د. أسامة الرفاعي يكتب: هل فشلت عملية إنقاذ مصر جراحيا؟

 هل فشلت عملية إنقاذ مصر جراحيا؟

البعض يرفض مجرد طرح هذا السؤال؛ وحجتهم في ذلك أن “عملية إنقاذ مصر” لم تنتهِ بعد، فالجرّاح مازال ممسكا بالمشرط، والدم ينزف من يديه، ودماء الضحية – عفوا المريض- ما زالت تغطي أرض غرفة العمليات.

نعم؛ ما زالت بطن المريض مفتوحة، والأمعاء بارزة، والطبيب يقلب في الأحشاء، كأنه لا يعرف الخريطة التشريحية لبطن المريض, وهذا برغم اعتقاده الشخصي، أنه طبيب الفلاسفة وفليسوف الأطباء.

لعل الذين يرفضون طرح السؤال معهم بعض الحق؛ ولكن علينا أن نذكّرهم بأنه من حق بعض ذوي المريض أن يسألوا عن حالته، خصوصا إذا غاب في غرفة العمليات، لمدة سنتين ونصف سنة.

ألم يحاسبوا الرجل الذي حاول العلاج قبله، منذ أول يوم لدخوله غرفة العمليات، ثم عزلوه بعدها بسنة واحده لم تزد يوما؟!

واليوم يتم الحديث عن 25 سنة للديموقراطية و 47 سنة للتنمية الشاملة!

***

لقد أخبركم الجنرال أن المريض يحتاج لتدخل جراحي، ويجب أن نضحي ببعض الأعضاء حتى يعيش باقي الجسم, وطلب منكم تفويضًا بذلك، وأخذ التفويض، والدعم، وكل ما يريد!

لقد فوضتم الجنرال لأن يفعل كل شيء يحلوا له… كل شيء، نعم، كل شيء.  لقد ساندته كل أجهزة الدوله؛ الجيش، والقضاء، والشرطة، والإعلام، مع دول الخليج، التي تبرعت بعشرات المليارات من الدولارات، وكذلك رجال الأعمال، وصندوق النقد الدولي..إلخ. فلماذا لم ينجح؟

لقد سكتم على قمع الأصوات، وتكميم الأفواه، وتشويه الثورة، من أجل أن ينجح الجراح، ولكنه مازال يقطّع، ويشرّح، ويجزر، دون أن ينجح.

أيها المفوضون: لماذا لم نصل إلى الجنة الموعودة؟ لماذا لم تصبح مصر “قد الدنيا”؟

لماذا انهار الاقتصاد؟ لماذا ارتفع الدولار؟ لماذا لم ينجح جهاز علاج الإيدز؟ لماذا لم ينجح المؤتمر الاقتصادي؟ أين العاصمة الجديدة؟ أين المليون وحدة سكنية؟

لماذا تغلق المصانع؟ لماذا تهرب الاستثمارات؟ لماذا تفشل السياحة؟ لماذا لم ننجح في تأمين سيناء؟ لماذا مازال الجنود يُقتلون هناك؟

هل تظن أن الزج بعدد 50 ألف مواطن مصري في المعتقلات، حتى الآن لا يكفي لإنقاذ مصر؟ اقترح إذن العدد الكافي!

هل تظن أن قتل 1500 مواطن في يوم واحد (14 أغسطس 2013) لم يكن كافيا؟ هل تظن أن حرق 37 مواطنًا في عربة ترحيلات سجن أبو زعبل لم يكن كافيا لانقاذ مصر؟ هل تعتقد أن سجن البنات والأطفال والشيوخ لم يكن كافيا لانقاذ مصر؟

اقترح رقمًا جديدًا أكبر، للقتلى، والمعتقلين، والضحايا، وعليك أن تتبرع بنفسك أو ببعض أقاربك من أجل مصر، حتى تنجح العملية.

كاريكاتير

***

قال لكم صاحبكم: لا بد أن نضحي بالبعض حتى يعيش الكل، وتمت التضحية فعلا بالبعض – كما رأيتم- بدون رأفة أو رحمة؛ فلماذا لم ينعم الجميع بالعيش الرغيد؟

لقد تم قطع الكثير من اللحم الحي من جسد مصر؛ ورأينا الجروح بأعيننا، ورأينا دماءها، وشاركنا في جنائزها.

ولقد سمعناكم تهتفون بعد كل جرح في جسد مصر: تسلم الأيادي. فلماذا لم تصل السلامة إليكم بعد؟!

الجميع يعلم أن ما تم قطعه بالجراحة لن يعود أبدا، وسيترك مكانه عاهات، وتشوهات، في كل مكان من الجسد. لكنكم قلتم: سنضحي بالجمال، والكمال، حتى تعود العافية إلى الجسد؛ ولكن زادت العاهات والتشوهات، ولم تعد العافية والصحة!

***

نعلم أن البعض قد بدأ يشك في الطريق، فقط عندما وصل مشرط الجنرال إلى جسده. ومع ذلك فهو لا يستطيع أن يصرخ مع شدة الألم. والبعض الآخر لم يفق إلا بعد أزمة الدولار، وارتفاع الأسعار، وجفاف النيل.

ومع كل هذا فهناك من لا يزال تحت تأثير المخدر(البنج) الذي تسرب إلى ضميره، فأصبح ضميره ميتًا إكلينيكيا.  ولكننا نخاطب الذين لم تمت ضمائرهم:

“فكروا في الأمر؛ فربما هذه العملية الجراحية الدموية قد فشلت، وربما أصيبت الأمة بالشلل،؛ وهي تحتاج لبعض العلاج الطبيبعي، الذي يعيد لها بعضًا من عافيتها”.

 ولكن العلاج لن يعيد تلك الأجزاء التي قطعها الجنرال، فتلك الأجزاء قد ذهبت إلى الأبد، وهي الآن في انتظار الذين فوضوا بقطعها؛ حتى تأخذ بهم إلى ربها وتقول: يارب سل هذا فيما قتلني، وسل هذا فيما حرض على قتلي.

ورغم ذلك فمازالت هناك فرصة للمراجعة والحساب قبل ذلك اليوم، فلا تضيعوها.

تبقى كلمة أخيرة لا بد من قولها، حتى لا يقال إننا نحتكر الحقيقة.

هناك من يرى أن العملية الجراحية الدموية في مصر قد تمت بنجاح. فقبل أيام، صرح الرئيس الإسرائيلي “رؤوفين ريفلين” أن الجنرال عبد الفتاح السيسي؛ قد أنقذ مصر من الأصولية الإسلامية وإقامة “دولة الشريعة”، وذلك أثناء لقائه بقادة المنظمات اليهودية الأمريكية (المصدر: دانيال أوفير مراسل القناة الأولى الإسرائيلية).

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …