عبد الحافظ الصاوي يكتب :هل مصر جاهزة للحرب؟!

دخول مصر في حرب سواء في اثيوبيا أو ليبيا، يطرح العديد من الأسئلة، ومن أهمها سؤال جاهزية مصر اقتصاديًا للدخول في حرب، وبخاصة أن مصر على مدار عقود تعد دولة مأزومة اقتصاديا.

على الرغم من أن الحروب يكون لها دوافع متعددة، إلا أنها ليست نزهة، فلها تكاليفها المختلفة، من خسائر تتعلق بأرواح البشر، وما ينتج من تدمير لمرافق وبنى أساسية، فضلًا عن تكاليفها الاقتصادية، المباشرة وغير المباشرة منها، وهي عملية غير مضمونة العواقب، فقد يكون نتيجتها انتصار، ومن ثمة تعويض ما تم فقده اقتصاديًا، وقد يكون العكس، وتتأزم الأوضاع الاقتصادية.

وثمة احتمال ثالث بأن تستمر الحرب لوقت طويل، مما يؤدي إلى استنزاف الثروات، وإزهاق المزيد من الأنفس، وخير مثال على هذه الحالة، ما تعيشه تجربة تحالف السعودية والإمارات في اليمن، فلازالت السعودية واليمن يعانيان  من تورطهما في تلك الحرب، ولا يجرأن عن الإعلان عما تكبداه من أموال، بسبب هذه الحرب.

والأحداث التي تعيشها مصر على الصعيد السياسي، قد توحي بإمكانية اتخاذ قرار بالدخول في حرب، فالتطورات في قضية سد النهضة بإثيوبيا، وما تتركه من تهديدات حقيقة للأمن القومي المصري، قد تؤدي إلى اتخاذ قرار بالدخول في حرب.

 وإن كان أداء السلطة الحاكمة في مصر إلى الآن، يدور في فلك الرغبة في المفاوضات والزج بملف القضية في أروقة مجلس الأمن، إلا أن ذلك لا يستبعد خيار قرار الحرب، وإن كان احتمالًا ضعيفًا.

وفي نفس الوقت تطورت الأحداث في ليبيا، على الأرض، حيث تقدمت قوات حكومة التحالف الشرعية، وتراجعت قوات حفتر التي تساندها مصر، وهو ما دعا السلطة الحاكمة في مصر لطرح المبادرات بخصوص الشأن الداخلي الليبي، بما فيها إمكانية التدخل العسكري، وإن كانت ربطت ذلك بدعوة القبائل القريبة لها، حسب تصريحات السيسي، وزعم السيسي، بأنه هذه الحالة سيكون تدخله العسكري في ليبيا استوفى الشرعية الدولية.

ولكن دخول مصر في حرب سواء في اثيوبيا أو ليبيا، يطرح العديد من الأسئلة، ومن أهمها سؤال جاهزية مصر اقتصاديًا للدخول في حرب، وبخاصة أن مصر على مدار عقود، تعد دولة مأزومة اقتصاديًا، فهل ستعتمد مصر في حالة دخولها في حرب، على مواردها الذاتية، أم تراهن على دعم مادي خليجي صريح، وبخاصة أن كل من الإمارات والسعودية، أعلنتا عن دعمهما لموقف السيسي من الأوضاع في ليبيا، سواء للمبادرة التي طرحها للأوضاع في ليبيا، أو لإعلانه المتعلق بتأمين حدوده، وحماية الأمن القومي لمصر.

تجربة مختلفة

خرجت القوات المسلحة المصرية، في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، لتشارك في الحرب على العراق، ضمن قوات التحالف الدولي، لتحرير الكويت، وحصلت مصر على ثمن مشاركتها بقواتها البرية في ذلك الوقت، من خلال قبول صندوق النقد الدولي بتوقيع اتفاق لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مع مصر، الذي بموجبه، تم إسقاط 50% من ديون مصر الخارجية، كما تم إسقاط 6.5 مليار دولار ديونا عسكرية مستحقة لأمريكا على مصر، ومثلها تم إسقاط ديون كانت لدول الخليج على مصر.

وبذلك تنفست مصر الصعداء، وخرجت من الأزمة المالية الخانقة، التي كانت تلم بها بنهاية الثمانينيات، وإن كانت الإدارة الاقتصادية في مصر بعد ذلك، ألفت إهدار الفرص، واستمرت في ممارسة الريعية اقتصاديًا، وفرطت في أصولها الرأسمالية، في برنامج للخصخصة، شابه الفساد بنسب كبيرة.

ولكن الدخول في حرب من قبل مصر هذه المرة، مختلف عن حرب الخليج الثانية ضد العراق، فحرب مصر إن وقعت مع إثيوبيا أو ليبيا، لا تحظى بهذا الغطاء الدولي والإقليمي الذي توفر للحرب على العراق، ففي إثيوبيا، ثمة تعقيدات قانونية ألزمت مصر بها نفسها، بالاتفاق الثلاثي الذي جمعها مع السودان وإثيوبيا، مما أدى إلى تفريط السيسي في حصة مصر من مياه النيل.

