الجنسية أم الحرية؟ .. جدل بعد اضطرار سجناء مصريين للتنازل عن الجنسية لإطلاق سراحهم

لم يكن الناشط الحقوقي المصري الفلسطيني رامي شعث، منسق حملة مقاطعة إسرائيل في مصر، هو الأول بين السجناء السياسيين الذي تنازل عن الجنسية المصرية، مقابل الإفراج عنه، وترحيله خارج البلاد.

فخلال السنوات الماضية لجأ العديد لهذه الوسيلة للإفلات من الاحتجاز على ذمة قضايا رأي واتهامات وجهت لهم بـ«الانضمام لجماعة إرهابية» في إطار القانون المصريّ رقم 140 لسنة 2014، الذي يسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصريّة، ويحملون جنسيّة أخرى أو جنسيّة مزدوجة إلى دولهم خارج مصر شرط التنازل عن الجنسيّة المصريّة أوّلاً.

فبعد 900 يوم من الحبس الاحتياطي على ذمة قضية عرفت إعلاميا بقضية «تحالف الأمل» نسبة إلى إقدام عدد من المعارضين المصريين على تشكيل تحالف كان من المفترض أن يخوض انتخابات مجلس النواب الأخيرة، وبعد وضعه على قوائم الإرهاب لمدة 5 سنوات، أفرجت السلطات المصرية عن رامي شعث، ورحلته إلى خارج البلاد، حيث وصل إلى فرنسا، أول أمس السبت.

وفي الوقت الذي رحبت فيه منظمات حقوقية في بيان بالإفراج عن شعث، إلا أنها أعربت عن استيائها من اضطراره للتخلي عن جنسيته المصرية من أجل ضمان الإفراج عنه.

19 منظمة تحتج

وقالت المنظمات، التي بلغ عددها 19 منظمة حقوقية في بيان، إنها «ترحب بإطلاق سراح رامي شعث، المدافع الصلب عن حقوق الإنسان الذي ألهم ببسالته وشجاعته الكثيرين في مجتمع حقوق الإنسان في مصر وفلسطين»

وأضافت المنظمات ومن بينها العفو الدولية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن «إطلاق سراح رامي هو انتصار لجميع أصدقائه وأفراد أسرته ومنظمات المجتمع المدني والبرلمانيين والآلاف من أنصاره حول العالم». وزاد البيان: «يؤكد الإفراج عن رامي، مرة أخرى، أن الوقوف في صف حقوق الإنسان والصمود في وجه الظلم يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا»

وحسب المنظمات «إطلاق سراح الناشط الحقوقي المصري الفلسطيني رامي شعث، يضع حدًا لمحنته الأليمة خلف قضبان سجن طرة المصري، والتي استمرت لعامين ونصف بلا مبرر»

لكن المنظمات استنكرت في بيانها أن «شعث، الذي كان يجب على السلطات المصرية الإفراج عنه دون قيد أو شرط، بل وتعويضه عن الضرر الذي لحق به بسبب اعتقاله غير القانوني، اضطر للتخلي عن جنسيته المصرية من أجل ضمان الإفراج عنه»

وطالبت المنظمات السلطات المصرية بـ«اتخاذ إجراءات فورية للإفراج عن جميع المعتقلين تعسفيًا بسبب ممارستهم حقوقهم الأساسية، ووضع حد لإساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب، وحذف أسماء شعث وكل من أضيف تعسفيًا إلى قائمة (الأشخاص والكيانات الإرهابية) في مصر»

كما دعت المجتمع الدولي إلى «دعم جهود تأسيس آليات للرصد والإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في مصر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة»

وزادت: «لا يعني إطلاق سراح رامي شعث انتهاء الحاجة إلى تحرك دولي بشأن السجل السيئ للحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان، كما أنه لا يعني تحسن الوضع بالنسبة للسجناء السياسيين الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف والذين لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي في السجون المصرية»

واختتمت المنظمات بيانها: «من بين السجناء نشطاء سلميون ومدافعون عن حقوق الإنسان ومحامون وصحافيون وأكاديميون احتجزوا جميعا لممارسة حقوقهم الأساسية في حرية التعبير والتجمع السلمي. الكثير من هؤلاء تم ضمهم، مثل شعث، للقضية رقم 930 لسنة 2019، ولا يزال معظم المتهمين بجانب شعث محتجزين ظلما أو يقضون أحكاما صدرت بعد محاكمات جائرة في قضايا أخرى». أسرة رامي شعث عبرت كذلك عن استيائها من إجباره على التنازل عن جنسيته المصرية للإفراج عنه.

وقالت: «كان يجب أن يكون ذلك غير مشروط بعد سنتين ونصف من الاعتقال الظالم في ظروف غير إنسانية»

وتابعت في بيان صادر عنها: «لا يجب أن يختار الإنسان بين حريته وجنسيته، ولد ونشأ رامي مصريا، وكانت مصر وستبقى وطنه، ولن يغير التنازل القسري عن جنسيته أبدا

حريتك أو وطنك

وعلق الحقوقي جمال عيد، مدير «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» على تنازل شعث عن جنسيته المصرية وكتب على «فيسبوك»: « ‏2005: دينك أو وطنك، 2022: حريتك أو وطنك، في 2005 كان على البهائيين عند محاولة استخراج البطاقة «الهوية» اختيار «مسلم أو مسيحي أو يهودي» فقط، وكأنه اختيار بين الدين والوطن، وإذا رفضوا فلن تستخرج البطاقة، الآن في 2022 أُفرج عن سجين الرأي رامي شعث مقابل تخليه عن جنسيته المصرية، وكأن الاختيار حريتك مقابل وطنك»

وغرد الكاتب والحقوقي بهي الدين حسين، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: «‏التخلي عن الجنسية المصرية يفتح أبواب الحرية والأمل لك، هذه رسالة السيسي للمصريين، الإفراج عن الحقوقي الفلسطيني المصري ‎رامي شعث، الذي قضى أكثر من عامين في السجن باتهامات ملفقة، ودون تحقيق أو محاكمة، شكراً لحملة التضامن المصرية والدولية معه، شكراً للحكومات الأجنبية التي تبنته»

هؤلاء نالوا حريتهم بلا جنسية

في يوليو/ تموز2020، أفرجت السلطات المصرية عن طالب الطب الأمريكي من أصول مصرية محمد عماشة، بعد أن مضى أكثر من عام على سجنه، وقد وصل إلى مطار دالاس في الولايات المتحدة. وتم الإفراج عن محمد عماشة بعد 486 يوما من الاحتجاز التعسفي، على خلفية احتجاجه في ميدان التحرير وحمله لافتة كتب عليها «الحرية لجميع السجناء»

وقد اتهمته السلطات وقتها بـ«إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومساعدة جماعة إرهابية». الناشط المصري الأصل، الأمريكي الجنسية، محمد سلطان، الذي سبق وأفرج عنه عام 2015 مقابل التنازل عن الجنسية المصرية، بعد صدور حكم ضده بالسجن المؤبد في القضية المعروفة إعلاميا بـ«غرفة عمليات اعتصام رابعة» غرد على موقع تويتر بمناسبة الإفراج عن شعث.

وكتب سلطان: «أن تُخير بين حريتك وجنسية بلدك هو اختيار سهل، فالحرية تأتي أولاً دائماً وأبداً، ولا ينقص من انتمائك لبلدك لأنه في القلب.‏ أما النظام الذي يشترط تنازل الجنسية للتمتع بأبسط حقوق المواطنة في الحرية والحياة، فهو نظام يؤكد على فلسفته القمعية: أن تكون مواطناً يعني بالضرورة أن لا تكون حراً». لم يحالف الحظ البعض مثل شعث وسلطان وعماشة، فالقدر لم يمهل مصطفى قاسم الأمريكي الجنسية الفرصة لنيل حريته رغم تقدمه بطلب للتنازل عن الجنسية المصرية.

وفي مطلع يناير 2020، توفي قاسم بعد إضرابه عن الطعام بشكل متكرر لإطلاق سراحه منذ سبتمبر/ أيلول 2018 بعد صدور الحكم عليه، فيما يعرف بقضية، فض اعتصام رابعة، التي حوكم فيها مع 600 آخرين.

وكان قاسم قد قدم أوراقا للتنازل عن جنسيته المصرية مع الاحتفاظ بالجنسية الأمريكية للإفراج عنه.

وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، أصدر عبد الفتاح السيسي القانون 140 لعام 2014 الذي يسمح بتسليم المحكوم عليهم في قضايا داخل الأراضي المصريّة، ويحملون جنسيّة أخرى أو جنسيّة مزدوجة إلى دولهم خارج مصر شرط التنازل عن الجنسيّة المصريّة أوّلاً.

وارتبط صدور القانون بالقضية المعروفة إعلاميا بـ«خليّة ماريوت» والتي قبض فيها على صحافيّي شبكة الجزيرة الإنكليزيّة بتهمة «مساعدة منظّمة الإخوان في 29 يناير 2013» ومنهم الأستراليّ بيتر غريسته والمصريّ الذي يحمل الجنسيّة الكنديّة، محمّد فهمي.

وتسبّبت هذه القضيّة في إحراج بالغ للنظام المصريّ بعد غضب دول غربيّة وصدور حكم على كلا الصحافيين بالسجن المشدد 7 سنوات، قبل أن يجري ترحيلهم طبقا للقانون

شاهد أيضاً

الاحتلال يعتمد على برنامج “واتساب” لجمع المعلومات وارتكاب المجازر بغزة

 ندد المركز الشبابي الإعلامي “الفلسطيني”، الخميس، باستخدام الاحتلال الإسرائيلي لبرامج الذكاء الصناعي في ارتكاب المجازر …