د. محمد عياش الكبيسي يكتب: العراق وإرهاصات المرحلة القادمة

في واحدة من التسريبات التي يمكن الوثوق بمصدرها، والتي أكدتها الأحداث الأخيرة، أن هنالك سلسلة من اللقاءات بعناوين مختلفة قد عقدت بين قادة عراقيين وآخرين أمريكيين وأوروبيين، تناولت بالاهتمام والنقاش أوجه المعضلة في الحالة العراقية – كما يراها الطرف العراقي المشارك- ومنها:

أولا: حالة الفوضى العامة التي أصبحت محضنا خصبا لكل أنواع التطرف والتوحش والإرهاب سواء جاء بثوب السنّة أو بثوب الشيعة، وأن الحلول العسكرية والأمنية لا تكفي، فهي تعالج عرض المرض ولا تعالج المرض نفسه، وحالة الإحباط اليائس والبائس التي يعيشها الإنسان العراقي في ظل هذه الفوضى تؤهله للانخراط في أي عمل فوضوي وعبثي حتى لو أدى به ذلك إلى الانتحار.

ثانيا: النظام السياسي القائم الذي بات قادرا على إنتاج نفسه في كل دورة انتخابية قد أصبح ركنا ركينا في المعضلة، ولم يعد موثوقا به لتقديم أي حل ممكن، وبالتالي فلا بد من العمل على تهيئة مرحلة انتقالية يقودها تكنوقراط ينتمون للمهنة أكثر من انتمائهم لأحزابهم وطوائفهم تمهيدا لتأسيس نظام جديد بمنطلقات جديدة ووجوه جديدة.

ثالثا: تكوين الجيش والمؤسسات الأمنية على أساس طائفي صارخ قد أضعف الدور الوطني لهذا الجيش ولهذه المؤسسات، ما جعلها تنهار في أول اختبار، ثم كان الخطأ الثاني بتشكيل (حشد شيعي) بفتوى من مرجع شيعي، والذي أثبت هو الآخر فشل هذه التجربة وإضافة مشكلة جديدة إلى قائمة المشاكل المتراكمة.

رابعا: تحويل العراق إلى دولة دينية (ثيوقراطية) تقودها مرجعية دينية قد دمّر التطلّع الطبيعي للناس بقيام دولة ديمقراطية، وشكك في نوايا الأمريكيين وحلفائهم في ذلك، وقد أسهم هذا بالفعل في صعود الخطاب الطائفي، والتسابق في تكوين (المرجعيات) حتى في المجتمعات التي لم تكن تعرف مثل هذا السلوك من قبل.

خامسا: الدور الإيراني الذي تضخّم في ظل الهيمنة الأمريكية، وبات لا يتستر على تدخلاته في كل الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية، في مقابل تغييب كامل للدور العربي حتى تلك الدول المصنّفة على أنها صديقة للغرب! علما أن الأصابع الإيرانية التي تعبث في العراق معروفة بأسمائها وأحجامها وهي ليست بعيدة عن عيون الأمريكان.

قد لا تكون هذه المعلومات جديدة بالنسبة للمراقبين والمتابعين لكن الجديد هو مستوى الاهتمام الذي أبداه الطرف الغربي، وسرعة التحرك بكل الاتجاهات، ما يؤكّد وجود سياسة غربية جديدة تجاه العراق يصعب التكهّن الآن بنتائجها.

لقد بدأ (رئيس الوزراء العراقي حيدر)العبادي الآن يتكلم مثلا عن تغيير وزاري لصالح (وزراء تكنوقراط) في ذات الوقت الذي تعلن فيه المرجعية عن توقفها عن خطبة الجمعة التي كانت تحمل كل أسبوع توجيهات سياسية مباشرة. على صعيد آخر هناك نجاح دبلوماسي كبير للسعودية ورغبة في التدخل العسكري لمواجهة (داعش) إضافة إلى مؤشّرات ميدانية كثيرة ومتتابعة. إنها إذن مرحلة جديدة، ستتغيّر فيها أسماء وأشياء وسياسات وعلاقات، وما يجري في العراق ربما لا يبعد عن الحراك المتسارع الآن في سوريا داخليا وخارجيا.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب :هذا الحراك الجماهيري الشرير

يُطلق الاحتلال على كلِّ من يقاوم أو يدعم المقاومة لقب “المخرّب”، وبالتالي يعطي لنفسه الحقّ …