في ذكري 30 يونيه .. تعليمات لإعلام السلطة بـ “احتفاء استثنائي” بإنجازات الانقلاب

ازدحمت صحف اليوم، 30 يونيو، بعناوين متطابقة تقريبًا، تتحدث جميعها، قومية ومستقلة، عن الجمهورية الثانية أو الجمهورية الجديدة.  جاءت عناوين اليوم استمرارًا لحملات انطلقت في الصحف والقنوات المصرية مع بداية الأسبوع الثاني من شهر يونيو الجاري للاحتفاء بالذكرى السابعة لوصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم عند أدائه اليمين الدستورية في 8 يونيو 2014، بعد أقل من عام على الانقلاب علي الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب.

يتكرر الاحتفاء بذكرى تنصيب السيسي كل عام في الوقت ذاته ويستمر حتى ذكرى انطلاق مظاهرات 30 يونيو والإطاحة بمرسي بعدها بأيام، لكنه أخذ شكلًا جديدًا هذا العام، كمًا وكيفًا. نشرت بعض الصحف اليومية ملاحق من نحو أربع إلى ثمان صفحات لمراجعة أهم إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي في مختلف المجالات. كما شملت تخصيص حلقات بالكامل تقريبًا من عدد من البرامج لمراجعة هذه الانجازات ولنشر فيديوهات عنها.

الجمهورية الجديدة

تحدثت عناوين الصحف عن «الجمهورية الجديدة» -وهو التعبير الذي استخدمه السيسي في أحد أحاديثه العامة قبل أشهر قليلة لوصف المهمة التي قرر أن يحققها، أو «السيسي وحكاية 2555 يومًا» أو «وطن يسابق الزمن ومواطن في قلب الرئيس.. إنجازات الرئيس السيسي تفوق الخيال» كما تشاركت جميعها في استدعاء حكاية النبي يوسف كما أوردها القرآن للحديث عن سنوات حكم السيسي.

 

إلى جانب هذا، تلقت غرف الأخبار توجيهات استثنائية واضحة بتجنب الإشارة إلى أية أخبار سلبية من أي نوع، حتى إذا كانت أخبارًا من قبيل انهيار عقار أو حادث قطار، بحسب مصادر صحيفة مختلفة.

 

تفاصيل رسالة “سامسونج”

“مدى مصر» تحدث إلى عدد من المصادر الصحفية والإعلامية والسياسية لفهم سياقات ودوافع الاحتفال المختلف هذا العام (اشترط جميعهم عدم الكشف عن هوياتهم) وبحسب بعض المصادر، فإن الاحتفاء المبالغ فيه ربما يمثل تمهيدًا لـ«شيء ما» قد يحدث خلال عام حكمه الثامن.

بحسب أحد كبار محرري واحدة من الصحف القومية، فإن «الرسالة» التي وصلت كل الصحف واضحة: هذا العام يجب الإشارة بوضوح لكل ما قام به الرئيس من إنجازات عبر السنوات السبع الأخيرة. وأضاف أن الرسالة حملت «بالضبط» قائمة الإنجازات المطلوب الإشارة إليها، وحتى ترتيب أيها يأتي في المقدمة وأيها يأتي متأخرًا، وكذلك عناصر التغطية المطلوبة تحت كل عنوان من عناوين الإنجازات.

ورغم أن هذا المحرر نسب «الرسالة» إلى جهات صحفية عليا في البلاد، إلا أن محررًا آخر في صحيفة مستقلة قال إن مصدر «التعليمات» هو جهة «غير صحفية» وإنما «سيادية» أبلغت عددًا من رؤساء التحرير وكبار المحررين أن المطلوب هو «تذكير الناس بالإنجازات بصورة مباشرة»

يفسر عضو مجلس تحرير إحدى الصحف الخاصة هذا التضارب بتعدد الجهات التي ترسل تعليماتها إلى الصحف ووسائل الإعلام. لكن طبقًا له، فإن التعليمات الأهم تذهب مباشرة إلى رؤساء التحرير عبر رسائل «يبعث بها فريق التوجيه الإعلامي الملحق مباشرة بمكتب الرئيس والذي يشمل مجموعة عمل صغيرة محل ثقة والموجودة في الدائرة الأقرب لرأس السلطة»

ورغم اختلاف الجهات التي أرسلت «خطة» الاحتفال الإعلامي المفصلة بالذكرى السنوية السابعة لوصول الرئيس السيسي للحكم، إلا أن هناك اتفاقًا على طبيعة هذه الخطة من حيث المضمون والتفصيل.

الملمح الأساسي لمضمون هذه الخطة هو الحديث عن «إنجازات التنمية» و«الطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في كل المجالات بما في ذلك التعليم والخدمات والطرق والمدن الجديدة وغيرها من الخدمات العامة والعاصمة الإدارية». وبحسب محرر آخر في صحيفة قومية، أُرسلت معلومات مفصلة حول ما تم إنجازه في كل هذه المجالات بحيث يتم «الاستفادة منها عند إعداد التقارير والصفحات الخاصة» لسرد هذه الإنجازات.

يمكن ملاحظة هذا عبر مختلف الصحف طوال الأسابيع الماضية. في عددها الصادر صباح 11 يونيو، أصدرت صحيفة «الجمهورية» ملحقًا خصصته للإنجازات حمل عنوان «مصر- السيسي.. الطريق إلى الجمهورية الجديدة.. سنوات في البناء والتنمية والتقدم»

ورغم أن الصحف القومية حملت جرعة أكبر بكثير من المادة الاحتفالية، فإن الصحف الموصوفة بالمستقلة لم تخل أبدًا من المشاركة بدرجة أو أخرى في الاحتفالية. بعد ملحق «الجمهورية» بيوم واحد، خرجت صحيفة «الوفد» الحزبية بعنوان رئيسي «مصر تبني الجمهورية الجديدة»

تكرار الحديث عن «الجمهورية الجديدة» لم يكن هو الملمح الوحيد لهذه الحملة. هناك ملمح آخر تواتر عبر عدد من الصحف تستلهم بعض تفاصيل قصة النبي يوسف كما وردت في القرآن وتربطها برقم «سبعة»، عدد السنوات التي مضت على حكم السيسي.

سبع سنوات عجاف!

أجملت الآية 46 من سورة يوسف حكاية حلم الملك الذي طلب من يوسف تفسيره: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ»

تفسير يوسف للحلم كان «تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ»

استخدمت مختلف الصحف، قومية وخاصة، تشبيه سنوات حكم السيسي الأولى بـ«سبع سنوات سمان». في مقاله المنشور في 7 يونيو، كتب خالد ميري، رئيس تحرير «الأخبار»، تحت عنوان «جمهورية جديدة»، أنه «لا أحد يملك قدرة سيدنا يوسف في رؤية المستقبل أو تفسير الأحلام لكن قصته تعلمنا أن الصبر والعمل والإيمان هي مفاتيح الخير وتميمة النجاح»

وحتى صحيفة «صوت الأزهر» الأسبوعية، الناطقة باسم الأزهر المؤسسة الدينية العريقة، لم تخرج عن السياق وخصصت عنوانها الأبرز في الأسبوع الثاني من الشهر لتكتب «الجمهورية الجديدة.. سبع سنوات خضر»

السنوات السبع السمان في قصة يوسف يتبعها سنوات سبع عجاف، وهي المفارقة التي لفت إليها الكاتب الصحفي محمد سعد عبد الحفيظ، والذي كتب عبر صفحته على فيسبوك مذكرًا القائمين علي الخطة الإعلامية لتدبر النص القرآني عوضًا عن الاقتباسات الملتبسة. ولم تفت المفارقة كذلك الكاتب جلال حمام في مقاله المنشور في صحيفة «الدستور» في 11 يونيو الماضي، لكنه عالجها بأنه في نهاية السنوات السبع السمان «سيهل العام الذي فيه يغاث الناس وفيه يعصرون» متجاوزًا السنوات السبع العجاف.

وعلى الرغم من أن «التعليمات» المرسلة للصحف لم تشمل الإشارة إلى قصة يوسف، بحسب المصادر، إلا أن تكرارها كان لافتًا. بحسب إحدى الشخصيات السياسية التي التقت الرئيس مرات عديدة وقتما كان وزيرًا للدفاع، قبل وبعد الإطاحة بمحمد مرسي، فإن الرئيس محب لسورة يوسف وكان يحب ترتيلها.

وربما كان مقال رئيس تحرير صحيفة «الشروق» عماد الدين حسين، عضو مجلس الشيوخ، في عدد 6 يونيو من أكثر المقالات توازنًا في الإشارة إلى ما حملته السنوات السبع من إنجازات، وإلى ما تحمله السنوات القادمة من تحديات.

في عموده المنشور بالصفحة الثانية في «الشروق» في 6 يونيو، كتب حسين أن المذيعة لميس الحديدي سألته أثناء مداخلة في برنامجها: هل كنت تتوقع أن تتحقق كل هذه الإنجازات في السنوات السبع لحكم السيسي، وأن إجابته كان مفادها أن أهم آمال المواطنين في وقت وصول السيسي للحكم كانت ترتكز علي تحقيق الأمن والاستقرار وأن ما تم يتجاوز ذلك بكثير سواءً ما يتعلق بالاقتصاد أو البنية التحتية أو الخدمات العامة. لكنه أضاف أنه إلى جانب إنجازات السبع سنوات، فإن هناك سبعة تحديات ماثلة: سد النهضة وتطوير التعليم ومواجهة الفساد والاستصلاح الزراعي والتنمية الزراعية والصناعية والتنبه لخطورة الدين الأجنبي والنظر في الحاجة إلى مزيد من الحريات السياسية.

ممنوع الأخبار السلبية

إلى جانب هذا، أكدت التعليمات على تجنب الإشارة إلى أي أخبار سلبية قدر الإمكان. بحسب مصادر صحفية تعمل في مختلف الصحف القومية والمستقلة، شهدت غرف الأخبار في الأسابيع الأخيرة حالة تدقيق استثنائية تسببت في حذف الكثير من الأخبار من صفحاتها لأنها اعتبرت أخبارًا سلبية.

هذه الحالة كانت السبب في حذف مقال الكاتب والباحث عمرو الشوبكي والذي نُشر في النسخة الورقية في صحيفة «المصري اليوم» في أواخر مايو الماضي من موقعها. كتب الشوبكي تحت عنوان «قناة إخبارية» ينتقد التوجهات الإعلامية الحالية، متسائلًا عن «السر وراء تكرار تجارب غير ناجحة» بحسب مصدر صحفي مطلع، أخبر أحد المسؤولين عن ملف الإعلام مسؤولي تحرير الصحيفة أن «الوقت مش مناسب» لمثل هذه المقالات، وأن هذا هو «وقت التركيز على الايجابيات».

وفي المقابل، تعرض الشوبكي لحملة صحفية شاركت فيها مؤسسة الأهرام التي يعمل الشوبكي في مركزها للدراسات السياسية والاستراتيجية اتُهم فيها بمناصرة جماعة الإخوان.

التوحيد والنور تمتدح السيسي!

في الوقت نفسه، مثلت فرصة الملاحق الصحفية المخصصة للاحتفال بالذكرى السابعة لوصول السيسي للحكم فرصة لم تعد تتكرر كثيرًا للحصول علي إعلانات نشرتها عدد من الشركات التي أثنت علي ما قدمه السيسي للوطن عبر سبع سنوات، بحسب عاملين في الصحف القومية.

وكان من اللافت أن تكون من ضمن هذه الاعلانات صفحة كاملة ممهورة بتوقيع «جميع العاملين بفروع التوحيد والنور» في الوقت الذي يقبع فيه مالك هذه الشركة ومؤسسها رجب السويركي في الحبس الاحتياطي بتهمة تمويل الإرهاب.

لا يعلم المحررون الذين تحدثوا عن «خطة» التغطية لحلول الذكرى السابعة للرئيس سببًا محددًا للاهتمام الكبير هذا العام ولكنهم يطرحون تفسيرات تتراوح ما بين أن «الرجل عاتب على الإعلام ويشعر ان الناس مش مدركة حجم ما تم وأنه يجب إنعاش الذاكرة» وأن «هذه الحملة ليست اعتباطًا أبدًا وأنها تمهيد لشيء ما» سيأتي حتمًا في العام الثامن من حكم السيسي.

هذا الشيء ربما يكون ما يتردد على استحياء في أروقة سياسية وتشريعية عن احتمال التحرك في وقت قريب نحو تعديل إضافي بشكل أو آخر يرفع تقييد المدد المشمول بمدتين في النص الأصلي للدستور الذي تم إقراره عشية وصول السيسي للحكم وشهدت تحديثًا في التعديلات الدستورية في 2019 سمحت له بالاستمرار في الحكم حتى 2030، بحسب مصادر برلمانية.

تفسير آخر طرحه أحد العاملين في المجال الإعلامي مفاده أن هذا الاحتفاء الكبير ربما لا يتجاوز مبادرة من مجموعة عمل التوجيه الإعلامي الصغير حول قدرتها على إبراز إنجازات الرئيس بصورة لائقة مما يمنحها المزيد من الثقة والمكانة. بحسب تعبير المصدر، «المبادرات تأتي من بعض من يريد تأكيد المكانة لديه عوضا عن أي شيء آخر»

شاهد أيضاً

حماس تنفي قبولها وجود عناصر أممية تراقب وقف إطلاق النار وتوزع المساعدات بغزة

قال عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” عزت الرشق: إنه “لا أساس من الصحة …