د. عبد العزيز الحاج مصطفى يكتب:الثورة السورية .. أوليات وحقائق

للشعوب خصائص وميزات، من أهمها: القدرة على انتزاع  الحقوق من مغتصبيها، وعدم الرضوخ لظالميها، والاستعداد للتضحية من أجل حريتها  وكرامتها. والشعب السوري واحد من أولئك الذين يملكون هذه الخصائص، ويزيدون عليها بخاصية الإيمان الفطري، الذي ترجح كفته كل ما ذكر، ووازع الأصالة التي تجعله أكثر التزاما وقدرة في مواجهة الظالمين من حكامه. ولعل هذا هو الذي شجع على قيام الثورة السورية، وعمل على إدامتها رغم كل ماتواجهه من مخاطر أو تحديات, ومن تلك المخاطر والتحديات النظام الطائفي الذي يتسلح بـ: أولا- الجيش والقوات المسلحة، وهو يعد من أكثر جيوش المنطقة عددا، وعتادا، وعدة, فضلا عن بنيته، وقد أريد له أن يكون جيشا طائفيا مهيئا لخدمة أهداف طائفية بحتة تخلو من القيم الوطنية وتتعارض معها. ثانيا-  الأجهزة الأمنية التي تجاوز عددها سبعة عشر جهازاً في سورية. وقد أنشئت لغرض مراقبة الواقع الاجتماعي السوري، وضبط الحراك فيه, وهي تعمل جاهدة من أجل بقاء النظام، ومن أجل حفظه، وحفظ رموزه، وحفظ مصالحه وسياساته. ثالثا- الحزب، والمؤسسات الحزبية البعثية والرديفة، وما أكثر تفرعاتها وهي جمعيها تعد رديفا سلطويا مطواعا لخدمة النظام، والدفاع عنه بصرف النظر عن الصح والخطأ في ممارسات ذلك النظام، وفي سياساته المختلفة والتي تعارضت وتتعارض مع المبادئ الوطنية والقومية، ومع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. رابعا-  التحالفات السياسية التي برع النظام في عقدها سواء أكانت داخلية أم خارجية,  ومنها: تحالفه مع مايسمى بالجبهة الوطنية التقدمية ومع المكونات الطائفية العرقية والدينية ( داخليا), ومع إيران والميليشات الشيعية في لبنان، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، واليمن(خارجيا)، وحيثما وُجد النفس الطائفي. قوة النظام هذه، تجعلنا ونحن نلقي النظرة على الثورة السورية وعلى مسارها الطويل، وقد شارفت على سنتها السادسة، نستشعر ما هي عليه من قوة، وقد استطاعت: أولا- أن تقضي على أسطورة الجيش الذي كان يعد بنظر بُناته الجيشَ الذي لايقهر، وأن تفككه وتسقط هيبته. ثانيا- أن تُفكك الأجهزة والدوائر الأمنية والاستخباراتية، وأن تسقط هيبتها من عين رجل الشارع الذي كان يرتجف خوفا منها. ثالثا- أن تجعل من الحزب وكوادره ومؤسساته بناء مهلهلا, وقد التحق أكثر أعضائه بالثورة وراحوا يكفرون عن ذنوبهم بالأفعال الثورية المشرفة. رابعا-  أن تواجه النظام وتحالفاته وليس أكثر من تحالفات النظام سيما أن الدوائر الصهيونية والاستعمارية بعامة تقف إلى جانبه وتدافع عنه, والمواقف الدولية من الثورة السورية اليوم تثبت صحة ذلك. وبناء على ما تقدم نقول ومن وجهة نظر موضوعية: إن الثورة السورية- وبكل المقاييس- ثورة سورية، وطنية وقومية ودينية . فهي (وطنية) كونها تنشد الخلاص لشعب سورية العظيم، المبتلى  بالنظام الأسدي، الذي حول سورية إلى مزرعة لبيت الأسد حيث  يُحتقر فيها الإنسان، ويذلّ ويستعبد. وهي (قومية): كونها تنشد الخلاص من التجزئة القومية التي فرضتها عليها القوى الاستعمارية الغاشمة مع مطلع القرن العشرين, وتتطلع إلى جامعٍ يجمع أمة العرب على أساس من حاضرها وتاريخها المجيد، وبما يضمن عزها وتقدمها، ومكانتها المرموقة بين الشعوب. وهي (دينية): كونها تنشد الإسلام السمح، الذي من شأنه أن يؤاخي بين الشعوب، ويزيد من قوتها، في مواجهة نشاز الرؤى الذي بات يهدد الأمن والسلام، الذي ينشده الناس جمعيا وفي كل مكان. إنها والحق يقال: ثورة مقدسة بصرف النظر عن الاختلالات والممارسسات وهي المخلص المنتظر من مخاطر كثيرة، قد يكون أهمها: أ- (المخاطر القومية): إذ إن من الأهداف الإيرانية استبدال الهوية العربية بالهوية الإيرانية الفارسية، وذلك بعد القضاء على الثورة السورية، وبعد تحويلها إلى ولاية إيرانية. وحضور الميلشيات الشيعية على الساحة السورية واستبسالها في الدفاع عن النظام يؤيد ذلك. ب- (المخاطر الدينية): والمعروف أن من أهداف دولة ولاية الفقيه الشيعية، القضاء على أهل السنة والجماعة, وفرض التشيع بالقوة المسلحة، كما حدث في إيران زمن الشاه إسماعيل الصفوي. ج- ( المخاطر الشخصية) إذ إنه في حين تمت هيمنة الشيعة على سورية فسيكون المواطن السوري فاقدا لحقوقه الوطنية والقومية والدينية كالمنبوذين أو الخدام, أو على أحسن تقدير، كالشعوب الإيرانية غير الفارسية مثل العرب والكرد والبلوش، والعالم كله يعرف حجم انتهاكات حقوق الإنسان في إيران. وهذه المخاطر الثلاثة ( القومية والدينية والشخصية) هي التي تجعل الثورة حتمية، وتجعلها مقدسة بالرغم مما شابها أو يشوبها الآن من شوائب، وقد كثر دخنها أو داخلتها الاختلالات، حتى كادت حقائقها أن تُعمَّى على المشاهد الحاذق. كما أن استمرارها يعد قدر السوريين بالرغم من عمق الجراح، وكثرة القتل، وأن هذا القدر هو الذي سيجعل نصرها حتميا، مهما طال الزمن وامتد، ومهما كثرت القوى المتألبة ضدها, حتى ولو أضعفت في العدد إلى أضعاف ماهي عليه الآن. رئيس وحدة الدراسات السورية – مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …