أحمد مبارك بشير: في السياسة وفي الاقتصاد .. لماذا نتوقف؟

أدردش معكم حول الاقتصاد والسياسة، مبتدئا بحدث خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. بالتأكيد ليس هذا موضوعي، الا انني سأعتبره مدخلا لما أريد أن أصل معكم إليه. قرار خروج بريطانيا من الاتحاد جاء من عمق مواطني المملكة، أي من عمق الديمقراطية في قدرة المواطن على اتخاذ القرار فيما يراه صالحا له من عدمه، ومع قبول نهج الاختيار بقبول الأغلبية وليس الأكثرية، وقد تكون الأغلبية لا تمثل إلا نصف المصوتين زائد واحد، إذن النصف الاخر قد تم تنحيته، وقبول النصف بالقرار هو عمق الديمقراطية، وعمق الوعي في فهم حدود الحرية. هناك أسباب عدة لهذا التحول، قد يتم الترويج لجزء منها باعتباره عرقي ديني، إلا أنه ليس جوهر السبب، جوهر الأسباب في الاقتصاد.. وعمقها المصلحة .

بالنسبة لي؛ كان القرار منطقيا لو عدت للتسلسل التأريخي للحدث، فجذور القصة تبدأ في محاولات فاشلة لتوحيد أوربا بالقوة المسلحة، هي محاولة نابليون تلتها محاولة هتلر، وتطور الفكر الأوربي بالبحث عن بديل لوحدة القارة باستخدام جوهر أسباب تلك الحروب، وهو الاقتصاد. هنا نشأ التكتل الأوربي الاقتصادي في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، تحت راية الجماعة الاوربية للفحم والصلب.

الدول المؤسسة الأولى (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا)؛ القوة الرئيسية للاتحاد الأوربي فعليا حتى الآن وخاصة ألمانيا . عدل اسم المجموعة إلى المجموعة الاقتصادية الأوربية أو السوق المشتركة مع مطلع الستينيات، ورسميا قدمت بريطانيا طلب الانضمام للعضوية في العام 1961 م ، وعرقل القبول رفضُ فرنسا ضم بريطانيا لعضوية السوق المشتركة، حتى العام 1973 حين ضمت بريطانيا للسوق مقابل تنازلات اقتصادية ومالية كانت تجنيها المملكة المتحدة قبل ذلك, مما دفع باستفتاء لبقاء العضوية في العام 1975 الا أن نتائج الاستفتاء كانت ضد رغبات ساسة بريطانيا في ذلك الوقت وأصر المواطنون على البقاء والانضمام للسوق المشتركة لما وجدوه من مصلحة وتوسع في أعمالهم الاقتصادية.

مع مطلع التسعينيات تم إعلان المنظومة الجديدة باسم الاتحاد الأوربي، كانت ألمانيا وفرنسا تدفعان لتحويله لاتحاد فدرالي كما الولايات المتحدة، إلا أنه  مازال اتحادا كونفدراليا, وكان المعرقل الأساسي لهذا التحول بريطانيا، حتى أنها رفضت التنازل عن عملتها مقابل اليورو. واستمرت محاولات المانيا وفرنسا لتحويل الاتحاد الى الفدرالية في أكثر من مرة آخرها 2004 الا أن الاستفتاءات كانت ترفض ذلك، ومع الشعور بالضيم الاقتصادي كانت الأصوات البريطانية ترتفع للخروج من الاتحاد، حتى جاء كاميرون واعدًا ناخبيه بأنه في حال فوز حزبه سيجري الاستفتاء للبقاء او الخروج، ربما هذا ما دفع الناخب البريطاني لاختيار حزب كاميرون، وقد أوفى كاميرون بوعده رغم انه لا ينتمي للفئة التي تريد الخروج من الاتحاد .

فعليا لم تكن بريطانيا انضمت بكل كيانها أو مؤسساتها او اقتصادها للاتحاد، ولم تكن هناك وحدة اندماجية ألغت مؤسسات الدولة، او حتى لم يكن اتحادا فدراليا، رغم ذلك فهناك فوائد وخسائر تعود على الاتحاد وغير الاتحاد من خروج المملكة.

بقاء حلف الأطلسي

خروج بريطانيا سيؤجل أو يضعف العمل على بناء الجيش الأوربي الموحد وبالتالي يستمر حلف الناتو وهذه مصلحة أمريكية، فبريطانيا هي القوة العسكرية الثانية بعد أمريكا، وليس من صالح أمريكا تأسيس جيش أوربي موحد بعيدا عن إدارتها.

الخوف من الضرر الاقتصادي ليس داخل الاتحاد فألمانيا و فرنسا هي القوة الاقتصادية الأكبر ضمن الاتحاد، إلا ان خروج بريطانيا قد يساعدها في إعادة ترتيب مداخيل المملكة من خلال الضرائب والرسوم المختلفة والتي لم تكن لتجنيها ضمن قوانين الاتحاد، ربما يكون هذا جزءا من المغريات التي أغرت من صوت بالخروج، وربما أيضا يفتح الباب للمزيد من فرص العمل في المملكة في اطار الوضع القانوني الجديد؛ قوانين الكومنولث وليس قوانين الاتحاد. ربما ان من صوت بالبقاء ينظر من ناحية اقتصادية أخرى هي سهولة تحركه في دول الاتحاد، حرية التجارية البينية، وسهولة نقل البضائع بلا رسوم، أو برسوم مخفضة.

في ختام الامر لست في بريطانيا، ولست من مواطنيها، وبالتالي لا انتمي لأي طرف من أطراف البقاء او الخروج، ان كنت هناك لربما تغير موقفي حيث تتغير المصلحة، وفي المصلحة تحدد الإجابات والحلول الصريحة والصحيحة وان كان ذلك ضد ما أريد .

اذن فخروج بريطانيا او بقاؤها ليس بذلك الضرر على الاتحاد، فقط موعده لم يكن مناسبا في ظل ما يحدث في العالم.

ألا ان ما يعجبني في الامر هو مستوى الوعي الاقتصادي للمواطن البريطاني . العجيب في الامر ان استفتاء اليونان 2015 لم يحظ بهذه الاهتمام، لأنه بلد مفلس يحتاج لدعم الاتحاد، وبالتالي توجه الناخب اليوناني للقول نعم للاتحاد .. إنها المصلحة.  

كيف تأثرت الأسواق بخروج بريطانيا؟ حتى لو لم تخرج كان سيحدث مثل ذلك، فأي تداعيات سياسية يتم متابعتها في العالم تؤثر على قرار الأسواق المالية، لأن من في السوق يتأثرون بما يسمعون، وبالتالي يزيد الطلب على سلعة، او يقوم البعض بالتخلص من الجنيه الإسترليني في مقابل تحويله للدولار او الذهب، وبالتالي ينخفض الطلب على العملة البريطانية في صالح سلعة أخرى او عملة أخرى، هذا تلقائيا يؤثر على قيمة العملة في السوق، فهم دورة النقد في السوق يسهل فهم الاحداث، وهذه الحدث يمثل ردة فعل لا أكثر ، تعود الأمور لطبيعتها مع تحرك السوق بشكله الدائم .

في الواقع ما سيتغير في بريطانيا، هو انها فكت الارتباط بقوانين الاتحاد الأوربي، فهي هي المملكة المتحدة، بمؤسساتها القائمة، وستعود قوانينها الاقتصادية لتتفعل من جديد بعدما كانت مجمدة.

الرئاسة الأمريكية

دعونا نمر بموضوع آخر، انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، الامر الذي يحدث كل 4 سنوات، ويدور رحاه في النخبة الامريكية أي الطبقة المتوسطة من الشعب الأمريكي، إلا أن الفارق هو بروز المليونير ترامب العنصري كما يتم وصفه، وهو يغذي شيئا في نفوس مواطني أمريكا حتى العرب منهم، اذ يوجه سخطه نحو “الإرهاب الإسلامي”، لماذا بالتحديد؟ لأنه الشيء الذي يتحدث عنه الجميع, وينقله الجميع، ويرهب الجميع ، أنه يثير اعجابي أحيانا بسبب انه بلطجي امريكي، ولأنه اعلامي وراعي ومقدم برنامج فهو متفنن في تقديم نفسه، وعرض أفكاره، عموما هو وداعش وجهان لعملة واحدة بطريقة او بأخرى، فهما يمثلان قول الله تعالى في سورة القصص:

(إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين)

وبالتأكيد لا أحكم على ترامب في الوضع الحالي إلا ان قوله يؤكد توجهه، لكن داعش هي تمثل الصورة الواضحة للآية السابقة قولا وفعلا. وفي الأخير حتى إن فاز ترامب سيكون له تأثيره إلا انه لن يحتكم لمؤسسات ديمقراطية عريقة، تقيد تلك التوجهات لديه، ربما سيدخل العالم في حرب جديدة شبيهة بحرب العراق، وربما عكس ما نظن ينهي لنا داعش ويعيد ترتيب الأوراق, رغم اني اظن انن سيأتي للبيت الأبيض شخص آخر ، أول امرأة تدخل البيت الأبيض ربما! .  

لماذا لا يتم ضرب دمشق؟

في سوريا ، لماذا لا ينتهي الصراع ويتم ضرب دمشق بشكل مباشر وانهاء الأسد؟، لأن أمريكا لا تريد، وروسيا لا تريد. وجود الأسد الان هو الحلقة الوحيدة التي تحافظ على سوريا والبقاء على الدولة الموحدة، وعدم تحولها الى صومال آخر في المنطقة المحيطة بإسرائيل، وأيضا حتى لا تحدث مواجهة مباشرة ضد العملاقين؛ روسيا وامريكا، انهما يلعبان عن بعد، وجوهر الكارثة ان الدول التي تريد إزاحة الأسد كل ما قدمته هو صناعة مليشيات على الأرض السورية بأسماء مختلفة وباتجاهات مختلفة، لا تحكمها قوة نظامية ولا وضوح رؤية، فقط يتلقون الملايين والسلاح، حتى يقتلون بعضهم البعض، حماقة صنعتها مصالح تلك الدول، وغباء تلقاه المسلحون من اجل المال والجاه، وفي سبيل غير الله يقاتلون بعضهم البعض، ويرفعون راية الله كذبا وافتراء عليه، حتى من صنع تلك الدمى لم يعد قادرا على الإمساك بحبالها لأنها تفلتت منه، وصارت تبتزه يوما بيوم، ولك الله يا سوريا. سيناريو سوريا كان مخططا ان ينقل لليبيا واليمن وحتى مصر، وفي هذا المضمار حديث يطول .

ماذا في نفسي؟

أعود للحديث عن اليمن؛ مناكفات الكويت مستمرة وتدخل شهرها الثالث، والمتناكفون يزعمون انهم يتحركون لمصلحة الوطن والمواطن، ذلك الوطن الجريح، والمواطن الذي يتضور جوعا. الوضع الاقتصادي في حالة يرثى لها، والوضع السياسي لم يستقر فلا استقرار للوضع الاقتصادي ، سوى الترقيع، حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، لن يحدث إلا بعض الترقيع.

في الجانب السياسي قدم الدكتور باصرة رؤيته حول اطار الحل السياسي، وفي أفكاره ما اتبناه؛ المضي لانتخاب مجلس نواب، أي مجلس شرعي يستلم زمام الأمور بصورة كاملة ويبدأ في تسيير دفة تعديل الدستور، فمن يحق له أن تؤول اليه الأمور هو من يمثل الأمة، وفي طرفي النزاع الحالي بين ما يسمى بالشرعية والانقلاب الحوثي لا احد منها يمثل الأمة، علينا ان نتذكر اننا لسنا مملكة يحكمها ملك منفرد، فشرعية الرئيس هادي مفروضة بحكم القرار 2216 الا أن هذا لا يمثل اختيار الأمة الآن. لكن اختيار مجلس نواب لا يتم إلا في وجود هيئة مؤقتة لإدارة الفترة الانتقالية حتى الوصول الى الانتخابات، ومن ثم تسليم الراية للنواب والحكومة الدائمة، ومن هنا فلابد من وجود مخرج تقبله أطراف الصراع، ربما المبعوث الاممي السيد ولد الشيخ سيقدم أو يرسم صورة معدة مسبقا، ربما, إلا أنه من حقي أن اتجرأ لرسم صورة ربما تكون صالحة او بديلة لرؤية المبعوث الاممي، ولأن الفترة مازالت تدار بالمبادرة الخليجية التي تعتمد على الدستور اليمني، وعلى وجود سلطة البرلمان السابق الحالي من جهة، ولأن المبادرة أسست لمؤتمر الحوار الوطني، ولأن المبادرة تعتمد على وجود حكومة توافق وشراكة وطنية، ولم يحدث ان اطراف الصراع اختلفوا حول ما سبق وبالتالي هي نقطة الاتفاق التي امضي من خلالها لوضع فكرتي:

