الزكاة في رمضان وواجب الزمان

تعتبر فريضة الزكاة من أعظم تشريعات الإسلام؛ فمن خلالها يتأسس المجتمع الذي يشعر أفراده ببعض، ويتكافل الميسرون فيه مع أصحاب الحاجة. ولأهميتها في الإسلام شرع الله تعالى من جنسها عدة أنواع، كالصدقة التطوعية التي لا ترتبط بزمان ولا مقدار ولا مكان، وزكاة الفطر التي هي واجبة على كل من شهد شهر رمضان من المسلمين، تدفع للفقراء والمساكين، قبل صلاة العيد، ويقوم بإخراجها رب الأسرة عن كل من يعول من الصغار والكبار، حتى المسلم  الفقير يدفع زكاة فطره – من الصدقات التي تُعطى له- عن نفسه وعمن يعول، وفي ذلك إشارة تربوية إلى أهمية تعود الأمة بكل شرائحها – الفقراء والأغنياء- على خِلال المتقين في العطاء والإنفاق والتفكير في الآخر. وهذا ما يمكن أن  نفهمه من قوله تعالى عن المتقين: “الذين ينفقون في السراء والضراء”. إذ “السرّاء” تعني: حال الغنى، “والضرّاء” تعني: حال الفقر.

ومن أجل أن تكون شعيرة الزكاة بجميع أنواعها فاعلة داخل المجتمعات، ومتميزة في تحقيق أهدافها، تولى الله تعالى توزيعها بنفسه في ثمانية مصارف، تهدف في مجموعها إلى بناء مجتمع إنساني مترابط، تتلاشى فيه الفوارق الطبقية، وتتحقق فيه الكرامة الإنسانية، وتُجذّر من خلاله معاني العدالة الاجتماعية الحقيقية بين أفراد الأمة الواحدة.

ويلاحظ عند تأمل هذه المصارف الثمانية (الفقراء، المساكين، العاملين عليها، المؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل) أن أساس الزكاة والصدقات في الإسلام هو حفظ الفرد ورعايته في الجوانب المادية والروحية والعقلية، ويجب أن تُقدر الأمور بقدرها في الضرورة والمصلحة بحسب الزمان والمكان عند توزيع الصدقات.

ولعل هذا المعنى المستنبط من آية مصارف الزكاة، هو الذي دفع كثيراً من الفقهاء إلى القول بجواز إخراج القيمة النقدية في الزكاة بشكل عام، وبخاصة في زكاة الفطر عند الحاجة والمصلحة كما قال ابن تيمية في توضيحه لرأي أبي حنيفة وأحمد، ويكاد هذا الرأي أن يكون هو الأنسب في هذا العصر الذي تتعدد فيه أشكال البؤس والفقر بين العائلات المشردة، والجوعى الذين يأكلون من القمامة أو يموتون جوعاً، والمطاردين المظلومين، واللاجئين المستغيثين، والأيتام والثكالى.. وغيرهم من المسلمين الذين تباعدت أوطانهم، وكثرت مصائبهم، وتنوعت احتياجاتهم، مما يلزم أصحاب الفتوى والمؤسسات المعنية بجمع زكاة الفطر وتوزيعها أن يعتمدوا الآراء الفقهية التي تحث على ما فيه منفعة هؤلاء الفقراء ورفع معاناتهم، والحفاظ على الحد الأدنى -على الأقل- من إنسانيتهم؛ وذلك بتوجيه  توزيع زكاة الفطر وغيرها من الصدقات لإطعام الجياع، وكسوة العرايا، وإيواء المشردين، وفك أسر المعتقلين ورعاية أسرهم، والتفريج عن المكروبين، ونصرة المظلومين والمستضعفين، في كل مكان, وليس في بلد تجميع الزكاة فحسب, وتقدر الأمور بالأولوية، ويجب لتحقيق ذلك أن يكون هناك مسح شامل لاحتياجات فقراء الأمة وترتيبها حسب المصلحة، بما يحفظ الضرورات الشرعية الخمس (الدِّين، والنَّفس، والمال، والعِرض، والعقل).

بالله عليكم، إذا لم تكن زكاة المسلمين وصدقاتهم – في هذا الشهر الكريم وفي غيره- موجهة لحفظ أرواحهم ودينهم وأعراضهم وكرامتهم، فما حكمة تشريعها إذن؟ وما فائدة الفخر بالمليارات التي تجمعها المؤسسات الخيرية والإغاثية، إن لم تكن تطعم من جوع, وتطمئن من خوف, وتعز من مهانة وذل, وتقوي من ضعف, وتسهم في رفع الأمة إلى قيمتها في الخيرية بين الأمم؟!.

إن واجب العصر يقتضي أن ينتهي المسلمون من خلافاتهم حول صاع البُر والشعير والأرز، وهل إخراج الزكاة نقدًا أم عينًا؟ وأن يتوجه أثرياء الأمة عن طريق المؤسسات الخيرية وبدعم العلماء الصادقين ببناء جسور التكافل والتعاون مع المجتمعات الفقيرة المقهورة، الواقعة بين مطرقة الموت والهجران، وسندان الذل والطغيان، وأن يسرعوا في ذلك قبل أن تصل كتائب التنصير ووفود الإلحاد بالطعام والدواء والكساء والتعليم.

إن عظمة الإسلام تكمن في مرونة تشريعاته وصلاحيتها لكل الأزمنة والأمكنة، وبخاصة فيما كان فيه مصلحة الإنسان وسعادته في ظل ثوابت الشرع وركائزه.

…………………………..

كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة قطر

شاهد أيضاً

د علي محمد الصلابي يكتب :ليلة النصف من شعبان.. أحكام وفضائل

حرص السلف الصالح أشد الحرص على الأوقات، خصوصا فيها الأعمال التي حباها الله تعالى بمزيد …