أحمد المحمدي المغاوري : إسقاط القدوات وهدم الثوابت

اختار الله لهذا الدين رجالا من خلقه حماة له، حراسا وأُمناء لشرعه وثوابته، ولكل زمان رجاله يوفون بعهد الله ويدورون حول الحق حيث دار، وما من أمة ارتقت في أعالي المجد إلا وكان وراء ذلك المجد رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أناروا الدنيا وفتحوها بالعدل والإحسان ليعيش العالم في أمان, وقد كان، ذلك لأنه كانت غاية هؤلاء الرجال سامية وأهدافهم نبيلة، فبذلوا كل غالٍ ونفيس من أجل الوصول الى تلك الغاية، وتحقيق المرجو منهم وهو إحقاق الحق وإزهاق الباطل، لكن للأسف عادت الكرة في غفلة من المسلمين والمخلصين, ويقظة المتربصين بهم, وعمالة المنافقين والمبطلين والرويبضة، حين أصاب الوهنُ الناسَ وأصبح حب الدنيا راسخًا في القلوب؛ فنزعت المهابة والخوف من قلوب الأعداء، فتكالبوا علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير, ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

ونحن إذ نعيش في زمن عاصف سريع التحولات، الموازين فيه منقلبة، عالم تحكمه المادة وفقط، عالم يكاد يخلو من الضمير الإنساني، هو كالغابة يأكل فيها القوي حق الضعيف, لذا فالناس فيه بحاجة إلى من يعيد توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح، ببذل الجهد والوقت من المخلصين للدين والوطن وللأمة. نحن في أمس الحاجة للحظة صدق مع النفس لتوضيح حقيقة ما يحدث حولنا. أحداث جسام تعيشها الأمة, وتهب عليها ريح عاصف وسيل جارف من أعدائها لاقتلاع وتجريف ثوابتها ومبادئها من قِبَل أعداء الخارج وذيولهم من منافقي الداخل, في هجمة  شرسة تكاد تأكل الأخضر واليابس, وقد أكلت ولا زالت تأكل, فهل نقف مكتوفي الأيدي كالريشة تأخذها الريح أينما ذهبت بنا نذهب من دون مقاومة أو محاولة لرأب الصدع المخيف؟ نحتاج إلى نقاط حوار بين المختصين الشرفاء؛ كلٌ في مجاله ليرشدوا الناس إلى الموقف السليم والرؤية الواضحة للمستقبل وكيفية المواجهة.

 والراسخون في العلم؛ كل العلم وليس العلم الشرعي فحسب, ومن لديهم من الفقه والفهم والفكر والثقافة ما يرشحهم للقيام بمسؤولية حماية الثوابت والمحافظة على هوية الأمة، فمعاول هدم الأمة  وأسقاط  قيمها على أشدها؛ داخليا وخارجيا، لفصل العلم عن الإيمان, ولفصل الدين عن الدنيا, ولفصل الناس عن مكارم الأخلاق وقيم هذا الدين العظيم  بنشر الرذيلة، ولفصل حب الأوطان عن القلوب والأبدان بمباراة كرة قدم, ولفصل نسيج المجتمع وفك روابط المجتمع؛ الأسرة والأصدقاء والجيران، بخلاف سياسي ناتج عن انقلاب فاشي دموي وبنشر الكراهية.

شوهوا العلماء, وشوهوا الجنود والقادة, وشوهوا الشيوخ والمربين حين صنع أعداؤنا لنا، علماء وساسة وشيوخا وفنانين وإعلاميين رويبضة أذيال لهم يتبعونهم، وذلك لزعزعة الثقة في رمزية العالِم والمقاوم والمربي والوطني ولقتل معاني الأخوة، أخوة الإنسانية وأخوة الدين وحتى أخوة النسب بين النسيج المجتمعي، وللأسف وقعنا في الفخ الذي يراد لنا، وكان أخطر ما يكون على الأمة بل وعلى الانسانيه جمعاء، ولا مخرج من ذلك إلا بالاعتصام بحبل الله، وبوحدة قادة الفكر والوعي والمثقفين والعلماء والوطنيين الحقيقيين، بالعمل على عودة النسيج المجتمعي وعودة الثقة في العلماء والمريين. يقول الله تعالى:”ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن الشيطان يأس أن يعبده المصلون إلا في التحريش بينهم” ويقول: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية” ويقول صلى الله عليه وسلم : “عبادة في هرج كهجرة الي”, والهرج والهدم والسجن والتشريد على أشده للأنفس والأموال والأولاد وقبل ذلك والأشد للمبادئ والأخلاق. وما أسهل الهدم وما أشق البناء, فما بالنا  والهدامون كُثر والبناؤون قلة. فإما أن نفيق ونتحرك وتنوحد وإما أن تسقط  ثوابت الأمة الأصيلة بل ويكون الدورعلى هويتها الإسلامية  وما يحدث  الآن في مصر والجزيرة العربية ليس ببعيد.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين دخل ذات يوم لبيت زينب بنت جحش وهو يقول صلى الله عليه وسلم : “ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كهذا وحلق بين إصبعيه، قالت له زينب: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون، قال: نعم، إذا كثر الخبث”، لاحظ تأمينه على كلمة الصالحون وليس المصلحون, فربما يكون الصالحون كثر, ولكن أين المصلحون في واقعنا؟

أين المصلحون في الإعلام؟ وأين المصلحون على وسائل التواصل الاجتماعي؟ أين المصلحون من قادة الفكر والسياسة والفن والثقافة؟ إنها دعوة للتصالح والإصلاح والوقوف بقوة لمحاولات هدم ثوابت الأمة وأسقاط القدوات وقطع نسيج الأمة .. فاعتصموا بحبل الله.. ولا تنازعزا فتفشلوا.. ولنكن نسيجا واحدا. 

وللحديث بقية ..

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …