محمد عبد الرحمن صادق : الشماتة في مرض أو هلاك الظالمين

من الأعراف السائدة بين العوام أنك ما إن تُبدي الارتياح لهلاك ظالم تجد من ينهاك عن ذلك, إذ يعتبرون أن الفرح بمرض ظالم أو هلاكه نوعاً من الشماتة وأنه لا يجوز أن نشمت به لمرضه أو الفرح لموته مهما كانت أفعاله, ويحتجّون في ذلك بحديث “اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم ” وهذا الحديث قال عنه أبو عيسى الترمذي أنه (حديث غريب) وقال عنه الألباني (حديث ضعيف) .

هناك خيط رفيع بين الشماتة في المسلم, والفرح بهلاك ظالم أو طاغية أو فاسق أو مُتجبِّر، فلقد نُهينا عن الشماتة وأمرنا بالاستعاذة منها ولكنا لم ننهَ عن الفرح بهلاك ظالم أو طاغية أو فاسق أو مُتجبِّر .

– قال تعالى: “… فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ” (الأعراف 150 ) .

– روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” تَعَوَّذُوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء”.

 – وقيل لأيوب عليه السلام: أي شيء من بلائك كان أشد عليك قال: ” شماتة الأعداء”.

– وقال: الكلبي: ” لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم شمت به نساء كندة وحضرموت, وخضبن أيديهن وأظهرن السرور لموته صلى الله عليه وسلم وضربن بالدف”. 

– قال عبد الله بن أبي عتبة: ” كل المصائب قد تمر على الفتى فتهون غير شماتة الأعداء”.

مما تقدم نفهم أنه لا شماتة في مرض ولا في موت عبد من عباد الله الذين يرتكبون الحسنات والسيئات مثل باقي البشر، أما الطغاة الذين ملئوا الأرضَ ظلمًا وأذلّوا عباد الله واستباحوهم وجعلوا أيامهم على الأرض شقاءً وكدحاً، ونال أذاهم القاصي والداني، فالفرح في مرضهم أو حتى في موتهم إنما هو في حقيقته تقرّب إلى الله تعالى بالاعتراف بقدرته جل شأنه على تحقيق وعِيْده بالقصاص من الظالمين.

وأقول لمن يعترضون على إظهار الشماتة بمرض أو بهلاك الظالمين:

أين أنتم من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وحال سلفنا الصالح من الفرح بهلاك الظالمين بل والسجود لله شكراً على هلاكهم؟

عن أبي قتادة بن ربعي الأنصاري قال: مُر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: ” مُستريح ومُستراح منه”. فقالوا: يا رسول ما المستراح وما المستراح منه؟ قال: ” إن العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله تعالى، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ” (رواه البخاري) .

في هذا الحديث بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاجر حين يموت يكفي العباد شره ويريحهم من فجوره وغطرسته، بل حتى الشجر والدواب يستريحون منه .

وفي الحديث أيضاً عظيم دلالة على أن هذه الراحة نعمة من نعم الله الجليلة التي لابد من شكرها وأول أبواب شكرها: الفرح بها.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما أمر النبي يوم بدر بأولئك الرَّهْط فأُلقُوا في الطوى، عتبة وأبو جهل وأصحابه، وقف عليهم فقال: ” جزاكم الله شرًّا من قومِ نبيٍّ ما كان أسوأ الطَّرْد ِ، وأشد التكذيب”، قالوا: يا رسول الله، كيف تُكلِّم قومًا جيَّفُوا، فقال : ” ما أنتم بأفْهَم لقولي منهم” .

ويدلل فعلُ السلف على هذا المعنى؛ فقد سجد الإمام علي رضي الله عنه لله شكراً لمقتل ” المخدَّج ” الخارجي لما رآه في القتلى.

يقول الشيخ محمد صالح المنجد: ” الفرح بمهلك أعداء الإسلام وأهل البدع المغلظة وأهل المجاهرة بالفجور أمر مشروع ، وهو من نِعَم الله على عباده وعلى الشجر والدواب, بل إن أهل السنَّة ليفرحون بمرض أولئك وسجنهم وما يحل بهم من مصائب”.

قال بدر الدين العيني رحمه الله : فإن قيل : كيف يجوز ذكر شر الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير؟ وأجيب:” بأن النهي عن سب الأموات غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة، فإن هؤلاء لا يحرُم ذكرُهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم “.

روى ابن سعد في طبقاته  قال: أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحِماني، عن أبي حنيفة عن حماد قال: ” بشرت إبراهيم بموت الحجاج، فسجد، ورأيته يبكي من الفرح”. ولهذا شُرع لنا سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم. أفلا نفرح بنعم الله؟ أفلا نشكر الله؟ أفلا نغيظ بفرحنا أعداء الله؟ أفلا نتعبد لله تعالى بهذا الفرح؟ ألم يقل الله تعالى: ” .. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ”  (الروم 4- 5 ) .

اللهم اشدد على الظالمين حتى يتمنوا الموت فلا يجدونه وأهلكهم هلاكاً يُشفي صدور قوم مؤمنين.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …