زيادة انتشار فيروس كورونا تزيد احتمالات تحوُّره وفقد اللقاحات الحالية فاعليتها

يثق العلماء في قدرتهم على الاستجابة للسلالات المتغيِّرة والأكثر فتكاً من فيروس كورونا، لكن السؤال هو: ما مدى سرعة تلك الاستجابة؟ وماذا لو فقدت اللقاحات الحالية فاعليتها؟

يرجع سبب طرح مثل هذه التساؤلات إلى ظهور أكثر من سلالة متحورة من فيروس كورونا، أكثر قدرة على الانتشار وربما أكثر فتكاً، وذلك بعد البدء في حملات تلقي اللقاحات. ففي حالة توقَّفَت اللقاحات عن العمل، أو بمعنى أدق فقدت فاعليتها، ما مدى سرعة استجابة الشركات المُصنِّعة لذلك الاحتمال؟

كما كانت عملية تطوير لقاحات كورونا هي الأسرع على الإطلاق في التاريخ البشري، فإن شركات الأدوية التي صنعت تلك اللقاحات تستعد الآن لبدء العملية برمتها من جديد، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية

وفي سياق هذه المناقشة يمكن التوقف عند خبر إصابة 10 من أفراد أحد الأطقم الطبية في إسرائيل بعدوى كورونا رغم تلقيهم جرعتين من لقاح “فايزر-بيونتيك” المضاد للفيروس قبل فترة قصيرة، وبالتالي قررت وزارة الصحة هناك فتح تحقيق في الحالات، للتوقف عند تاريخ الإصابة وكيف حدثت العدوى، وما إذا كانت إصابتهم نتيجة الطفرات أو التحورات الجديدة للفيروس التي ظهرت في عدة دول.

تحورات كورونا تثير القلق

ومع ظهور سلالاتٍ مثيرة للقلق بمقدورها أن تجعل الفيروس أكثر قابلية للانتقال، وكذلك أكثر فتكاً وأكثر مقاومةً للقاحات، فإن الشركات المُصنِّعة التي كانت استجابتها قياسيةً في سرعتها تسارع الآن لدرء التهديدات الجديدة.

ورغم ثقة العلماء في قدرتهم على الاستجابة للسلالات المتغيِّرة والأكثر فتكاً من فيروس كورونا، يظل السؤال هو: ما مدى سرعةٍ تلك الاستجابة؟ وقد أعلنت شركة موديرنا، التي طوَّرَت مع منافسين مثل فايزر وبايونتيك وشراكة جامعة أوكسفورد مع أسترازينيكا لقاحاتٍ في أقل من 12 شهراً، أنها ستبدأ التجارب البشرية على مُعزِّزٍ جديد مُصمَّم لاستهداف سلالة 501.v2، الذي كُشِفَ عنه لأول مرة في جنوب إفريقيا.

وقال ستيفان بانسيل، الرئيس التنفيذي لشركة موديرنا، لصحيفة Financial Times البريطانية: “نريد فقط أن نكون حذرين للغاية لأن الفيروس مخادع، وهذا ما تعلَّمناه جميعاً بالطريقة الصعبة العام الماضي”. وأضاف: “لا يمكننا أن نتحرَّك الآن… لأن الأمر سيستغرق شهوراً من أجل إعداد المرحلة التالية في حال احتجنا إليها”.

وقرَّرَت شركة موديرنا بدء تجربةٍ جديدة بعد أن اكتشفت أن لقاحها أدَّى إلى إنتاج مستوياتٍ من الأجسام المضادة كانت أقل بستِّ مراتٍ في حالة سلالة 501.v2 من سلالاتٍ أخرى حُدِّدَت بالفعل. وأحد أهم أسباب الدفع في هذا التوجُّه يكمن في أنه كلَّما زاد انتشار الفيروس زادت احتمالية تحوُّره.

هل سلالة البرازيل أكثر خطورة؟

رغم أن البيانات تشير حتى الآن إلى أن اللقاحات الحالية فعَّالة بشكلٍ عام ضد بعض السلالات الأكثر انتشاراً، بما في ذلك سلالة B.1.1.7 التي كانت مسؤولةً عن الارتفاع الحاد في الحالات في المملكة المتحدة، والسلالة 501.v2 لم تنشر أيُّ شركة مُصنِّعة للقاحات بياناتٍ عن سلالة P.1 المثيرة للقلق، والتي كُشِفَ عنها في البرازيل.

بالنسبة لشركات الأدوية، سيكون توفير الوقت قدر الإمكان من التطوير الأوَّلي والتجارب والتصنيع أمراً بالغ الأهمية إذا توقَّفَت فاعلية اللقاحات الحالية ضد السلالات الناشئة.

هونغ كونغ الجنسية البريطانية

وقال دان باروش، الباحث في جامعة هارفارد، الذي ساعد في تصميم اللقاح المُرشَّح لشركة جونسون آند جونسون: “اللقاحات المُستخدَمة تعتمد جميعها على سلالة ووهان الأصلية، ومن المُحتَمَل أنه إذا كان هناك تأثيرٌ على لقاحٍ فسيكون ذلك في جميع اللقاحات”

وأضاف أن الأمر لا يتعلَّق بالتكنولوجيا الأساسية لكيفية صنع اللقاح، وقال: “يتعلَّق الأمر بالوقت الذي تتَّخِذ فيه القرار حول ما إذا كنت ستصنع لقاحاً جديداً أم لا”.

لقاحات تجريبية ضد السلالات الأخطر

استعداداً للأسوأ، يعمل العلماء على لقاحاتٍ تجريبية قد تكون فعَّالة ضد السلالات الحديثة مثل 501.v2 وP.1. وقال مين بانغالوس، نائب الرئيس التنفيذي للبحث والتطوير في مجال المستحضرات الصيدلانية الحيوية بشركة أسترازينيكا: “بمجرد أن ظهرت هذه السلالات بدأنا العمل على اللقاحات التي تستهدفها”

وقال إن الأمر سيستغرق من شهرٍ إلى ثلاثة أشهر قبل أن تصبح النماذج الأوَّلية جاهزة، والهدف هو أن يكون لديك مُرشَّح يستهدف “جميع السلالات الرئيسية السائدة”، ثم تبدأ الشركة في التجارب السريرية.

وقالت ناتالي لاندري، نائبة الرئيس التنفيذي للشؤون العلمية والطبية بشركة الأدوية الكندية ميديكاغو، التي تطوِّر ثلاثة لقاحات مُرشَّحة، إنهم يعملون أيضاً على نماذج أوَّلية، وأضافت: “أتوقَّع أن كلَّ شركة تصنِّع لقاحات تفعل الشيء نفسه”

وقالت لاندري إن الأمر استغرق حوالي 20 يوماً لإدخال التسلسل الجيني للسلالة الجديدة وتنميتها في مزرعةٍ نباتية، بحيث تشكِّل جزيئاتٍ تشبه الفيروسات، وهذا من شأنه أن يخدع الجهاز المناعي ليعتقد أنه يستقبل جسيماً فيروسياً.

وقالت المجموعات التي تنتج أنواعاً أخرى من اللقاحات إن عملية صنع نموذج أوَّلي جديد للقاح ستستغرق بضعة أيام فقط.

وأشارت إلى لقاح الإنفلونزا السنوي، الذي يُعدَّل كلَّ عامٍ اعتماداً على أكثر السلالات فتكاً في الدورة الدموية، إذ إنه نظراً لوجود العديد من السلالات المختلفة في كثيرٍ من الأحيان، تنتج الشركات المُصنِّعة للقاحات أربعة لقاحات منفصلة لوضعها في جرعةٍ واحدة.

وسيمكِّن إعداد نماذج أوَّلية من اللقاحات والمُعزِّزات الشركات الآن من الانتقال بسرعةٍ إلى تجارب صغيرة الحجم عند ظهور سلالاتٍ جديدة من الفيروس.

وفي حالة كوفيد-19، أوضحت لاندري أنه إذا أقرَّت منظمة الصحة العالمية أو المنظِّمون أن سلالةً سابقة لم تعد منتشرة، فسوف “نقوم بالتحوُّل إلى التصنيع بالكامل”، ولكن “إذا كانت التوصية هي أننا سنحتاج لإضافة سلالة أخرى، فسوف يتعيَّن علينا تقسيم إنتاجنا إلى قسمين”

التكنولوجيا الحالية يمكن استخدامها

قال بانسل إن شركة موديرنا انتقلت من رصد تسلسل الفيروس إلى شحن الجرعات الأولى من لقاحها التجريبي في 42 يوماً، لكن “من المُحتَمَل أن نكون أسرع في إصدار لقاح جديد إذا لزم الأمر”

وقال لصحيفة Financial Times إن تحويل التصنيع سيكون “سهلاً للغاية”، لأن كلَّ شيءٍ تقريباً في تركيبة الدواء سيبقى كما هو. الشيء الوحيد المختلف هو التسلسل الجيني، المُكوَّن من “البلازميد”، وهو قطعة دائرية من الحمض النووي. ولدى موديرنا خططٌ لإنتاج بلازميدات جديدة لسلالة 501.v2 وتخزين هذا المكوِّن إلى حين الحاجة إليه.

وقالت شركة بيونتيك الألمانية، التي أنتجت نوعاً جديداً من اللقاح مثل موديرنا، يعتمد على مراسل الحمض النووي الريبوزي، إنها قد تستخدم التكنولوجيا الحالية لإنتاج لقاح جديد سريعاً ضد طفرات الفيروس.

وقال أوجور شاهين، الرئيس التنفيذي لشركة بيوأنتك، الشهر الماضي: “إن روعة تقنية مراسل الحمض النووي الريبوزي تكمن في أنه يمكننا البدء مباشرةً في هندسة لقاحٍ يحاكي تماماً هذه الطفرة الجديدة، ويمكننا تصنيع لقاح جديد في غضون ستة أسابيع”

وأقرَّ بانغالوس، من أسترا زينيكا، بأن لقاحات مراسل الحمض النووي الريبوزي “ربما تتمتَّع بميزة 4 إلى 6 أسابيع”

وقال أوميش شاليغرام، مدير البحث والتطوير في معهد Serum في الهند، أكبر مصنِّع للقاحات في العالم، إن “إعادة صنع اللقاح لن تستغرق الكثير من الوقت”

بالشراكة مع خمس مجموعاتٍ صيدلانية دولية، بما في ذلك أسترازينيكا ونوفافاكس، التزم معهد Serum بإنتاج مليار جرعة لقاح في عام 2021.

وقال الدكتور شاليغرام إن الشركة لديها التكنولوجيا لاستبدال المُكوِّن الأساسي للقاح دون تغيير أيٍّ من المُكوِّنات الأخرى، ومع ذلك أقرَّ بأن بناء القدرة التصنيعية قد يستغرق ستة أشهر.

شاهد أيضاً

بلومبرغ: فشل العمليات الأمريكية ضد الحوثي وعملياتهم ضد السفن مستمرة

أثار تقرير نشرته “بلومبرغ” عن تطورات العمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد جماعة …