هيومن رايتس ووتش

مصر .. حرب شرسة على «هيومن رايتس ووتش»

تشن أبواق سلطة الانقلاب العسكري في مصر حملة إعلامية موجهة ضد منظمة «هيومن رايتس ووتش»، بعد نشرها تقريرًا يتهم النظام ووزارة الداخلية، وبصفة خاصة جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة)، بممارسة تعذيب ممنهج بحق مدنيين بدوافع سياسية أو لانتزاع معلومات.

ووصفت المنظمة ممارسات الأجهزة الأمنية المصرية بأنها «جريمة ضد الإنسانية»، وهو ما فتح الباب أمام ضحايا هذه الممارسات والمعارضة المصرية لمقاضاة رموز النظام الحاكم أمام المحاكم الدولية مستقبلاً.

وبحسب مصادر إعلامية مصرية وتقارير صحفية، صدرت تعليمات من اللواء عباس كامل، مدير مكتب عبد الفتاح السيسي، للصحف الموالية للنظام وقيادات الأكثرية النيابية «دعم مصر»، لشنّ هجوم دعائي على المنظمة الحقوقية الدولية، بالتوازي مع إصدار وزارة الخارجية بياناً، مساء الثلاثاء الماضي، اتهم المنظمة بـ«غضّ البصر عن التطور الكبير الذي طرأ على ملف حقوق الإنسان في مصر في عهد السيسي»، وأنها «تحرّض على العنف من خلال بث معلومات مضللة»، غير أن البيان لم ينف الوقائع المذكورة في التقرير.

النائب الانقلابي؛ علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، قال إنه شخصيا زار السجون وأقسام الشرطة ولم ير أى ممارسات غير سليمة! أما منظمة “هيومان رايتس ووتش” وبياناتها فتهدف فى النهاية لدعم الإخوان، وذلك بتخطيط من داعميها فى اللوبى الصهيونى وبالأموال القطرية والتركية!!

وقال عابد إن  لجنة حقوق الإنسان تتهم المنظمة بمحاولة زعزعة الاستقرار المصرى!

ودعا علاء عابد، وزارة الخارجية للتقدم بشكوى ضد المنظمة فى مجلس الأمن الدولى والأمم المتحدة، وأن تحرك دعوى ضدها فى المحكمة الدولية!!

بينما قال المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إن مصر تعلم جيدا أن المنظمة يتم تمويلها من جهات عديدة لمهاجمة البلاد، مشيرا إلى أن تقارير المنظمة تستهدف إسقاط مصر.

وأوضح أن منظمة هيومن رايتس ووتش تريد التعدي على حقوق الشعب المصري في السيادة!

إجراءات خارجية

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، إن «ردّ الفعل الرسمي على التقرير الأخير لن يقتصر على البيان الذي أصدرته الخارجية أو التصعيد الإعلامي»، كاشفة عن «إجراء اتصالات بعدد من النواب والسياسيين الأمريكيين من الحزب الجمهوري، المعروفين بتأييدهم للخط السياسي لسلطة الانقلاب العسكري لدعوتهم لتكثيف جهودهم، للحدّ من الآثار المتوقعة لهذا التقرير على زملائهم وعلى دوائر صناعة القرار بواشنطن، وذلك تخوفاً من أن يؤدي التقرير إلى مزيد من الإجراءات الضاغطة على القاهرة لتحسين سجلها الحقوقي، ارتباطاً بالقرار الذي اتخذ الشهر الماضي بتجميد وتأجيل جزء من المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية لمصر.

وأضافت المصادر ذاتها أن تعليمات صدرت للدبلوماسيين المصريين بواشنطن ونيويورك لتكثيف اتصالاتهم المباشرة بدوائر معارفهم من السياسيين الأمريكيين، وتوزيع بيانات عليهم تتضمن أدلة تطور تعامل الدولة مع حقوق الإنسان!

هذه الأدلة عبارة عن المواد الدستورية والقانونية الحاكمة لإجراءات القبض والتفتيش، وإلغاء نظام الاعتقال، وبيانات النائب العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان عن الأوضاع في السجون وخلوها من المعتقلين، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية من الزيارات التي تقوم بها لجان التفتيش القضائية والحقوقية للسجون.

 وأوضحت أن الحملة المصرية المضادة لن تقتصر على الدوائر الأمريكية فقط، بل سيتم توزيع تلك البيانات على الوفود الدائمة لدى الأمم المتحدة، وبصفة خاصة وفود الدول الأوروبية والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.

وأشارت المصادر إلى أنه تمّ إجراء اتصالات، منذ فترة، على مستوى استخباراتي بين مصر والصين للتضييق على المنظمات والنشطاء المحليين المتعاونين مع هيومن رايتس ووتش والجهات التي تمدها بالمعلومات والدوائر الداعمة لها سياسياً في الولايات المتحدة، لافتة إلى أن هذا التعاون بدأ تحديداً منذ الحملة التي شنتها المنظمة على القاهرة وبكين بسبب ترحيل طلاب الأزهر من طائفة الأيجور المسلمين واعتقالهم في يوليو الماضي، بمساعدة بعض المنظمات المحلية والنشطاء الحقوقيين المصريين والصينيين المقيمين في الخارج.

ورجّحت المصادر تطوّر الاتصالات الاستخباراتية بعد إصدار تقرير التعذيب الأخير، لتزامنه مع إصدار تقرير آخر من المنظمة يتهم الصين بتقييد سفر النشطاء الحقوقيين والتضييق عليهم لمنعهم من الإدلاء بشهاداتهم عن انتهاك حقوق الإنسان في بلادهم، في المؤتمرات الدولية وبصفة خاصة المنعقدة بالولايات المتحدة.

 

إجراءات داخلية

وعلى المستوى الداخلي، توقع مصدر أمني في وزارة الداخلية المصرية، اتخاذ إجراءات جديدة، ضد المنظمات والجمعيات الحقوقية المتعاملة مع «هيومن رايتس ووتش»، مؤكداً أن المعلومات المذكورة في التقرير هي حصيلة عمل عدد من النشطاء المقيمين والعاملين في مصر، الذين توصلوا لها من خلال متابعة شبه يومية لحالات الاختفاء القسري والاعتقال الذي يتبعه التحقيق في المقارّ الأمنية قبل الإحالة إلى النيابة، وهي حالات يصعب اكتشافها إلّا من خلال منظمات تعمل بشكل مستقر داخل مصر.

وأوضح المصدر الأمني أن جميع المنظمات المتعاونة مع هيومن رايتس ووتش، معروفة للأجهزة الأمنية، لكنها لم تصدر قرارات بغلق مكاتبها انتظاراً لما ستسفر عنه التحقيقات في القضية المعروفة إعلامياً بالتمويل الأجنبي للمجتمع المدني، مشيراً إلى أن أي إجراء سيتخذ للتضييق على تلك المنظمات سيكون بشكل قانوني (!) سواء باعتبارها من المتهمين بتلقي تمويل أجنبي، أو لمشاركتها في نشر معلومات كاذبة عن الوضع الحقوقي في مصر أو لممارستها نشاطاً أهلياً بالمخالفة لقانون العمل الأهلي الجديد.

 واستطرد قائلاً: «هناك آليات قانونية عديدة لتقليم أظافر المنظمة في مصر، من دون الحاجة للإشارة لتقرير التعذيب الأخير، وقد تأخذ شكل إغلاق المقار أو تجميد الأموال أو المنع من السفر».

 

اتهامات للمنظمة

وكانت المنظمة الحقوقية الدولية قد أغلقت مكتبها الدائم في مصر عام 2014، على خلفية التضييق الحكومي على ممثليها في مصر ومنع قيادات المنظمة من دخول القاهرة، بعد إصدارها تقريراً أدان استخدام الجيش والشرطة للقوة المفرطة في فضّ اعتصامي رابعة والنهضة لأنصار الرئيس المنتخب د. محمد مرسي في 14 أغسطس 2013، وأعلن عدد من العاملين المصريين بالمنظمة استقالتهم منها وغادروا مصر للعمل بفروعها الأخرى في دول عربية وأوروبية.

وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» وصفت، في تقرير نشرته، الأربعاء الماضي ، ما يحدث من تعذيب للمعتقلين في مصر بأنه «جريمة ضد الإنسانية».

وذكرت المنظمة أنه تم توقيف 60 ألف شخص على الأقل منذ انقلاب 3 يوليو 2013، كما تم إنشاء 19 سجنا جديدا خلال الفترة ذاتها لاستيعاب هذه الاعداد، وحجبت السلطات المصرية، موقع المنظمة على الإنترنت، بعد ساعات من نشر التقرير.

 

فضح النظام من أهم أدوات المرحلة

 

د. سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمقيم حاليا في تركيا كتب بصحيفة “العربي الجديد” معلقا على تقرير التعذيب في مصر أن أفضل عنوان لهذا التقرير “هنا نفعل أشياء لا تصدق.. التعذيب والأمن الوطني في مصر تحت حكم السيسي”، بما يشكل نظاما بوليسيا فاشيا يرتكب كل الانتهاكات، مدعيا في كل المحافل الدولية أنه يلتزم حقوق الانسان.

فأي حقوق إنسان يتحدث عنها هذا النظام الذي أصبح لا يملك، بعد كل تقرير تصدره تلك المنظمة المتخصصة في حقوق الإنسان، غير أن يصدر بيانا من وزارة الخارجية بالمفردات نفسها، يحاول فيه المتحدث الرسمي باسم الوزارة، من كل طريق، أن يطعن في مصداقية المنظمة، ويتحدث عن تسييسها، وأنها لا تستند إلى معلومات دقيقة، رغم أن التقرير يتضمن في صفحاته الستين توثيقا ومقابلات وملاحق.

فقد قابلت “هيومن رايتس ووتش” 19 معتقلا سابقا وأسرة معتقل آخر تعرّضوا للتعذيب بين عامي 2014 و2016، وقابلت محامي الدفاع وحقوقيين مصريين، وراجعت عشرات التقارير عن التعذيب، وأكدت أنه مورست تقنيات تعذيب عدة واستخدمت أساليب متطابقة سنوات عديدة.

ويقول عبد الفتاح: سنرى هذا المشهد الخطير الذي يعبر عن حالة متدنية لحالة حقوق الإنسان في مصر، وعن نظامٍ تمرّس في فنون تعذيبه، وابتداع أساليب مستجدة في هذا المقام، ليؤكد تلك الحالة الممنهجة التي يتبعها ذلك النظام في إحداث حالةٍ من الترويع والتفزيع ضمن محاولته لصناعة الخوف وتصنيعه، حتى يضمن استقراره، ويدعم تأمين نظامه.

وقد وجدت المنظمة أن وزارة الداخلية طورت سلسلة متكاملة لارتكاب انتهاكات خطيرة، لجمع المعلومات عن المشتبه في أنهم معارضون، وإعداد قضايا ضدهم، غالبا ما تكون ملفقة، ويبدأ ذلك عند الاعتقال التعسفي، ويتطور إلى التعذيب، والاستجواب خلال فترات الاختفاء القسري، وينتهي بالتقديم أمام أعضاء النيابة العامة الذين كثيرا ما يضغطون على المشتبه بهم، لتأكيد اعترافاتهم، ويمتنعون بشكل كامل تقريبا عن التحقيق في الانتهاكات.

وتعد هذه التقارير فرصة مهمة لمن يريد أن يعمل في ذلك المجال، ليقوم بأعمال مباشرة في الإبلاغ، وفي التعامل القانوني والقضائي فيما يتعلق بهذه الحالات المتعينة، ومباشرة فضح النظام المصري في كل المعمورة، وفي كل مفوضيات حقوق الإنسان، وكل المؤسسات المهتمة بمتابعة تلك الحقوق ومراقبتها.

ويقدم التقرير الحقوقي الجديد، وغيره، لائحة اتهامات واضحة ومحددة وقاطعة، يجب التحقيق فيها وممارسة كل الوسائل الممكنة لفضح هذا النظام على رؤوس الأشهاد.

شاهد أيضاً

بعد موقفهما تجاه ليبيا.. محاولات لبث الفتنة بين تركيا وتونس

منذ أن بدأ الجنرال الانقلابي خليفة حفتر محاولة احتلال طرابلس في إبريل الماضي، لم تتوقف …