وصيتي لابنتي على أعتاب الجامعة

ابنتي وحبيبتي .. فلذة كبدي, ومُهجة فؤادي, أعيريني سمعك اليقظ، وعقلك الواعي وقلبك النابض، وعاطفتك الجياشة. اسمعي مني بكل جوارحك عسى أن تكون في هذه النصيحة المتواضعة الجواب الكافي لما يدور في ذهنك وأنت على أعتاب الجامعة.

ابنتي الحبيبة .. لا أخفي عليك سِرَّاً حين أقول لك إنه منذ أن اكتحلت عيني برؤياك وأنا أتعهدك بالتربية والرعاية طاعة لأمر الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ” وطاعة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: ” كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”. ومن واقع هذه المسئولية وحفظاً لهذه الأمانة أحرصُ على حسن تربيتك وتوفير كل ما من شأنه إسعادك تقرباً إلى الله تعالى وطمعاَ في أن تكوني الولد الصالح الذي يتقبل اللهُ تعالى منه الدعاء لي بعد الممات.

ابنتي الغالية .. إن من حقك عليَّ أن أقدم لك خبرة السنين وعُصارة الفكر والتجارب، ومن حقي عليك أن تحسني السمع وتحسني الاستجابة وأن تثقي في كل كلمة أقولها فيكون لها صداها المناسب وثمرتها المرجوة.

لقد انتهيتِ بفضل الله تعالى من شوط كبير من حياتك الدراسية وها أنت مُقبلة على مرحلة جامعية جديدة أدعو الله تعالى أن يُسدِّد فيها خُطاك وأن يَحفظك ويَرعاك.

أعلم أنه بوصولك لهذه المرحة السنية وبهذا التفوق الدراسي أن الله تعالى قد حباك من الفطنة ورجاحة العقل ما يجعلانك تفهمين كل ما أقصد وتَعِين ما أقول.

قرة عيني .. اعلمي أن المجتمع الجامعي مختلف تمام الاختلاف عن المجتمع المدرسي وعن المجتمع الخارجي وأنه ستقابلك في حياتك الجامعية مواقف مُتباينة من الزملاء والزميلات وممن تعرفينهم ومن لا تعرفينهم، مواقف يحتار أمامها العقل السَّوي، هذه المواقف تتطلب منك الحكمة والتروي وحُسن التصرف وعدم الانسياق ورائها. وسيقابلك من أصناف الناس وسلوكياتهم ما لم تألفيه فلا يخدعنك بريق صنيعهم، ولا تنجرفي وراء معسول كلامهم، واستعيني بالله تعالى على كل ذلك، ولا يعيبك السؤال وأخذ المشورة ممن سبقوك من الثقات ومن هم أكبر منك سِناً.

ابنتي الحبيبة.. إن وجدتي مني يوماً ما يُضايقك أو ما يُخالف هواك فاعلمي أن ذلك من باب الحرص الشديد عليك, ومن باب الخوف على مُستقبلك, ومن باب خبرة السنين ومرور التجارب, فأنا أريد أن تكوني أفضل من أفضل ما مَرَّ عليَّ من تجارب وأدعو الله تعالى أن يحفظك من أن تمري بتجربة سيئة, إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.

اعلمي أن كل مخلوق يؤخذ من كلامه ويُرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم فلتكن اللغة السائدة بيننا هي لغة الحوار والمناقشة (الشورى) القائمة على مُنتهى الصراحة ومُنتهى الوضوح دون تردد ودون خوف من شيء, وأعدك أنك ستجدين كل احترام لرغبتك وآذانًا صاغية لرأيك طالما أنه لا يصطدم مع شرع الله عز وجل ولا يصطدم مع عُرف صحيح يجب أن نحترمه.

عاهدي الله ثم عاهديني أن تقفي مع نفسك وقفة صادقة مُتأنية لتبحثي فيها عن جوانب التقصير في علاقاتك مع ربك، ومع نفسك، وفي دراستك، ومع كل المحيطين بك .. عسى أن يطلع الله تعالى على صِدق عزمك وعُلو همَّتك فيشرح بذلك صدرك ويُنير بصرك وبصيرتك ويغفر لك ما مضى من تقصير, وأن يوفقك فيما هو قادم من حياتك المستقبلية فتكونين من السعداء وهذا هو غاية ما أتمناه لك.

ابنتي الغالية .. احرصي على التوازن في شخصيتك وخططي كيف تكونين قوية الجسم، مَتينة الخُلُق، مُثقفة الفكر، سليمة العقيدة, صحيحة العبادة, مُجاهدة لنفسك, حريصة على وقتك، مُنظمة في شئونك، نافعة لغيرك.

كل ما سبق سيتطلب منك حُسن تحديد أهدافك، وتقديم أولوياتك، وحصر إمكانياتك، وتسديد الثغرات، والتخلص من السلبيات.

قرة عيني.. اعلمي يقيناً أن هذا جُهد ليس بالهين إلا على من أحسن التوجه لله تعالى وطلب منه العون والتوفيق والسداد، فاستعيني بربك واعلمي أن ما عند الله تعالى لا يناله العبد إلا بطاعته.

ابنتي الغالية .. يعينك على كل ما سبق أن تجعلي ما جاء في كتاب الله تعالى تاجًا على رأسك، وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم وساما على صدرك، وعليك بصحبة الأخيار، واتباع الحق ولو كان مُرَّاً، والابتعاد عن الباطل فظاهره فيه الرحمة وفي باطنه الشقاء والعذاب.

وختاماً .. احفظي عني هذه العبارة: ” السعيد من جعله الله يعتبر بغيره ولم يجعله هو عِبرة لغيره” .

شاهد أيضاً

منظمات تحذر من وضع المسلمين على القوائم السوداء في أوروبا بتواطؤ الإمارات

حثت منظمات مجتمع مدني إسلامية وناشطون حقوقيون الحكومات الأوروبية على اتخاذ إجراءات ضد الإسلاموفوبيا المتصاعدة …