محمود صقر
محمود صقر

محمود صقر يكتب: حكومة الشعب .. أم شعب الحكومة!

 المفكر الجزائري الراحل “مالك بن نبي” استرعى انتباهه إعلان في الصحف المصرية في الخمسينيات جاء فيه: (الحكومة وشعبها..)!!
فعلق قائلاً (بدلاً من أن يكون للشعب حكومة، أصبح للحكومة شعب، وأضحى المالك مملوكاً.)!

وللأسف مازال السؤال الساذج مطروحاً .. 
حكومة الشعب .. أم شعب الحكومة؟!
 في الدول المتقدمة تقوم الشعوب باختيار حكوماتها ثم تمارس مراقبتها وتقيّم أداءها وتتابع محاسبتها وصولاً لعزلها إذا أساءت..
وتجد الوضع معكوساً في البلاد البائسة التي تسير بظهرها عكس السير، حيث تقوم الحكومة بمحاسبة الشعب وتقييمه وتحديد مستواه؛ هل يستحق الديموقراطية أم لا؟ .. هل نضج سياسياً لدرجة احترام اختياراته أم لا؟!

وتظل أجهزة التوجيه الإعلامي والتعليمي والثقافي ترسخ فلسفة الحكم المعكوسة هذه حتى يصدق الشعب أنه “شعب الحكومة”!

ينسى تاريخه ويعمى عما يدور حوله ويصدق أن العيب فيه وأنه لم ينضج بعد ولم يستحق الديموقراطية بعد .. وأنه غريق متعلق بقشة الحكومة..
يقتنع تماما بأنه شعب قاصر وأن الحكومة أدرى بمصلحته.

يقتنع بأن الحكومة هي الوطن, ومن ينتقدها فقد انتقد الوطن وامتهن شرف الوطن .
يقتنع بأن الحكومة هي الدولة، وأن من يعارض سياستها فهو ضال مضل يريد هدم أركان الدولة.
الحكومة تقنع “شعب الحكومة” بأنه هو سبب البطالة والفقر والتخلف، وأنها مسكينة مبتلاة بهذا الشعب الذي لم يصل إلى طموحات الحكومة الرشيدة .

الحكومة تعتقد أن “شعب الحكومة” لا يملك حق الاعتراض السياسي .. ولا بأس أحياناً من التنفيس بالتعبير عن عضة الجوع.
و”شعب الحكومة” مقتنع بهذه السخافة، فتجده يتبرأ ليس فقط من ممارسة السياسة أو حتى المطالب السياسية، بل ينفي عن نفسه فهم السياسة.
إذا كنت مستغرباً من هذا الطرح أو مستهيناً بتأثيره، ركز جيداً فيما تبثه أجهزة التوجيه، ثم اسأل من حولك من دراويش أجهزة الإعلام عن واجبات الحكومة وحقوق الشعب.
وستكتشف أن هناك قطاعا كبيرا مقتنع بأنه: (شعب الحكومة)
وستكتشف أن مناقشة هذه الفلسفة المعكوسة في الحكم ليست ترفاً.. 
فبينما “حكومة الشعب” تهتز من أعلاها لأسفلها من أجل مواطن من مواطنيها، يجد “شعب الحكومة” لحكومته ألف عذر وعذر لاعتقال وقتل وتعذيب الشعب..
أليست الحكومة أدرى بمصلحة “شعب الحكومة” .. أليست الحكومة هي القَشَة التي يتعلقون بها من أجل الجمود والركود المسمى زوراً بالاستقرار؟

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …