أحمد عشري : هل من بلال يؤذن لنا؟!

خطرت لي هذه الخاطرة وأنا جالس مع من أتقرب إلى الله بصحبتهم, وقد نزل بهم ما نزل بالأحرار الذي رفضوا الظلم وأخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق. وبينما نحن جلوس وآلام الأمة وهمومها لا تفارقنا كعادة مجالسنا منذ زمن بعيد وإذا بأحدهم يأخذنا إلى زمن أخر غير الزمن الذي نحيا فيه حيث بدايات الالتزام وكيف تعرفنا على هذه الدعوة المباركة فكان حديثا ذا شجون حرك المشاعر والقلوب واغرورقت العيون بالدموع, وزال عنا كل هم؛ فهو حديث مليئ بالعواطف الجياشة والذكريات الجميلة حيث الحب والأخوة والخوف على بعضنا البعض, وجميل لطف الله بنا, وحبه لنا بأن دلنا على طريق الهداية, وانتشلنا من طريق الغواية, وإلا لربما كان أحدنا اليوم في صف الطغيان, ناصرًا ومعينا.

ذكرني هذا الموقف بمؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل بلال بن رباح؛ فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بلال رضى الله عنه العهد على نفسه ألا يؤذن لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلب من أبي بكر الصديق رضى الله عنه أن يرابط في سبيل الله حتى يموت, وسافر الى الشام. ثم تولى الخلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وذهب إلى الشام كما جاء عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: قدمنا الشام مع عمر فطلب الصحابة منه أن يؤذن بلال فأذَّن، فذكر الناسُ النبي صلى الله عليه وسلم فبكوا جميعا فلم أرَ يوما عمرَ باكيا أكثر من هذا اليوم.

والشاهد من القصة أن بلالاً رضى الله عنه ليس لأذانه فضل على من سواه, وربما في الجمع من هو أندى منه صوتا, فما الدافع في إلحاح الصحابة رضى الله عنهم على عمر رضى الله عنه أن يطلب من بلال أن يؤذن لهم؟

الدافع هو شوق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الأيام الخوالي حيث النبي والرسالة والوحي والصحبة والصفا والنقاء والإيثار والإخوة والحب والهداية والإيمان والصبر والاحتساب والاقبال على الآخرة والإدبار عن الدنيا ورغم أن الأمة وقتها كانت عزيزة حيث الفتوحات والانتصارات, والناس يدخلون في دين الله أفوجا إلا أن حاجتهم إلا هذه التذكرة كانت ذات أولوية عندهم.

وها نحن اليوم بحاجة إلى بلال ليؤذن وقد نزلت بنا المدلهمات, وعمت بالأمة البلايا, وارتفعت رايات الباطل, وخُدت للمؤمنين الأخاديد, وخفت صوت الحق, وزلزل المؤمنون زلزالا شديدا, فأصاب البعضَ ما أصابهم من اليأس والقنوط, وشك آخرون في قدرة الله وعلوه على هؤلاء الطغاة فزاد الملحدون, وكثر اليائسون, وقل الثابتون, فاجتمعت المصائب على الأمة من كل حدب وصوب؛ من عدوها الخارجي, ومن أبنائها التائهين المستسلمين, فكانت الحاجة لمن يثبت الأقدام, ويأخذ بيد إخوانه إلى الأمام, ويذكر الناس بتاريخ الإسلام المجيد, وأنه الدين الباقي ليوم الخلود فأين كسرى وقيصر؟ وأين فارس والروم؟ وأين الممالك التي لا تغيب عنها الشمس؟ ذهبت كلها أدراج الرياح وبقى الإسلام رغم محنته, وبقاؤه دليل على قوته وعظمته وصلاحيته لكل زمان ومكان.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …