سليم عزوز يكتب :دراما رمضان: المبدع لا يتم تخليقه في المصانع الحربية!

لا أمل في الدراما المصرية، وقد استولى عليها العسكر بوضع اليد، وحولوها إلى أداة للتوجيه المعنوي، بذات الخطاب الفاقد للمعنى وللروح معاً!
لا يدرك العسكر أن الفن لإبداع، وأن المبدع لا يجري تخليقه في المصانع الحربية، وأن احتكار الفن لا يعني إجبار المشاهد على استهلاك المنتج الوحيد، فهذا قد يصلح مع ألبان الأطفال، عندما يفتعل القوم أزمة، ليضعوا أيديهم على استيراده، ثم يقوموا برفع سعره، فلا يكون أمام المواطن المغلوب على أمره إلا أن يرضخ لهذا الوضع القسري!

لقد أنشأ العسكر شركة للسيطرة على الإعلام هي «اعلام المصريين» وهي شركة قامت بتفريخ شركات كثيرة، وواحدة من هذه الشركات احتكرت الدراما، ولأنها سلطة تؤمن – بالفطرة العسكرية – بحكم الرجل الواحد، فقد أناطت بشركة الإنتاج الدرامي لمنتج مبتدئ هو تامر مرسي، والذي يكتب اسمه بكثافة في كل مسلسل، فيبدو منافساً نشطاً لاسم عبد الفتاح السيسي في البورصة، وكثيراً ما تختفي اسم شركة الأجهزة الأمنية، ليظهر اسم تامر مرسي وحيداً!

وكان الهدف من هذه السيطرة، أن يحقق القوم انتصارات في الدراما لم يحققوها في ساحات الوغى، وأن يعملوا على تحقيق الانتصار على خصومهم بعد تشويههم، الذي فشلوا في تحقيقه عبر ترسانة القنوات التلفزيونية وبرامج «التوك شو» التي وضعوا أيديهم عليها أيضاً، فيصبح الانتصار في مسلسل «الاختيار» كما لو كان انتصاراً على أرض الواقع، على قاعدة ما لم تحققه في يقظتك، اذهب للنوم لتحققه في الحلم. رسبت في الامتحان، احلم أنك نجحت بتفوق، وفي العام الماضي كان «الاختيار» عن الانتصار العسكري الذي تمثل بالقبض على هشام عشماوي، حيث لا يجدون غضاضة في تزوير الوقائع، فالقبض على ضابط الجيش المصري السابق في ليبيا، لم يكن مهمة عسكرية أو مخابراتية مصرية، فقد قبض عليه ليبيون، والعالم كله عرف بهذا.. لكن لا يهم!

وفي «الاختيار2» هذا العام، فان القوم يهدفون إلى غسل أدمغة المشاهد، بأنهم ضحايا في مذبحة رابعة، حيث كان الإخوان مسلحين، فكل الدعاية المكثفة ضد اعتصام رابعة، وكل الاستباحة التي جرت للمعتصمين في السمعة والعرض بالحديث عن نكاح الجهاد في الاعتصام، ومع هذا لم ينجحوا في مهمتهم فظنوا أنهم قادرون في مسلسل؟!
وكلنا شوق إلى «الاختيار3» عندما يعلن بطل العمل، أن مياه النيل خط أحمر، ثم يطلق صواريخه فتهدم السد، عندئذ يشعر المصريون بالراحة الأبدية، لهذا الانتصار الذي تتحقق، ويتم تكريم السيسي في صورة بطل العمل صاحب الضربة الجوية!

بطالة النجوم

ومنذ أن وضع العسكر أيديهم على الدراما، وهم يحاولون تطبيق فلسفتهم في استبعاد كبار الفنانين، وتخليق فنانين في المصانع الحربية، واستبعاد كذلك كتاب الدراما الكبار، والاعتماد على الكتاب المجهولين، أو ورش الكتابة، حتى لا يحسب النجاح لكاتب، أو لنجم، أو لبطل العمل، وانما يحسب للفكرة، وهي «انتاج الجيش» وربما كانت الاستعانة بمنتج نكرة هو تحقيق لهذه الفلسفة، لكنه تحرك بكتابة اسمه مرات عدة على كل عمل، ففرض نفسه بقوة، ولعله كان يمني نفسه أن يكون النجاح في هذه التجربة للمنتج!
واشتكى فنانون كبار من أنهم صاروا عاطلين، وأعلنوا استعدادهم للقيام في أي أدوار، مهما كانت قصيرة، لكن التجربة فشلت، ولم ينجح الدفع اليدوي في إثبات أنها نجحت من خلال الدعاية بـ»الهاشتاغ» وعبر الـ»سوشيال ميديا» لإحداث خداع بصري، وبدأت الاستعانة بالكبار في حدود بعض الأعمال!

وقد كان يحيى الفخراني، من علامات شهر رمضان، منافساً في هذا مع نور الشريف، وممدوح عبد العليم، وغيرهم، وهو قادر بموهبته الفاحشة أن يجعل من الفسيخ شربات، ومن دور خفيف هو حمادة عزو، موضوعاً جاذباً للمشاهدين، وقد تفجرت موهبته في دور «شيخ العرب همام» لكن في الوقت الذي كانت فيه زوجته لميس جابر كاتبة الدراما قريبة من أهل الحكم، بقدر ما ابتعدا عن الشاشة، ومن الفنانين من انحازوا للانقلاب العسكري ومع هذا أحالهم للتقاعد: إلهام شاهين نموذجاً.
لقد تمت مكافأة، عائلة الفخراني باختيار زوجته عضواً في مجلس النواب في البرلمان السابق، وفي هذا العام عينت الزوجة في النواب، وعين الفخراني في مجلس الشيوخ، وأعربت لميس جابر عن دهشتها لأن يحيي لا علاقة له بالسياسة ليعين في هذا الموقع، فمنذ متى كانت للميس جابر علاقة بالسياسة؟!

لكن لا بأس، فالسيسي نفسه استنكر أن يكون هو رجل سياسة، مع أنه يتولى أعلى منصب سياسي في بلد بحجم مصر، وظن أن كونه ليس سياسيا مما يفخر المرء به، كأن يدخل أحدهم غرفة العمليات ليجري عملية لمريض، ثم يفخر بأنه مهندس كبير في مجال الري بالتنقيط!
وعندما يكون رأس الدولة ليس سياسياً فلا غرو أن يولي المناصب السياسية لغير السياسيين حتى يبدو بينهم «أبو العريف» والفيلسوف الكبير، فضلا عن أن تعيين الزوج والزوجة في غرفتي البرلمان، هو ضمن سياسته المعتمدة، في تصغير الدولة المصرية، لتتشكل من مجموعة في حدود الألف شخص هي التي تستحوذ على الثروة والمواقع المتقدمة، وضربنا بهذا مثلاً في هذه الزاوية من قبل، فمن صحيفة واحدة عين كلا من رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير في مجلس الشيوخ، وعين رئيس تحرير عضواً في مجلس الشيوخ والمسؤول في قناة «دي إم سي» وهكذا.. حتى لا نكرر أنفسنا! ووفق هذه القادة عينت لميس، ويحيى، في مجلسي النواب والشيوخ، أما لماذا لم تعين واحدة هاجمت الإخوان كثيراً إبان حكمهم ولم تحصل من السيسي ولو على دور ثانوي في مسلسل أطفال، وأقصد بذلك الهام شاهين؟ فقد أفصحت عن السبب مبكراً لإلهام وللقاضية السابقة في المحكمة الدستورية تهاني الجبالي!

فقد قلت للأخيرة لأنك محسوبة على الفريق سامي عنان، وقلت للثانية لأنك محسوبة ضمن أنصار الفريق أحمد شفيق، والسيسي شعاره أغنية الست الخالدة: «وهات لي قلب لا داب ولا حب ولا انجرح ولا شاف حرمان».. إنه كالفريك، حيث ورد في الأثر: «أنا كالفريك لا أحب شريك»! لزوم القافية فالصواب لا أحب شريكاً! وقلت للأخيرة إنها ستخرج من المولد بلا حمص وقد كان، ولم أكن أقرأ الطالع أو أضرب الودع، فقد قام الانقلاب العسكري بوقف العمل بالدستور، الذي بمقتضاه تم ابعاد تهاني الجبالي من عملها كقاضية، وكان ينبغي عودتها للمحكمة الدستورية العليا ولو من باب النكاية في الإخوان، إلا أن رأس الانقلاب لم يفعل! وربما يصله ما نكتب، فيرد علينا بأن يوليها ولو موقعا في المجلس القومي للمرأة ويعيد الهام شاهين للتمثيل، لكن فليبلغ الحاضر الغائب إنه إن فعل هذا فسيكون من تأثير هذه السطور، وستكون تهاني والهام مدينات لي بـ «الحلاوة»!

العطاء الوفير

لقد أغدق النظام على عائلة الفخراني، فعين الزوج والزوجة في مجلس النواب، ثم استعين بالزوج لبطولة مسلسل من انتاج شركة الانقلاب العسكري التي وضعت يدها على الدراما، هو عمل أيضاً من اخراج نجل يحيى ولميس، الشاب «شادي الفخراني» ولم يبق إلا أن تكتبه لميس التي أظنها ستعود للدراما، في رمضان المقبل، إن كان في العمر بقية، كما عاد يحيى الفخراني للتمثيل بعد سنوات من التجاهل، بعد أن فشلت صيغة تخليق الفنانين في المصانع الحربية، ولا بد من العودة للنجوم الكبار، ولو لبعض الأعمال!
ونظراً لأن مسلسل «نجيب زاهي زركش» كتبه كاتب محترف هو عبد الرحيم كمال، ويقوم بدور البطولة فيه فنان كبير بحجم الفخراني، فقد وجدت من المناسب مشاهدته، وحتى كتابة هذه السطور كنت شاهدت الحلقات الثلاث التي عرضت منه على قناة «دي إم سي» أو قناة المخابرات! ومن السابق لأوانه تقييم العمل في بدايته، وإن راعني أنه أعاد اكتشاف الممثل محمد محمود، بعد سنوات من الأدوار الثانوية. كما راعني استمرار «دور الميت» الذي يقوم به فنان كبير، ليموت في الحلقة الثانية، كما حدث في شهر رمضان من العام الماضي من استدعاء فنان بحجم عبد العزيز مخيون ليموت في الحلقة الثانية، تماماً كما قبلت «هالة فاخر» القيام بدور الميتة هذا العام، لتموت في الحلقة الثانية أيضاً، فهل الذي دفعهما للقبول بذلك هو قلة الأعمال المعروضة عليهم، في ظل سيطرة القوات المحمولة جواً على الدراما؟ أم تراهما اعتبرا أنه لا يرفض طلب للمنتج العسكري، حتى لا يغضب، فإذا غضب أنهى حياتهم الفنية، وقد يكون قبول الدنية هو «عربون محبة» للتودد لهذه العقلية العسكرية؟!

المزعج أن حلقة من نصف ساعة تعرض في قرابة الساعتين، حيث الفواصل الإعلانية الطويلة والمملة، فقد استولى حكم العسكر أيضاً على سوق الإعلانات بما فيها إعلانات الطرق، التي كانت توزع بين إدارات الإعلانات في المؤسسات الصحافية القومية، بجانب بعض شركات الدعاية الخاصة، وتستحوذ «الأهرام» على نصيب الأسد من هذه الكعكة! فلم يترك العسكر شيئاً لأحد، غير أنهم تدخلوا في غير فنهم، ففشلوا ولم يفلحوا، وبعد كل رمضان يظنون أن اثبات النجاح يكون بالتوجيه المعنوي للجان الإلكترونية في التأكيد على هذا النجاح، مع أنه إذا استبعدنا النقد في التقييم، وقد تحول إلى دور من أدوار العلاقات العامة، فإن معيار النجاح يكون اقبال المحطات التلفزيونية في البلاد الأخرى بشراء هذه الأعمال؟ فكم عمل باعوا؟ مع التسليم بعدم وجود منافسة، بعد غياب الدراما السورية؟ إن عسكر 1952، وعندما وضعوا أيديهم على انتاج الدراما، أعطوا الخبز للخباز، لكن عسكري هذا الأيام يأخذ كل سفينة غصباً، ليطبق فلسفته التي لا تفضي سوى للفشل!
ما لكم والابداع؟!

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …