتأشيرات أو العقود أو عن طريق نظام الكفيل، «لاستغلالهن وأحيانًا لإعادة بيعهن مرة أخرى بسعر أعلى». يأتي أغلب النساء من الفلبين وفيتنام وسريلانكا والمغرب ومصر وغانا وإثيوبيا.

التحقيق أضاف أن شركة تسويق رقمي مقرها مصر روّجت لخدمات وكالة التوظيف، واستخدمت في الغالب صفحات فيسبوك وحسابات إنستجرام. دون أن يتضح إن كانت شركة التسويق على علم بما تقوم بتسهيله أم لا، حسبما تؤكد الوثائق الداخلية، «تسعى شركات التسويق الرقمي لزيادة عدد مشاهدي الإعلانات أو الترويج لسلعها (بشر للبيع).

قد تكون شركات التسويق هذه على دراية بالأعمال التجارية لعملائها (أي الاتجار بالبشر) أو لا، ولكن يجب أن نعتبر هذه الشركات هدفًا لمزيد من التحقيق وتدابير الإنفاذ المُحتملة»، كما جاء في الوثائق، التي استشهدت بتحقيقات داخلية متعددة.

البحث خلُص إلى أن المتاجرين في العمالة وموظفي مكاتب التوظيف والميسرين استخدموا الملفات الشخصية على فيسبوك وإنستجرام، إضافة إلى تطبيقي ماسنجر وواتساب لتبادل وثائق النساء، ومن بينها جوازات السفر وتذاكر الطيران والتأشيرات وعقود العمل، للترويج لبيعهن وترتيب عمليات الشراء والبيع وتحديد الرسوم. تم دفع عمولة لكل مُشترك في سلسلة التوريد تلك مقابل خدماتهم.

توصلت التحقيقات الداخلية إلى أن 14 شخصًا على الأقل كانوا جزءًا من شبكة الاتجار في العمالة في أكثر من ثماني دول، من بينهم 11 فردًا يعملون في وكالة التوظيف السعودية وثلاثة أفراد يعملون في شركة التسويق الرقمي في مصر.

وبحسب التحقيق أيضًا، تم استخدام 377 صفحة على فيسبوك للترويج للخادمات وتجنيدهن والإعلان عنهن، وغالبًا ما يُزعم أنها شركات نظافة عادية أو وكالات توظيف قانونية. كما تم العثور على إجمالي 39 حسابًا على إنستجرام لنفس الأغراض.

في تقريره، عرّف «فيسبوك» العبودية المنزلية على أنها «شكل من أشكال الاتجار في البشر بغرض العمل داخل المنازل من خلال استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه أو الخداع.

وتنطوي العبودية المنزلية على أداء مجموعة من المهام مثل: الطهي، والتنظيف، والغسيل، ورعاية الأطفال». وفي تقرير بعنوان «العبودية المنزلية: هذا لا ينبغي أن يحدث على فيسبوك وكيف يمكننا منعه»، يسرد كاتب التقرير بعض الإساءات التي تعرضت لها عاملات المنازل: «كشف تحقيقنا أن عاملات منازل تقدمن بشكاوى لوكالات التوظيف مرارًا بشأن حبسهن في المنازل، وتجويعهن، وإجبارهن على تمديد عقود العمل إلى أجل غير مسمى، وبدون أجر، إضافة إلى بيعهن على نحو مُتكرر لأصحاب عمل آخرين دون موافقتهن». وأضاف التقرير: «وجدنا أيضًا أن وكالات التوظيف تتغاضى عن جرائم أكثر خطورة، مثل الاعتداء البدني أو الجنسي»

تزعم وثائق «فيسبوك» أن «جميع الحسابات المرتبطة» بالتحقيق قد تم تعطيلها، بينما كشف بحث بسيط أجراه «مدى مصر» على موقع إنستجرام، عن حسابات تعلن عن خادمات، أنها تتبع أنماطًا مماثلة لما تم تحديده في شبكة الاتجار في العمالة المنزلية. يعرض أحد المنشورات صورة لجواز سفر امرأة هندية مع اسمها وصورتها. يقول التعليق بالعربية: «مسيحية، متزوجة، ليس لها أطفال، بلا خبرة، وراتبها الشهري 60 ألف دينار»

بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، تتعرض أكثر من 3.7 مليون عاملة منازل في المملكة العربية السعودية لـ«انتهاكات جسيمة، من بينها عدم دفع الأجور وتأخير دفعها، والعمل لساعات الطويلة دون يوم عطلة، ومصادرة جوازات السفر، إضافة إلى الحبس القسري، والعزل، والانتهاكات البدنية والجنسية»

في مصر، تستبعد قوانين العمل صراحةً عاملات المنازل من الحماية، ولا تمنحهن أي حقوق عمالية مضمونة قانونًا، وفقًا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية. وخلُص أحدث تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجار في البشر إلى أن عاملات المنازل الأجنبيات في مصر «بشكل أساسي من بنجلاديش وإريتريا وإثيوبيا وإندونيسيا والفلبين ونيجيريا والسودان وجنوب السودان وسريلانكا، مُعرضات للعمل القسري إلى حد بعيد؛ إذ يطالبهن أصحاب العمل أحيانًا بالعمل لساعات طويلة، ويصادرون جوازات سفرهن، ولا يدفعون لهن أجورهن، ويحرمونهن من الطعام والرعاية الطبية، ويعرضونهن للإيذاء البدني والجنسي والنفسي»

سُربت عشرات الآلاف من مستندات «فيسبوك» -مزيج من العروض التقديمية الداخلية، والدراسات البحثية، ومحاضر المناقشات، والمذكرات الإستراتيجية-في وقت سابق من هذا العام من قِبل فرانسيس هوجن، وهي موظفة سابقة في فيسبوك تحولت إلى مُبلّغة عن المخالفات. ولقد تم تقديم الوثائق المعروفة باسم «أوراق فيسبوك» إلى الكونجرس الأمريكي بعد تنقيحها من قِبل المستشار القانوني لهوجين. وحصلت مجموعة من المؤسسات الإخبارية، من بينها «مدى مصر»، على تلك النسخ المُنقحة من الوثائق.

شاهد أيضاً

حماس: المرونة التي نبديها لا تعني التراجع عن شروطنا وإسرائيل لا يعنيها أسراها

قال القيادي في حركة “حماس” باسم نعيم، إن “إسرائيل باتت تفهم المرونة التي تبديها حماس …