لماذا تخلى البرهان عن نظام السيسي في معركة سد النهضة؟

خطوات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد داخل القصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم، قضت مضاجع النظام المصري، المراقب لتطورات الأوضاع في الجارة الجنوبية.

الصدمة جاءت عندما أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، في حضرة آبي أحمد خصم القاهرة اللدود، في 26 يناير 2023، أن البلدين “متوافقان ومتفقان حول قضايا سد النهضة كافة”، بحسب موقع “الاستقلال”.

وشدد البرهان  على أن “لا خلاف” بين الخرطوم وأديس أبابا حول هذه القضية، ليبادله آبي أحمد التصريحات قائلا إن “سد النهضة لن يسبب أي ضرر على السودان، بل سيعود عليه بالنفع في مجال الكهرباء”.

وفيما لم تصدر تعليقات رسمية من النظام المصري، برزت تساؤلات مصيرية حول الموقف “السوداني المصري” القديم، الذي كان متوافقا حول قضية سد النهضة، ولطالما أدانا إثيوبيا، ورفضا التفاوض على خلفية الأضرار المتوقعة على البلدين.

الملاحظة الأخرى أن البرهان كان مدعوما طوال الوقت من نظام السيسي، باعتبار أن المكون العسكري هو الأقرب للقاهرة، فما الذي جعل البرهان يولي وجهه شطر “عدو” مصر الأول في القارة الإفريقية حاليا؟.

تحولات صادمة

كان الموقف الرسمي المصري السوداني متوافقا منذ فبراير 2022، على العمل المشترك على جميع المستويات الدبلوماسية، ضد إثيوبيا ومحاولة دفعها إلى التفاوض الجاد على اتفاق حاسم متعلق بسد النهضة.

حينها دعت الدولتان المجتمع الدولي في يونيو 2022 للتدخل من خلال مجلس الأمن الدولي بعد مفاوضات شاقة و”صفرية” استمرت منذ عام 2011 دون التوصل إلى أي اتفاق.

غير أن الزيارة الأخيرة لآبي أحمد إلى الخرطوم نسفت كل شيء بعد إعلانه أن “السودان وإثيوبيا يزخران بكل عناصر التنمية والازدهار المتمثلة في المياه والأرض والموارد البشرية، ونحن كدول وحكومات يجب علينا المحافظة علي العلاقات التاريخية بين البلدين”، ثم تطرق إلى أن بلاده ستحقق فائدة للخرطوم من ناحية سد النهضة.

المثير أن تلك التطورات الدراماتيكية جاءت بعد زيارة قام بها وزير الموارد البيئية والري المصري، هاني سويلم، إلى السودان، في 22 يناير 2023، حيث التقى البرهان.

وخلال اللقاء، أكد البرهان على “أزلية ومتانة العلاقات بين شعبي وادي النيل وأهمية ترقيتها لآفاق أرحب”.

وشدد على أن “السودان حريص على استمرار التعاون المشترك مع مصر في مجالات المياه والري، واستمرار انعقاد الهيئة المشتركة لمياه النيل، وتذليل العقبات والتحديات كافة التي تواجهها بما يمكنها من الاضطلاع بدورها، لتحقيق مصالح وتطلعات شعبي البلدين”، بحسب تصريحاته.

مشروع تنبؤ

وتجاوزت زيارة سويلم للسودان المباحثات المشتركة إلى الإعلان عن تنفيذ مشروع تنبؤ (لحصر إيراد نهر النيل) بالشراكة مع الخرطوم، وسط استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.

سويلم الذي أعلن خلال مؤتمر مع نظيره السوداني، ضو البيت عبد الرحمن منصور، أن الخرطوم “هي أول وجهة خارجية له إلى دولة من بلدان حوض النيل”، وخص السودان تحديدا لما له من عمق مع مصر اللذين يربطهما شريان واحد هو نهر النيل

ويضم حوض النيل 11 دولة، هي إريتريا وأوغندا وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وبوروندي وتنزانيا ورواندا وكينيا ومصر.

وجاء إعلان المشروع المصري السوداني، وسط تخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل لسد النهضة على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليارا.

ليس هذا فقط ما يجمع مصر والسودان فيما يخص المصير المشترك لمياه النيل، فهناك الهيئة المشتركة لمياه النيل، التي أنشئت بين البلدين عام 1960 بناء على اتفاقية قائمة، وهي إحدى أقدم آليات التعاون بين القاهرة والخرطوم.

وتعنى الهيئة بإدارة مياه النيل بآليات تعاونية ثنائية من خلال القياسات المشتركة وتبادل بيانات محطات القياس في مصر والسودان، بما يساعد حكومتي البلدين على إدارة مورد مياه النيل بأسلوب فعال.

لكن أعمال تلك الهيئة توقفت منذ عام 2019، وتعهدت الحكومة المصرية والسودانية، باستئناف أعمال اجتماعات الهيئة، وعقد أول اجتماع لها بالخرطوم في أكتوبر 2022، بعد توقف دام 4 سنوات، دون ذكر للأسباب.

ورغم كل هذا التعاون، تعد ضبابية الموقف السوداني حول السد الإثيوبي، على النقيض من السعي المصري الحثيث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة أن المسألة “حياة أو موت” بالنسبة للقاهرة، التي يتعرض نظامها للانتقاد في تلك الجزئية، على خلفية فشله الدبلوماسي خلال السنوات السابقة.

 القفز للخلف

وقال السياسي السوداني، إبراهيم عبد العاطي، إن “لقاء البرهان وآبي أحمد الأخير له دلالات عدة على أكثر من صعيد، وفيما يخص مسألة سد النهضة، فالتساؤلات داخلية وخارجية”.

وأوضح لـ”الاستقلال” أن “السودانيين أنفسهم من حقهم معرفة طبيعة الأمور، وكيفية التناقض بين الروايات، فحتى وقت قريب كان السد خطرا داهما على السودان، واليوم يعود بالفائدة عليه، فأي الروايات نصدق؟!”.

وأضاف “أما على الصعيد السياسي فإن موقف السودان هنا يكون أكثر براغماتية، والبرهان وكل قادة النظام رأوا أن لا فائدة من اتخاذ موقف موحد مع مصر، وأن سد النهضة أمر واقع لا مناص منه، وعليه يجب القفز خطوات للخلف، لتقليل حجم الخسائر والأضرار، ولتحقيق فوائد تنموية واقتصادية، وفوق كل ذلك دبلوماسية مع إثيوبيا”.

ولفت عبد العاطي إلى أن “المجلس السيادي أدرك أن إثيوبيا أهم لوجوده أكثر من مصر لمجموعة من الأسباب الوجيهة”.

وتابع: “أولها أن المكون المدني والمعارضة الممثلة في قوى الحرية والتغيير، تثق في أديس أبابا أكثر من القاهرة”.

واستطرد عبد العاطي: “ثانيا، أن مصر اليوم أكثر ضعفا اقتصاديا وسياسيا وغير قادرة على التأثير والدعم، فمن باب أولى الاصطفاف إلى جانب الطرف القوي والمفيد، لأن هذه هي عقيدة العسكر الدائمة، حتى في مصر يفعلون ذلك، ولو وجد السيسي مصلحته مع إثيوبيا، سيتخلى عن السودان فورا”.

شاهد أيضاً

نتنياهو لعائلات الأسرى: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اجتماع الخميس مع عائلات الجنود الذين تم احتجازهم …