يسود ارتباك كبير أروقة نظام عبد الفتاح السيسي، على وقع أزمة واضحة بسبب انتقال غضب الإدارة الأميركية من حالة التلويح، إلى التصريح بفرض نوع من العقوبات على مصر.
وفي خطوة روسية تتزامن مع زيادة التوتر بين الولايات المتحدة ومصر، بسبب إصرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على استيراد الأسلحة من روسيا رغم التهديدات الأميركية الأخيرة بشأن خطة شراء طائرات “سوخوي-35″، المزمع وصولها بين عامي 2021 و2022، أعلنت وكالة “تاس” الرسمية الروسية أن مصر تسلمت من روسيا، حتى الآن، 40 مروحية هجومية من طراز “كا-52” (التمساح) في صفقة تحتوي على 46 مروحية من هذا النوع.
وذكر التقرير أنه في عام 2014 توصلت روسيا ومصر إلى اتفاقات حول التعاون العسكري التقني بحوالي 3.5 مليارات دولار، وشملت الاتفاقات عمليات تسليم القاهرة 46 مقاتلة من طراز “ميغ-29” حتى عام 2020، و46 طائرة هليكوبتر استطلاع وهجوم من طراز “Ka-52” (التمساح)، وتسلمت مصر حاليًا 40 مروحية.
وأضافت الوكالة الروسية أنه، في مايو 2017، فازت روسيا بمناقصة لتزويد مصر بطائرات هليكوبتر من طراز “Ka-52K Katran” لوضعها على متن حاملة المروحيات من طراز ميسترال التي حصلت عليها مصر من فرنسا عام 2015.
وتراهن دائرة ضيقة مقربة من السيسي، على إمكانية تجاوز الأزمة، بتغاضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تدخّل خشن يلجم الإدارة المصرية عن المضي قدمًا في إتمام الصفقة، وذلك عن طريق الاكتفاء بحد أدنى من العقوبات، أو الحصول على امتيازات جديدة من السيسي في عدد من ملفات التسليح، وقضايا سياسية أخرى تتعلق بموقف أكثر وضوحًا، وتماهيًا مع سياسة ترامب تجاه إيران، وكذلك استعادة الحماسة المصرية فيما يسمى “صفقة القرن” (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) والموقف الأميركي الخاص بإعلان “شرعية” المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وتتصور هذه الدائرة، بأن الغضب الأميركي ربما ينحصر في الأساس في دوائر وزارة الدفاع الأميركية، لا سيّما أن البنتاغون ربما هو الذي يتعمّد الضغط على مصر، وفي التوقيت نفسه إحراج ترامب، بتعمّد تسريب ذلك إلى الإعلام الأميركي، لاعتبارات تتعلق بحساسية ملف صفقات الأسلحة له.
على الجانب الآخر، فإن دوائر استخباراتية حذرت من أن خروج الانتقادات الأميركية إلى العلن عبر وسائل الإعلام، أدى بالفعل إلى الضغط على الإدارة الأميركية، ودفعها إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا مع الإدارة المصرية، مشيرة إلى أن الإشارات والتنبيهات والرسائل التي كانت توجّهها الولايات المتحدة، عبر رسائل دبلوماسية، وبطريقة هادئة، كانت تبدو أقرب للنصيحة، وربما تم تفسيرها بطريقة خاطئة من الإدارة المصرية، مما ينذر بأن الأزمة الحالية قد لا تكون مثل سابقاتها من أزمات مرت على العلاقة الاستراتيجية بين النظامين الأميركي والمصري، والتي اكتسبت صلابة منذ وصول ترامب إلى الحكم.
وأكد مصدر دبلوماسي مصري أن القاهرة تلقت تحذيرًا أميركيًا من إتمام صفقة شراء طائرات “سوخوي 35” من روسيا. وقال المصدر، إن الإدارة الأميركية أبلغت مصر أنها لن تتهاون في هذه المسألة، وأشارت إلى أنها تغاضت في السابق عن واقعة محاولة مصر الحصول على أسلحة من كوريا الشمالية التي تعتبر الولايات المتحدة أنها تشكل خطرًا عليها.
وكانت وكالات استخبارات أميركية، قد كشفت عن تهريب شحنة أسلحة من كوريا الشمالية إلى مصر في تحدٍ للعقوبات الدولية، كان قد تم العثور عليها مخبأة بداخل حاوية كورية شمالية في 2016.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الشهر الماضي عن وثائق جديدة تكشف أيضًا ما يبدو أنه اعتراف واضح بدور الجيش المصري في اقتناء 30 ألف قذيفة صاروخية من كوريا الشمالية كانت في حاوية على سفينة متجهة إلى ميناء في قناة السويس لحظة الكشف عن محتواها، والتي اعتبرها تقرير للأمم المتحدة “أكبر عملية حجز ذخيرة في تاريخ العقوبات” ضد بيونغ يانغ.
وأكد المصدر أن الإدارة الأميركية هددت مصر بتعليق جزء من المعونات التي تتلقاها القاهرة من واشنطن والتي تحصل عليها الأولى بموجب المذكرة التي تم توقيعها بين البلدين عام 1980، والتي بموجبها تتلقى مصر المعونة العسكرية والاقتصادية طالما حافظت واستمرت في تنفيذ بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقّعة في مارس 1979.
وخلال العقود الأخيرة، قدّمت الولايات المتحدة لمصر ما قيمته مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية، بما في ذلك إمدادها بمقاتلات “إف 16″، والمروحيات الهجومية، وتجهيزات عسكرية أخرى.
وأضاف المصدر أن الولايات المتحدة هددت أيضًا بتطبيق قانون “مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات” والذي استخدمته لفرض عقوبات على تركيا بسبب شراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية “إس 400”.
وكان مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، قد قال أمس الأول الإثنين، إن شراء مصر طائرات مقاتلة روسية، يعرّضها لخطر العقوبات الأميركية كما يهدد مشترياتها من العتاد الأميركي في المستقبل. وأضاف مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية، آر. كلارك كوبر، أن مصر على دراية بتلك المخاطر.
وكانت صحيفة “كوميرسانت” الروسية، قد كشفت في وقت سابق، عن صفقة أسلحة جديدة بين موسكو والقاهرة، لكن لم تُؤكد رسميًا، تقوم بموجبها روسيا بتزويد مصر بعشرات المقاتلات الثقيلة متعددة الأغراض من طراز “سوخوي 35”.
وأوضحت الصحيفة، أنّ العقد الذي يقضي بتوريد أكثر من 20 مقاتلة وعتاد عسكري بقيمة حوالي ملياري دولار، دخل حيز التنفيذ في نهاية عام 2018، على أن تبدأ الإمدادات في عام 2020 أو 2021، لتكون من أضخم صفقات التسليح التي يجريها السيسي. وترفض الولايات المتحدة من حيث المبدأ، شراء دول كمصر وتركيا والهند، أسلحة روسية، وتحديدًا طائرات “سوخوي 35”.
الاعتراضات الأميركية ليست فقط بشأن التنافس مع روسيا في مجال التسليح، ولكن أيضًا بشأن “مدى ملاءمة مدّ يد العون لدولة تشتري أسلحة من منافس الولايات المتحدة، بأسعار تزيد بكثير على الأسعار التفضيلية التي كانت تحصل مصر بها على الأسلحة من واشنطن”، إلى جانب قضية توغّل الجيش الواسع في الحياة الاقتصادية، تعرّض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لضغوط متزايدة داخل الكونغرس.