ولا ننسى أن الحرب في ليبيا، ليست بالبساطة التي يتصورها البعض فثمة شبكة من المصالح، التي تجعل من دول مثل ايطاليا وفرنسا وروسيا وأمريكا وتركيا، وسيكون قرار الحرب الذي تتخذه مصر، مؤثرًا على مصالحها، وهو ما سيدعو هذه الدول لممارسة ضغوط على مصر، تجعلها تفكر كثيرًا في قرار الحرب، وبخاصة أن مصر، تعاني من أزمة اقتصادية، تجعلها في موقف ضعيف في مواجهة هذه الدول.

الرهان الخاسر

قد يكون السيسي معتمدًا على الدعم السعودي الإماراتي، لدخوله في حرب في ليبيا، في إطار إستراتيجية الإمارات والسعودية لمحاربة ثورات الربيع العربي، باعتبار أن حكومة الوفاق الشرعية، امتداد للثورة الليبية.

فالأوضاع المالية والاقتصادية لكل من الإمارات والسعودية، تعاني من تراجع واضح، وبخاصة في ظل انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، فضلًا عن التداعيات السلبية لأزمة كورونا على اقتصاديات هاتين الدولتين.

ولعل إعلان السعودية أخيرا عن سعيها لإنهاء الحرب في اليمن، يأتي نتيجة لتكبدها المزيد من الخسائر الاقتصادية في حرب اليمن. وفي أمر الدعم الإماراتي السعودي للسيسي، لابد أن نستحضر الاستراتيجية التي تحكم هذا الدعم، وهي أن يتم توريط مصر، ثم تركها للاستدانة الخارجية، والحرص على أن تستمر مصر دولة تستجدي الدعم والمساعدات.

 تم هذا في العاصمة الإدارية الجديدة، والعديد من المشروعات التي دخل في فيها السيسي. ولازالت دول الخليج تنتظر ودائعها في البنك المركزي المصري، التي تقدر بنحو 18 مليار دولار، حيث تعجز مصر عن سدادها، وفي كل مر تطلب أجلًا جديدًا للسداد.

التحديات الاقتصادية

في الآونة الأخيرة أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، عن التداعيات السلبية لأزمة كورنا على مستوى الأفراد والأسر، حيث انخفضت دخول 73% من أفراد المجتمع بسبب الإجراءات الاحترازية، والبطالة، وتراجع الطلب.

كما أن 55% من المشتغلين يعملون لعدد ساعات أقل، وأن البطالة نالت من 26% من المشتغلين، وأن 18% أصبحوا يعملون بصورة متقطعة. وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، تراجعت كافة مصادر النمو من الخارج، مثل السياحة، وعوائد قناة السويس، وتحويلات العاملين بالخارج، وعوائد قناة السويس، والصادرات السلعية، والاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وعقب تطورات أزمة كورونا، شهد الوضع المالي المصري، تراجعًا ملحوظًا، كان من أهم مظاهره، لجوء حكومة السيسي للاستدانة بصورة كبيرة، عبر سوق السندات الدولية بنحو 5 مليارات دولار، ومن السوق المصرية، تم إصدار أذونات خزانة بالدولار بنحو 1.5 مليار دولار، وحصلت مصر على قرض من صندوق النقد الدولي بنحو 2.7 مليار دولار، وتم الاتفاق مع بعثة خبراء صندوق النقد على قرض آخر بنحو 5.2 مليار دولار، ويسكون هذا القرض متاحًا خلال يوليو 2020، بعد موفقة المجلس التنفيذي للصندوق، وسيصرف على مدار عام.

ومن هنا فالمؤشرات المالية والاقتصادية، تظهر أن مصر عاجزة عن تسيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، في الوضع الطبيعي، فماذا يتوقع لو دخلت في حالة حرب، سواء مع إثيوبيا، أو ليبيا؟

القرارات غير المدروسة، هي سمة من سمات السلطة الحاكمة في عهد السيسي، وبخاصة أن السيسي، لا يعتد بقضية البحث والدراسة، فمعظم قراراته التي كلفت مصر مليارات الدولارات، كانت قرارات شخصية، افتقدت  وجود دراسات، كما حدث في توسعة قناة السويس، أو العاصمة الإدارية الجديدة، أو صفقات التسليح.

ولكن قرار الحرب، يختلف عن القرارات السابقة، وإذا ما تم اتخاذه، فسيكلف مصر أعباء جديدة، سوف تزيد من قسوة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بمصر، وستكون مصر عاجزة عن سداد تكلفتها لعقود مقبلة.     

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …