استحياء هنا ووقاحة هناك! ربما تكون هذه المفارقة هي الأقرب لوصف تعامل الإعلام المصري مع الدعوات الشعبية لمقاطعة البضائع الفرنسية، في مقابل مقاطعة البضائع التركية التي يدعو إليها نشطاء مؤيدون للسلطات في السعودية والإمارات ومن خلفهما مصر.
وانتشرت دعوات مقاطعة البضائع الفرنسية، والوسوم المدافعة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بشكل كبير جدا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما قامت مجموعة كبيرة من المتاجر في العالم العربي والإسلامي بسحب البضائع الفرنسية ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الرسوم المسيئة للرسول والإسلام.
والمفارقة في التعامل مع دعوتي المقاطعة ألقت بظلالها على وسائل الإعلام التابعة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث بدا عليها القلق والارتباك في التعامل مع الانتشار السريع لدعوات مقاطعة البضائع الفرنسية، والتي تحولت من مجرد دعوات جارفة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة حقيقية شارك فيها أفراد وتجار وبقالات ومحلات كبيرة.
والمأزق الذي وقع فيه الإعلام المصري جاء بسبب مشاعر المصريين الفياضة تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ورفضهم الإساءة إليه، واستجابة قطاع كبير منهم لدعوات المقاطعة بمختلف انتماءاتهم السياسية، فضلا عن غير المُسيسين، بل وصلت إلى المصريين من أتباع الديانة المسيحية.
وتداول ناشطون مسيحيون في مصر صورة كُتب عليها “أنا مسيحي ضد الإساءة للدين الإسلامي” بالعربية والفرنسية تضامنا مع المسلمين ضد التصريحات المسيئة للإسلام، والتي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ولم يجد إعلاميو السيسي وسيلة لتشويه دعوات المقاطعة سوى محاولة ربطها كالعادة بجماعة الإخوان المسلمين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبما يشبه النص الموحّد تبارت وسائل إعلام مصرية في الحديث عما وصفتها بالأهداف الحقيقية لدعوات مقاطعة البضائع الفرنسية، وعلى رأس تلك الأهداف المزعومة محاولة تركيا صرف الانتباه عن دعوات مقاطعة البضائع التركية التي أطلقها نشطاء محسوبون على النظام السعودي، وحرصت على ترويجها وسائل الإعلام في السعودية والإمارات ومصر.
وشهد الأسبوع الماضي حملة إعلامية مكثفة لحثّ المصريين على مقاطعة البضائع التركية، وتنافس المذيعون في الحديث عن فوائد المقاطعة وتأثيرها على السلطات التركية.
أما على المستوى الشعبي فلم يكن هناك أي تأثير للدعوات السعودية الإماراتية في الشارع المصري، بل على العكس شهدت منصات وسائل التواصل الاجتماعي حملة مضادة لمقاطعة البضائع التركية، وتفاعل معها نشطاء مصريون تحت وسم “#الحملة_الشعبية_لدعم_تركيا”
لكن تجارا مصريين قالوا في وقت سابق لمراسل الجزيرة نت، إنهم يواجهون -حتى قبل حملة المقاطعة- مضايقات إدارية عند الاستيراد من تركيا.
وحاول آخرون تثبيط حماسة المصريين بالحديث عن انعدام جدوى المقاطعة، وأنها لن تؤثر في الاقتصاد الفرنسي القوي، وهو ما رد عليه مغردون بتداول بيان الخارجية الفرنسية الذي يطلب من الدول الإسلامية عدم المقاطعة.
كما حاول بعضهم تفريغ دعوات المقاطعة من مضمونها بالحديث عن ضرورة التفرقة بين المنتجات المصنعة في فرنسا، والمنتجات الفرنسية المصنعة في مصر في مصانع يعمل فيها مصريون.
لكنّ مغردين سخروا من كل تلك المحاولات مؤكدين أن تيار المقاطعة أصبح جارفا، ولا يلتفت لمثل تلك المحاولات.
ويبدو أن الصمت الرسمي زاد من قلق وارتباك الإعلام المصري بشأن أزمة الرسوم المسيئة ودعوات المقاطعة، فعلى الرغم من إدانة 13 دولة عربية وإسلامية خطابات الكراهية والإساءة، فإن القاهرة لم يصدر عنها رد فعل رسمي حتى الآن.
لكن شيخ الأزهر أحمد الطيب واجه الأزمة في بدايتها بتغريدات عدة تندد بالرسوم المسيئة وترد على إساءة الرئيس الفرنسي، وتصاعد رد فعل شيخ الأزهر إلى إقرار إعلان مجلس حكماء المسلمين -أمس الاثنين- عزمه على رفع دعوى قضائية ضد صحيفة “شارلي إيبدو” (Charlie Hebdo) الفرنسية التي نشرت الرسوم المسيئة، وكذلك أيضا ضدّ كل من يسيء للإسلام ورموزه المقدسة.
وقال المجلس الذي يترأسه شيخ الأزهر إنه “يرفض بشدة استخدام لافتة حرية التعبير في الإساءة لنبي الإسلام محمد ومقدسات الدين الإسلامي”.