– أن يتم تكوين مجلس تأسيسي من  مجلس النواب السابق مع أعضاء مؤتمر الحوار الوطني .

– اختيار المجلس التأسيسي من أعضاء النواب والمؤتمر على أن تتمثل في المجلس نسب متساوية من جميع الاتجاهات في المجلسين؛ المؤتمر والحوار, ولا يزيد عدد الأعضاء من المجلسين عن  30 عضوا وأن يتم اختيار 10 أعضاء من خارج المجلسين من اشخاص مختصين او أصحاب خبرة اقتصادية وقانونية واجتماعية وسياسية .

– عند اجتماع المجلس تنتقل سلطة الرئيس الشرعي اليه بصورة كاملة ويعتبر الرئيس الشرعي بدون سلطة بشكل نهائي ويستمر مسماه الرئيس الفخري للمرحلة الانتقالية.

– يجتمع المجلس لطلب ترشيح من كل محافظة 2 أعضاء عضو يمثل المجلس المحلي وعضو يمثل مؤسسات المجتمع المدني او النقابات او القطاع الخاص حسب ما تراه المحافظة  . بذا يصل عدد أعضاء المجلس التأسيسي الى 86 عضوا تقريبا .

– يجتمع المجلس في كامل كيانه لاختيار حكومة ازمة مصغرة من التكنوقراط، تدير الملفين الاقتصادي والتنفيذي، والتفاوض مع الجهات الدولية والتحالف، وتنتقل لها صلاحيات الرئيس من المجلس .

– على الحكومة ترتيب وأدراه جميع الملفات، وترتيب الأولويات واختيار المحافظين، المرشحين من قبل المجلس المحلي في كل محافظة، والعمل على استلام ملف الإرهاب وتسليمه لاحقا للمجلس العسكري عند تشكيله من قبل المجلس التأسيسي بعد هيكلة القوات المسلحة والامن.

– تبدأ جلسات المجلس التأسيسي لمناقشة الدستور المنبثق عن الحوار الوطني بالتعديل او الحذف او الإلغاء، لتكوين الدستور النهائي للدولة اليمنية .

– تسير أمور الدولة معتمدة على القوانين السابقة واي قرارات قانونية تصدر من الحكومة هي في وضعية القوانين المؤقتة ويتم اعادتها لمجلس البرلمان لإقرارها او الغاءها بعد الانتخابات .

– يدير المجلس التأسيسي ترتيب وهيكلة القوات المسلحة والأمن بالتعاون مع الحكومة ويستلم المواقع من جميع المليشيات التابعة للانقلاب او المليشيات التابعة للشرعية .

– الفترة الانتقالية الأخيرة مداها لا يزيد عن سنة ونصف سنة ولا تقل عن ستة اشهر .

– يتم تشكيل اللجنة الانتخابية من قبل المجلس التأسيسي والحكومة ومجلس القضاء .

– بعد اجراء الاستفتاء على الدستور واقراره ، يستمر علم المجلس التأسيسي وحكومة الأزمة حتى اجراء الانتخابات النيابية والرئاسية وانتخابات المحافظين أو حكام الأقاليم بناءً على الدستور الجديد .

هذه فكرة، ربما تكون مفيدة لمن يهمه الأمر, إلا ان الملف الاقتصادي شائك، وفيه حديث آخر، خاصة بعد اطلاعي على الرؤية الاستراتيجية لإصلاح مؤسسة كهرباء عدن التي قدمها المهندس خالد عبد الواحد لإدارة مؤسسة كهرباء عدن.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …