د. أحمد زايد يكتب: الضرورات العشر للحركة الإسلامية (6)

الإجابة على الأسئلة الكبرى

قد يبدو عنوان هذا المقال خفيفا ونحن بصدد الحديث في الضرورات، لكن سيظهر خلاف ذلك من خلال التفصيل، ذلك أن الحركة الإسلامية اليوم وقبل اليوم لا تزال أمام أسئلة كبرى تحتاج منها إلى جواب واضح غير ملتبس، وبناءً على الأجوبة ستُرسم  الخطوات وتُوضع المناهج وتُضبط التوجهات ويسير الجمهور الداخلي (أبناء الحركة) والخارجي ( المؤيدون ) من المسلمين وغيرهم على بينة وبصيرة.

أسئلة كبرى تبحث عن جواب صريح

أولا: هل الحركة الإسلامية حركة تغيير أم حركة إصلاح؟

والفارق بينهما كبير، فالتغيير ببساطة هو عملية “هدم” لقديم غير صالح، للإتيان بجديد صالح، أما الإصلاح فهو ” إجراء إصلاحات على قديم قابل للإصلاح”، والتغيير سابق بالضرورة لعملية الإصلاح، وبعبارة أهل التزكية ” تخلية وهو التغيير، وتحلية وهو الإصلاح” ويتحتم التغيير في حالة استشراء الفساد في القديم واستحالة إصلاحه والبناء عليه.

لقد سارت الحركة الإسلامية في عملية إصلاح كبير لكنها لم تصل إلى مواقع التأثير الكبرى في الحياة بدءًا من المال ومرورا بالجيش والشرطة والقضاء والإعلام, وسُمح لها قصدا أن تعيش في دائرة إصلاحية لا تهدد كثيرا النظم التي  تمتلك عناصر التأثير الكبرى المذكورة في المجتمعات، ولم تسمح لها تلك الأنظمة بالوصول إلى أبعد من مقاعد في البرلمانات وأحيانا بعض الوزارات، ولم تصل إلى سدة الحكم كما في مصر مثلا إلا في ظرف ثوري استثنائي لولاه ما وصلت إلى هذا الخط الأحمر المحظور.

وقد أكدت كافة الدلائل التاريخية والواقعية وبخاصة بعد وقوع تلك الثورات الشعبية العربية أن الأنظمة الحاكمة في دولنا الإسلامية الآن ما هي إلا امتداد للاحتلال الغربي بصورة أو بأخرى، وفلسفتها ومناهجها وتوجهاتها تغاير كليًا فلسفة ومناهج وتوجهات ومقاصد الإسلاميين، وهنا يأتي السؤال هل تتعامل الحركة مع هذه الأنظمة بمنطق “التغيير” كما نظَّر لذلك الشهيد “سيد قطب”، حيث رأى أن هنالك تعارضا شديدا بين فكرتين ونظامين وحقيقتين: الإسلام والجاهلية، الحق والباطل، الخير والشر، حاكمية الله وحاكمية البشر، وأنه لا سبيل إلى الوساطة أو المصالحة بينهما، ولا انتصار لأحدهما إلا بالقضاء على الآخر؟ .. أم  بمنطق الإصلاح الذي كان يراه الإمام “البنا” ويعمل من خلاله وفق منهج التدرج المعروف؟

 وقد رأينا حركة الإخوان  المسلمين في الأقطار المختلفة تنهج نهج “البنا” ولا تميل إلى نظرية “سيد قطب”، ثم جاءت الثورات المضادة بأطرافها الداخلية والخارجية لتقول للحركة عمليا: لن نقبل بوجودكم حتى لو أتت بكم الديمقراطية، ولو أوصلتكم الصناديق والإرادة الشعبية إلى الحكم، فصوت سلاحنا أقوى، وقد وصل الأمر أن طغت هذه القوى بسلاحها وكافة أجهزتها على الحركة الإسلامية حتى أوصلت البلاد إلى حالة من الحرب المستعرة كما هو مشاهد في سوريا واليمن وليبيا, ومن قبل الجزائر، وقتلت من قتلت ولا تزال في مصر، والمؤكد أن أي دولة عربية لم تقع فيها ثورة سيُفعل مع أهلها من قِبل أنظمتهم ما فعلته النظم التي قامت عليها ثورة بالفعل.

وهنا تبرز جملة تساؤلات لقيادة الحركة من أبنائها:

  • هل نحن جماعة تغيير أم إصلاح؟
  • إن كنا جماعة إصلاح فإلى متى نربي ونبني ثم تأتي دبابة غاشمة وسلاح أهوج يقتل ويهدم بكل بساطة ويسر، فما جدوى الإصلاح والبناءِ إذن؟ وإلى متى؟ وهل في السيرة ما يؤيد مسلكنا هذا؟
  • إن كنا جماعة تغيير فأين وسائل التغيير التي من شأنها أن تهدم نظاما لتقيم آخر؟
  • لو افترضنا أننا انتهجنا منهج الإصلاح ثم ظهر أنه غيرُ مجدٍ مع أنظمة لا تعرف إلا القهر، فهل من المناسب أن نستمر في نفس النهج؟ أم لابد من التغيير بعد ظهور الحقائق والنتائج؟ أم يكفينا في ظل العجز أن نسلك طريقا نستبقي به الإسلام في النفوس دون أن ندخل في صراع مع السلطات والأنظمة المستبدة؟

وغير ذلك من التساؤلات التي تنتج تساؤلات أخرى ومنها:

  • هل الإصلاح المنشود طريقه حتما وحقا هو العمل الشعبي والامتدادات داخل النقابات والاتحادات الطلابية وغيرها؟ أم أنه امتلاك نفوذ  إلى داخل قوى التأثير ومراكز صنع القرار، مثل النخب والقيادات الفكرية، ومواقع التأثير مثل الشرطة والجيش والقضاء مع صعوبة ذلك؟
  • هل التعاطف الشعبي مع الحركة واستجابة الجماهير لشعاراتها، وتأييدها بقوة في الانتخابات مؤشر نجاح فعلي للإصلاح ودليل نجاح حقيقي لا سطحي للحركة؟ أم أن انفضاض الجماهير عن الحركة وقت الشدة وانقلاب الكثير منها عليها في لحظة من اللحظات ينبغي أن يكون دافعا للحركة لإعادة حساباتها وطرق تقييمها لخطواتها؟
  • ثم هل الإصلاح, طريقه بالفعل شعبي جماهيري، أم فوقي مؤسساتي، أم نخبوي ثقافي، أم طريقه امتلاك القوة القاهرة؟ يعني هل إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع…. إلخ هو الطريق الطبيعي للإصلاح؟ وهل يمكن لو كان منهجا طبيعيا أن تنتهجه الحركة في ظرف وحالة ليست طبيعية؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة واضحة في ظل المتغيرات الجديدة في عالم اليوم.

أتصور أن إجابة الحركة عن هذه الأسئلة عبر مفكريها وعلمائها وأصحاب التخصص والخبرة والبصيرة، أجوبة واضحة محددة, يُعد من الضرورات الآنية العاجلة، وأيا كان الاختيار والجواب فشرط قبوله أن يكون بريئا من الجهل أولا, والهوى والعاطفة والتسرع ثانيا، وثالثا قائما على العلم والمعلومات والحقائق، ورابعا عماده التجرد والتأني، مراعيا للمصالح والمفاسد والمآلات .

 وليس عيبا أن تقول الحركة: إن الواجب هو كذا لكننا لا نقدر على فعله لأسباب هي كذا وكذا، أو تقول: الصواب هو كذا مهما كانت تضحياته ومتاعبه ولن نحيد عنه، أو تقول نحن لا نملك إجابة،  وحينئذ لن نخطو خطوات أشبه بالمغامرات التي تكبدنا خسائر لا مقابل لها.

إن أبناء الحركة في حاجة ماسة إلى معرفة مواضع خطوهم بصورة علمية مقنعة، حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم.

ملاحظة أخيرة: لابد أن هذا السؤال الكبير الذي هو بمثابة الضرورة إنما يوجه للحركة في البلاد الإسلامية، أما الحركة داخل البلدان غير الإسلامية والتي يكون فيها المسلمون أقلية فالسؤال غير وارد وغير مقصود فهناك أسئلة كبرى تناسب هذه البيئات لكنها من نوع آخر.

…………….

أستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …