ممدوح الولي يكتب : العهد الذي أخلفه السيسي.. لماذا كان الرؤساء السابقون أكثر مرونة مع احتجاجات المصريين؟

يشاهد المصريون عبر شاشات الفضائيات المظاهرات العمالية في المدن البريطانية، المطالبة بزيادة الأجور كي تتواكب مع زيادات الأسعار هناك في حسرة وغيظ، حيث إن معدلات زيادة الأسعار لديهم أعلى بكثير مما شهدته بريطانيا، التي بلغ معدل التضخم السنوي بها في ديسمبر/كانون الأول الماضي 10.5%، بينما تم القبض على أشخاص مصريين عبّروا عن مشاعرهم السلبية تجاه زيادات الأسعار وعدم استطاعتهم تدبير الطعام لأولادهم. 

وبينما عاد المتظاهرون في فرنسا ضد تعديل نظام التقاعد إلى بيوتهم بسلام، بعد انتهاء المظاهرات، ونفس الأمر للمتظاهرين في إسرائيل ضد التشريعات التي رغب الائتلاف الحاكم في تمريرها عبر الكنيست، ورأوا أن بها تغولاً من السلطة التنفيذية على سلطة القضاء، وكذلك ببريطانيا، بينما المصريون ممنوعون من التظاهر منذ أواخر عام 2013، حين صدر القانون رقم 107 لسنة 2013  تحت مسمى تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. 

لكنه تحول بشكل عملي إلى قانون لمنع التظاهر خلال السنوات العشر الماضية حسب تعريف المنظمات الحقوقية له، حيث ينص بالمادة الثانية منه على تعريف الاجتماع العام، بأنه كل تجمع يقام في محل عام يدخله أو يستطيع دخوله أشخاص دون دعوة شخصية مسبقة، لا يقل عددهم عن عشرة لمناقشة أو تبادل الآراء حول موضوع ذي طابع عام. 

ونص بالمادة الرابعة منه على تعريف التظاهرة، بأنها كل تجمع لأشخاص يقام في مكان عام أو يسير في الطرق والميادين العامة، يزيد عددهم على عشرة للتعبير سلمياً عن آرائهم أو مطالبهم أو احتجاجاتهم السياسية.  

نصوص معطلة بالقانون أدت لمنع التظاهر 

كما نص بالمادة الثامنة على أنه يجب على من يريد تنظيم اجتماع عام  أو تسيير موكب أو تظاهرة، أن يخطر كتابةً بذلك قسم أو مركز الشرطة، الذي يقع بدائرته مكان الاجتماع العام أو مكان بدء سير الموكب أو التظاهرة، ويتم الإخطار قبل بدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة بثلاثة أيام على الأقل.

لكنه نص بالمادة العاشرة على أنه يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن في حالة حصول جهات الأمن على معلومات جدية أو وجود دلائل لى وجود ما يهدد الأمن والسلم، أن يصدر قراراً بمنع الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو إرجائها أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها. 

وبذلك تم إجهاض إمكانية تنظيم تظاهرة من خلال الحصول على الموافقة الأمنية لذلك، حيث يؤثر مسؤولو الأمن السلامة المنع المسبق، حتى المادة الخامسة والعاشرة من القانون التي نصت على قيام المحافظين بتحديد مناطق كافية داخل المحافظات، تباح فيها الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات السلمية للتعبير السلمي فيها عن الرأي دون التقيد بالإخطار، لم تنفذ ولم نرَ محافظة واحدة حددت منطقة محددة للتظاهر بها. 

وهو نفس المصير للمادة الثالثة عشرة بالقانون، التي نصت على تدرج قوات الأمن في استخدام القوة في فض وتفريق المشاركين في الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة، بداية من استخدام الطلقات التحذيرية تليها مرحلة استخدام قنابل الصوت أو قنابل الدخان، ثم مرحلة استخدام طلقات الخرطوش المطاطي، تليها مرحلة استخدام طلقات الخرطوش غير المطاطي، وهي المراحل التي لم يتم الالتزام بتدرجها مع المظاهرات التي تمت عقب صدور القانون، بالبدء مباشرة باستخدام طلقات الخرطوش غير المطاطي مباشرة. 

مرونة مبارك أمام الغضب الشعبي 

ولقد جرى تاريخياً اتفاق غير مكتوب بين المصريين والسلطة، على أن تستأثر الجهة الحاكمة بكل السلطات مقابل أن توفر للمصريين سبل العيش، وهو ما كان واضحاً بعهد الرئيس عبد الناصر بانفراده بالحكم الديكتاتوري، مقابل توفير الغذاء والكساء الشعبي للمواطنين، ومن هنا استمرت البطاقات التموينية لصرف المواد الغذائية المدعمة منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما تلاها من عقود. 

احتجاجات المصريين
                                                                                   حسني مبارك

وعندما أراد الرئيس السادات الإخلال بهذا الاتفاق غير المكتوب، برفع أسعار بعض السلع الشائعة الاستخدام كالخبز والسكر عام 1977؛ استجابةً لمطلب صندوق النقد الدولي، خرجت المظاهرات العمالية والطلابية ضده، حتى اضطر إلى التراجع عن كل تلك القرارات، بل أخذ ينحو منحى مغايراً بمحاولة توفير الغذاء الرخيص لجموع المصريين، ومن ذلك افتتاح منافذ حكومية لبيع ساندوتشات الفول والطعمية بأسعار تقل عن أسعارها بالقطاع الخاص. 

كما قام بعمل مشروع كساء طلاب الجامعات بقيمة رمزية  لاكتساب ودهم،  وأعلن الثورة الخضراء للمزيد من استصلاح الأراضي ومنها مشروع الصالحية، وأنشأ بنكاً للتنمية بكل محافظة لتمويل مشروعات التنمية المحلية بها، وشرع في تطبيق نظام للتأمين الصحي الشامل على جموع المصريين، لكن اغتياله لم يمكّنه من تنفيذه. 

وتكرر الأمر مع  الرئيس مبارك، ففي عام 2008 كانت وزارة التضامن الاجتماعي المسؤولة عن البطاقات التموينية تستعد لإلغاء البطاقات الحمراء، الخاصة بالدعم الجزئي للفئات غير الفقيرة بأسعار أعلى والاقتصار على البطاقات الخضراء ذات الدعم الكلي الخاصة بالشرائح الفقيرة والأقل سعراً فقط.

لكن ظهور مظاهرات الخبز خلال هذا العام وبعد سقوط قتلى خلال زحامهم بطوابير الخبز أمام المخابز، دفعه لأخذ مسار معاكس تماماً لما كان ينوي فعله، فقام بتحويل البطاقات التموينية الحمراء إلى بطاقات خضراء، ليستفيد أصحابها من نفس الأسعار الأقل الخاصة بأصحاب البطاقات الخضراء، كما قام بزيادة الأجور بنسبة 30% كنسبة غير مسبوقة من أول مايو/أيار 2008، رغم أن الموعد السنوي لزيادة الأجور كان يتم ببداية العام المالي أول يوليو/تموز. 

واستمع مبارك لنصيحة رجل الأعمال أحمد بهجت الذي كان يمتلك قنوات فضائية، بأنه حتى يمكن جذب المصريين بعيداً عن شاشة قناة الجزيرة القطرية، التي كانت لها الأولوية بالمقاهي الشعبية بالقرى والحواري المصرية، فإنه لا بد أن يتيح قدراً من الحرية للقنوات الخاصة المصرية، فظهرت برامج التوك شو التي جذبت المصريين كل ليلة. 

ورافق ذلك السماح بوجود مظاهرات بمدخل نقابة الصحفيين، التي تحول السلم الخاص بها إلى ملاذ لأصحاب المطالب من الجهات المختلفة للوقوف عليها بعض الوقت لعرض مطالبهم، وتقوم الفضائيات العربية والمحلية الخاصة بتصويرها وعرض مطالبها. 

أسعار سلع المنافذ الرسمية فوق الطاقة 

لكن النظام الحالي خالف نهج مبارك وقام بتكرار أسلوب إعلام الصوت الواحد بفترة الرئيس عبد الناصر، ولم يكتفِ بالصحف الحكومية والقنوات التلفزيونية الرسمية، بل أضاف إليها الصحف الخاصة والفضائيات الخاصة لتكرار نفس مضمون الجهات الإعلامية الحكومية.

 ثم تلت ذلك مرحلة شراء القنوات التلفزيونية الخاصة والصحف الخاصة لتكون  تحت سيطرة شركة واحدة تديرها الجهات السيادية، وتوسع دور تلك الشركة إلى إنتاج المسلسلات والأفلام بل دخول مجال الإعلان، حتى إن أي  فنان غير مرضي عنه من قبل النظام لن يجد عملاً.

وفي ضوء استيراد مصر أكثر من 60% من غذائها ومستلزمات إنتاجها الصناعي والزراعي وثلث استهلاكها من النفط، فقد تسبب تراجع سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بأكثر من 90%، ما بين العشرين من مارس/آذار الماضى وحتى الآن، في موجة غير مسبوقة من ارتفاع أسعار الغذاء، خاصة السلع الشعبية شائعة الاستخدام كالأرز والزيت والسكر والشاي والخبز والبيض والدواجن واللحوم. 

احتجاجات المصريين

وحتى مع قيام المحافظات بناء على تعليمات حكومية بإقامة معارض، لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة نسبياً عن أسعار محلات القطاع الخاص، فإن القدرة الشرائية لعموم المصريين عجزت عن الشراء بتلك الأسعار المخفضة.

 بعد أن وصل كيلو الجبن الأبيض لأكثر من 85 جنيهاً، وكيلو الدواجن الحية أكثر من 60 جنيهاً، والبيضة الواحدة أكثر من ثلاثة جنيهات، حتى اللحم البرازيلي المستورد وصل إلى 130 جنيهاً، وأسعار اللحم 200 جنيه بالمنافذ الحكومية، بينما تخطى الثلاثمئة جنيه بالمنافذ الخاصة، ووصل لحم الجمال بالمنافذ الرسمية 160 جنيهاً. 

 تراجع شعبية النظام بسبب الغلاء 

ومن الذكاء أن تسمح السلطات للناس بالتعبير عن غضبهم من تلك الأسعار المسبوقة، خاصة أن السيسي نفسه قد صرح في أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلال المؤتمر الاقتصادى باحتياج الأسرة لدخل عشرة آلاف جنيه حتى تستطيع العيش، وجاء التصريح بالرقم قبل خفض قيمة الجنيه أمام الدولار أواخر نفس الشهر، وهو الانخفاض الذي تتالى خلال الأسابيع المنقضية من العام الحالي.

 وواكبته أزمة نقص الأعلاف والتي تعتمد عليها صناعات الدواجن والبيض والأسماك واللحوم، كما رافقه قرار منع البناء؛ مما أدى لبطالة العاملين بقطاع التشييد والبناء وما يتصل به من أنشطة، وزيادات أسعار المشتقات البترولية؛ مما زاد من تكلفة النقل. 

وها هي الأسعار الرسمية المنقولة عن جهاز الإحصاء الحكومية خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشير إلى نمو سنوي بأسعار القمح البلدي 77% والعدس 67% والدقيق 95% ، والمعكرونة 75% والأرز 89% والسكر 61% والجبن الأبيض 53% ، والجبن المطبوخ 61%، وزيت الطعام المخلوط 56% والبيض 67% والدجاج 53%.

وهي الأسعار المنقولة من المنافذ الحكومية التابعة للجيش ووزارة الداخلية والتموين والزراعة، بما يعني أن الأسعار بالقطاع الخاص أعلى منها، وبما يشير من ناحية أخرى إلى عدم ثقة الجمهور في النسبة المعلنة للتضخم، سواء المعلنة من قبل جهاز الإحصاء أو البنك المركزي البالغة 24%، والتي يرى المصريون أن النسبة الحقيقية للتضخم أربعة أضعاف الأرقام الرسمية، مع الأخذ في الاعتبار استمرار الأسعار في الارتفاع خلال الشهر الماضي. 

لتتسبب مشكلة الغلاء الحالي في تراجع تأييد عموم المصريين للنظام الحالي، وفي انتشار الجرائم كالرشوة والدعارة وتجارة المخدرات والسلاح وغيرها، وفيى ارتفاع معدلات الخلافات الزوجية وحالات الطلاق، وفي زيادة معدلات الغضب الشعبي، التي يمكن أن تتخطى حاجز الخوف من عقوبات التظاهر في أي لحظة مدفوعة بحالة اليأس والقهر والجوع. 

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …