د. عزالدين الكومي: صمود الإخوان أمام زلزال التطبيع

طالعت ما كتبه الكاتب” عريب الرنتاوي” بعنوان ” “زلزال” التطبيع الذي ضرب الجماعة الإخوانية في وحدتها وسرديتها ” .
وقد وقع الكاتب في مغالطات كثيرة في سرديته للزلزال الذى أصاب الإخوان من جراء هرولة الأنظمة الخائنة نحو التطبيع مع الصهاينة .
وكنت أتمنى من الكاتب أن يتحلى بالموضوعية في طرحه لهذا الموضوع الشائك، لكن الكاتب أصر على سرد المغالطات ؛ وعداؤه للتوجه الإسلامي والتيار الإسلامي جعله يضع جميع الحركات والأحزاب الإسلامية في سلة واحدة ضمن خندق الإخوان ثم يوجه سهامه الطائشة إليها محملاً الجماعة كل السلبيات سعياً منه وفق خياله المريض لتشويه الجماعة بتاريخها وجهادها ..ومثله في ذلك مثل الانقلاب في مصر حاليا إذ يحمل كل الكوارث والمصائب التي تحل بمصر للإخوان ويلصق تهمة الانتساب للإخوان لكل من يعارضه أو يخالفه حتى يبرر الانتقام منه ..
وعند حديث الكاتب عن فكرة الوطنية الإسلامية، عند الإخوان، فهو ينطلق من خلفية قومية علمانية، رافضاً رؤية الإخوان للوطنية، باعتبارها تقوم على العقيدة الإسلامية، لأن الإسلام جعل الشعور الوطني بالعقيدة لا بالعصبية الجنسية، لكنها عند القومجية ترتبط بالحدود الجغرافية.
فالإخوان يربطون بين الوطنية القُطرية، والقومية العربية، والوحدة الإسلامية ويرون أن هذه دوائر ثلاث يكمل بعضها بعضًا ،والمسلم مطالَب بأن يعمل لها جميعًا إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن بدأ العمل لوطنه ووحدته وتقدمه أولاً ثم لقومه من العرب ثانيًا، ثم لأمته الإسلامية ثالثًا.
ولكن أكثر ما أهالنى استشهاد الكاتب باسطوانة خطاب ” عزيزى بريز” .
وأنا أحيل الكاتب إلى شهادة الدكتور سيف عبدالفتاح مستشار الرئيس مرسي – رحمه الله – وهو أحد الأحياء، وقد قال في مقابلة مع قناة الجزيرة: ” بأن هذه الرسالة كانت جزءا من “مؤامرة ومهزلة قام بها أفراد من الحرس الجمهوري، رغم تنبيه الرئيس مرسي لهم بأن أي رسالة موجهة للولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل يجب أن تعرض عليه منفردة في ملف مستقل”، وأن “المكلف بشؤون البروتوكول كتب هذه الرسالة ودسها في الملف ضمن الخطابات الاعتيادية التي تتعلق بتهاني اعتيادية”.
وألمح مرسي لما نشرته وسائل الإعلام بشأن رسالته إلى الرئيس الإسرائيلي، قائلاً : “أنا لم أعهد الالتفات إلى الصغائر والتفاهات”، مضيفًا “ورقة ملفقة هنا أو هناك.. الرجال بمواقفهم وأفعالهم”، مشددًا على أن الشعب المصري يعلم موقفه”.
والكاتب يحاول التملص من الحقيقة، وهي أن الأنظمة العميلة ،هي التى هرولت للتطبيع مع الصهاينة وليس جماعة الإخوان المسلمين ، صاحبة المواقف المعروفة من الصهاينة منذ تأسيس دولة الكيان الصهيوني وحتى اليوم.
فقد صرح “موشيه ديان” بعد حرب 1948، وهزيمة الجيوش العربية مجتمعة:
(…أن إسرائيل لا تخشى الجيوش العربية مجتمعة ولكنها تخشى تلك الكتيبة التي ترفع صوتها بالتكبير وتسمي نفسها الإخوان المسلمين.!)
وتحت عنوان (اعرف عدوك) نشرت مجلة حائط يصدرها الطلاب اليهود المتدينون في الجامعة العبرية في عددها الصادر في شهر حزيران 1970م، صورة للشيخ حسن البنا، رحمه الله، وكتبوا تحت الصورة تعليقاً قالت فيه:
” إن صاحب الصورة كان من أشد أعداء إسرائيل، لدرجة أنه أرسل أتباعه عام 1948م، من مصر ومن بعض البلدان العربية لمحاربتنا، وكان دخولهم الحرب مزعجاً لإسرائيل لدرجة مخيفة، ولولا أن أصدقاء إسرائيل في مصر تكفلوا آنذاك بكبح جماح أتباع حسن البنا وتخليص إسرائيل منهم، لكان وضع اليهود الآن غير هذا الوضع.
ولابد أن يعلم الكاتب إن التطبيع بكافة صوره وأشكاله ممنوع سواء قام به إخواني أو شيطاني فلماذا يتحامل الكاتب على جماعة الإخوان بهذا الشكل ، لأن حزب العدالة والتنمية المغربى وافق على التطبيع بحكم وجوده في الحكومة، بالرغم
من الإعلان بأن الحزب ليس جزءا من الإخوان.
فقد أكد رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران في مقابلة، مع موقع قناة “الحرة”، على أن حزب العدالة والتنمية (إسلامي) لا ينتمي إلى مدرسة الإخوان المسلمين. وأن حزبه تيار سياسي وليس دينيا ويرفض الخلط بينهما.
لذا هناك خلط كامل بين أحزاب مستقلة نهجها قريب من الإخوان مثل العدالة والتنمية التركي والمغربي ولها سياساتها المستقلة.. فتلك أحزاب ذات مرجعية إسلامية لا شك لكنها محكومة بعلاقات الدولة السابقة على وجودها في الحكم احتراما لمعاهدات الدولة مع الآخرين.
أما عن مواقف الرئيس مرسي من الصهاينة والتطبيع معهم وغزة فأكثر من أن تحصى ،فعندما وقع العدوان على غزة في عام 2012 قال قولته المشهورة: “لن نترك غزة وحدها”، وأرسل رئيس وزرائه أنذاك الدكتور “هشام قنديل” لزيارة غزة.
وأما عن موقفه من اتفاقية كامب ديفيد، والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، قال في حالة أصبح رئيساً للجمهورية فسيحترم المواثيق والعهود، ولكنه استدرك قائلاً: “لكن على الطرف الآخر احترامها أيضًا”، مشددًا على عدم احترام الطرف الأخر، أي “إسرائيل”، للسلام.
وكان الرئيس مرسي – رحمه الله – يدرك صعوبة التحلل من اتفاقية كامب ديفيد دفعة واحدة، أو حتى إظهار الرفض لهذه المعاهدة بسبب القيود الداخلية والخارجية، لكن في المقابل قام بخفض مستوى العلاقات السياسية والأمنية مع الكيان الإسرائيلي، وحاول ممارسة الضغط السياسي على “إسرائيل” ، وجعلها تعمل في بيئة إقليمية غير مريحة، خصوصًا خلال العدوان على قطاع غزة 2012.
و قد وصفت هيلاري كلينتون في مذكراتها الرئيس مرسي بأنه “سياسي استثنائي قذفه التاريخ من الغرفة الخلفية إلى كرسي الرئاسة منكبا بطرائق كثيرة على تعلم سبل الحكم من النقطة صفر، فيما الأوضاع متأزمة جدا”. كما أبدت هيلاري ارتياحها إلى اهتمامه بأن يكون صانع صفقات أكثر من ميله إلى “الغوغائية” (تقصد صفقة التسوية في غزة مثالا).
وتشير إحدى الرسائل المسربة للمستشار الخاص بهيلاري كلينتون، سيدني بلومنتال، والذي نقل في رسالة أخرى عن مصدر مطلع أن ” الرئيس مرسي يعتبر أنه إذا استطاع أن يوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن ذلك سيكون من أكبر إنجازاته، وهذا ما صدقته الأحداث بعد ذلك ” .
وبعد الانقلاب على الرئيس المنتخب ، اعترف بعض قادة الاحتلال بضلوعهم في هذا الانقلاب، ومن هذه الاعترافات ما أدلى به من شهادة في الإذاعة العبرية الرئيسُ الإسرائيلي السابق شمعون بيريز جاء فيها: “أخشى أن يوجه المصريون غضبهم إلى إسرائيل بعدما فضح الإعلام دور نتنياهو الكبير في دعم الانقلاب على مرسي”.
فقضية فلسطين بالنسبة للإخوان قضية عقدية قبل أن تكون قضية سياسية .
يقول الإمام البنا رحمه الله- “إن الدماء التي خضبت أرض فلسطين .. وإن آلاف الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل المثل الإسلامي الأعلى .. وإن المسجد الأقصي الذي انتهكت حرمته .. كل أولئك يهيبك أيها الأخ المسلم أن تبذل في سبيل الله ما وهبك من روح ومال لتكون جديراً بالاسم الذي تحمل، وباللواء الذي ترفع وبالزعيم الذي أنت به مؤمن ..”.
“ما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمة الإخوان لن تنته”.
وبعد كل ذلك يأتى من يتحدث عن وطنية الإخوان؟!!

 

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …