مصطفى عبد السلام يكتب: أين تبرعات رمضان؟

مع قدوم شهر رمضان من كل عام، تتدفق التبرعات المادية والعينية على العديد من المؤسسات الخيرية، مثل المستشفيات ودور الرعاية الصحية وبنوك الطعام ومؤسسات المجتمع المدني، وهي المؤسسات التي ترفع شعار رعاية الفقراء وسد رمق الجوعى مساعدة المحتاجين والأرامل والمطلقات والغارمين وغيرهم.
وتبدو الظاهرة لافتة في مصر أكثر من الدول العربية الأخرى لأسباب تحتاج إلى دراسة.
فما إن ينطلق مدفع رمضان حتى تفاجأ بحملات إعلانية مسعورة ومكثفة وعلى مدار الساعة تدعو إلى التبرع لمؤسسات عدة، منها مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، وبنك الطعام المصري، ومؤسسة مصر الخير، وبنك الشفاء، ومؤسسة مجدي يعقوب للقلب، والمعهد القومي للأمراض – مستشفى 500500، ومستشفى أبو الريش للأطفال، وجمعية رسالة، ومعهد الكبد، والمعهد القومي للأورام، وجمعية الأورمان، ومستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، ومستشفى الناس للأطفال وغيرها.

وتحظى المؤسسات الأولى بنصيب الأسد من التبرعات بسب كثافة إعلاناتها في معظم وسائل الإعلام، ومنها الفضائيات والقنوات التلفزيونية والصحف اليومية تقريبا، ودعمها من قبل جهات ومسؤولين سابقين في الدولة، اضافة إلى الدور المجتمعي والإنساني الذي تقوم به.
ما إن ينطلق مدفع رمضان حتى تفاجأ بحملات إعلانية مسعورة ومكثفة وعلى مدار الساعة تدعو إلى التبرع لمؤسسات عدة تتاجر بمآسي الناس وآلامهم، بل وتعايرهم بفقرهم أحياناً

وخلال السنوات الأخيرة برعت تلك المؤسسات في إقناع العملاء بالتبرع بزكاة أموالهم وصيامهم وصدقاتهم عبر الإعلانات المبهرة، وإبراز مآسي الفئات المستهدفة بالتبرعات، بل والمتاجرة بتلك المآسي في بعض الأوقات، مع إبراز الدور المجتمعي الكبير لها، مثل إطعام الفقير وفك كرب الغارمين ودعم الخدمات الصحية وعلاج الأمراض المزمنة، مثل السرطانات والأورام والقلب.
بل ورأينا قيادات لبعض هذه المؤسسات مثل اللواء ممدوح شعبان رئيس جمعية الأورمان تنفي وجود فقراء في مصر من الأصل وذلك في تصريحه الشهير في العام 2018.

ورغم الزخم الذي يحيط بهذه المؤسسات مع كل شهر رمضان، إلا أن المؤشرات الأولية تقول إن تبرعات هذا العام تراجعت ربما بسبب الوضع الاقتصادي العام، وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد ومعيشة المواطن وغلاء الأسعار.

وربما كان التراجع لأسباب أخرى، منها مثلا تشكيك البعض في ذمة القائمين على هذه المؤسسات، وأن نسبة كبيرة من أموال التبرعات تذهب لأغراض لا علاقة لها بالدور المنوط بها مثل الإعلانات وجيوب الموظفين وكبار قيادات هذه المؤسسات المتلقية للتبرعات، بل وقد تذهب لجهات حكومية لا علاقة لها بأنشطة تلك المؤسسات الخيرية، مثل هيئة الصرف الصحي التابعة للدولة.

ولعلنا نذكر الحملة التي قادها الكاتب والسيناريست الراحل وحيد حامد على مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال في عام 2018، ونشره وثائق ومستندات رسمية تشير إلى وجود شبهات فساد وإهدار أموال تبرعات المستشفى.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تقدم حامد ببلاغ للنائب العام ضد مدير المستشفى يتهمه مباشرة بالفساد، واستغلال النفوذ، وتعيين الأقارب والمحاباة.
من صور الفساد وإهدار المستشفى للمال العام التي رصدها حامد في بلاغه، أنه وجد في تقرير المراقب المالي عن عام 2017، أن قيمة التبرعات التي تلقتها مستشفي 57357 بلغت أكثر من مليار جنيه، وأن أجور الموظفين التهمت وحدها 281 مليون جنيه منها، في حين التهمت الإعلانات 136 مليون جنيه، وأن المخصص لعلاج الأطفال الهدف الأساسي للمستشفى بلغ 164 مليون جنيه.
كما أن الميزانية التقديرية لعام 2018 تصل إلى 400 مليون جنيه، أي أقل كثيرا من قيمة التبرعات، وأن إدارة المستشفى تبرعت لهيئة الصرف الصحي بمبلغ 37.5 مليون جنيه بشكل غير قانوني!
صحيح أن هناك مؤسسات محترمة وذات سمعة جيدة كثيرة وتحظى بثقة كبيرة وتلعب دوراً لا ينكره أحد في التخفيف عن معاناة ملايين المصريين، خاصة مع تزايد معدلات الفقر والبطالة والأزمات المعيشية والاقتصادية وغلاء الأسعار.
لكن هذا لا يمنع من مطالبة أصحاب الأموال تلك المؤسسات المتلقية للتبرعات بالإفصاح عن مصير تبرعاتهم، وأن تكون شفافة مع متبرعيها، وأن تقدم كشوف حساب موثقة تبرز حجم الإيرادات والمصروفات، وأوجه الإنفاق، ونسبة نفقات الإعلانات ورواتب الموظفين والإداريين من إجمالي النفقات الاجمالية.

على تلك المؤسسات التي تتلقى تبرعات بمليارات الجنيهات سنويا نشر مراكزها المالية في نهاية كل عام، كما تفعل البنوك والشركات المدرجة في البورصة، والكشف عن حجم التبرعات التي تلقّتها، وتكلفة الحملات الإعلانية، وما إذا كانت هذه الحملات الدعائية وغيرها تقتطع نسبة كبيرة من أموال التبرعات أم لا. فعندما يطمئن المتبرع على أمواله فإن حصيلة تبرعاته تزيد ولا تنقص.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …