رضا رشاد المحامي: سر الكلمة

كثير من الأصدقاء والمحبين يتساءلون: ما فائدة الكلام؟! إنه كلام فقط! وإذا كان الأمر غير مجدٍ ولن يتغير شيء فالسكوت أفضل. وإذا كانت خسارة الكلام فادحة بالمقارنة بالسكوت، أليس من الحكمة السكوت؟ وماذا يضير المجرم أو الظالم من الكلمة؟ وما عساها أن تفعل الكلمة أمام السلاح والدبابات؟!

ولكن غاب عن الأحبة أن للكلمة سراً وسحراً. ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم‏‏: «‏إن من البيان لسحرًا»؟! ‏‏رواه الإمام البخاري في ‏”‏صحيحه‏”‏ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.‏

والكلمة سر من أسرار الحياة. فالقرآن بدأ بكلمة وهي كلمة “اقرأ”. وأذكر أن الدكتور زكي نجيب محمود – مع تحفظنا على وجهة نظره الفلسفية في أمور كثير، وهو من كان على نهجه حسن حنفي ومراد وهبه وغيرهما – ولكن وكما قال صلى الله عليه وسلم “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها”. أقول: من هذا نستشهد بما ذكره في مقال له في الأهرام في مطلع التسعينيات، قال: “إن القرآن بدأ بكلمة واحدة وهي كلمة “اقرأ” وفي كلمة “اقرأ”  – وهي فعل أمر – سر عجيب؛ لأنك لو رجعت بكلمة “اقرأ”  إلى ماضيها – حتى تعلم مصدرها وأصلها وفلسفتها – لوجدت أن فعل “قرأ” ثلاثة أحرف. ولو حاولت تبديل أماكن الحروف صنعت لك ثلاث كلمات بثلاثة أفعال “أرق وقرأ وأقر”، فإذا جاء حرف الألف أولاً ثم الراء ثم القاف كانت الكلمة الأولى أرق وهى حالة تصيب الإنسان إذا شغلته فكرة أو أصابه هم لأمر ضاع منه ومشغول بالبحث عنه .

   

وإذا كانت القاف أولاً ثم الراء ثم الهمزة كانت قرأ، فإذا وضع المهموم همه في القراءة والمعرفة خرج من حالة الهم والأرق وتحصّل على أسرع مفتاح لمعضلته، ووصل أسرع من غيره إلى الفكرة التي كان يبحث عنها، وزال الهم الذي كان سبباً في الأرق، وهدأت سريرته لأنه علم أين هو وماذا عليه أن يفعل.

   

وإذا كانت الألف أولاً ثم القاف ثم الراء كانت الكلمة “أقر”؛ أي أنه بعد أن كان في حالة من الأرق بسبب الهم والبحث عن فكرة وجد هذه الفكرة في القراءة والمعرفة فوصل إلى قرار”.انتهي. سبحان الله! فكر عميق جدير بالاحترام اتفقت معه أو اختلفت.

الكلمة غيرت العالم

فلا تستهن أخي بالكلمة. فمن كان يظن أن الكون كله سيتغير بعد

حالة الجمود والهم والأرق التي أصابته قبل أن ينزل القرآن بكلمة “اقرأ”؟!

قد تقول إن الكلمة وحدها لاتكفي مع الظلم والظالمين، ولكن لابد معها من عمل. وأنا أتفق معك في هذا, ولكنك قلت معها أي أنه لابد من الكلمة أولاً التي تنير لك الطريق .

فالكلمة قد تفتح به قلوبا غلفاً وآذانا صماً وأعيناً عمياً, فعيسى نبي الله كلمة، والإيمان كلمة, والكفر كلمة, والزواج كلمة والطلاق كلمة, والعتق كلمة, والحق كلمة والباطل كلمة، والنور كلمة والظلام كلمة.

والكلمة تجرح والكلمة تداوي! الكلمة ترفع المعنويات ومنها التي تحبط.

الكلمة جعلها الله سببا لدخول الجنة أو سببا لدخول النار. قال الله تعالى في سورة إبراهيم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾. [ سورة إبراهيم الآيات:24-27]

 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة”(أخرجه مسلم وابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة).

  وقال عليه السلام: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة – من رضوان الله تعالى – يرقى بها إلى أعلى عليين, وإن الرجل ليتكلم بالكلمة – من سخط الله تعالى – يهوي بها إلى أسفل سافلين).

عدّ كلامك من عملك

    ويقول د.محمد راتب النابلسي إنه ورد في الأثر: “البطولة أن تعد كلامك من عملك, فالكلمة الطيبة صدقة, والكلمة الخبيثة يهوي بها الإنسان إلى أسفل سافلين.

  بطولة الإنسان أن يعد كلامه من عمله. أحياناً الإنسان يدخل إلى بيت صغير جداً, يتكلم كلاماً فيه ازدراء لهذا البيت, تكون الزوجة على وفاق مع زوجها, وهناك مودة, ووئام, و محبة, هذا التعليق على هذا البيت الصغير أزعج الزوجة, فلما جاء زوجها, تجهمت في وجهه, وانقلب هذا البيت من بيت فيه سعادة إلى بيت فيه خصام, بسبب كلمة تكلمها.

  مجالس الذكر أعلى المجالس قدرًا عند الله، وأجلها مكانة عنده.

الكلمة الطيبة صدقة, ترقى بها إلى أعلى عليين, والكلمة الخبيثة إساءة كبيرة جداً, يهوي بها إلى أسفل سافلين: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة – من سخط الله تعالى – يهوي بها إلى أسفل سافلين”!

ويصور الشاعر هاني سرور سر الكلمة، قائلاً:

لا يعلو شيء فوق الكلمة

كانت منذ كان الانسان

كانت أول. .كانت أعظم ثورة!

كانت تعلو منذ البدء على الأسوار

تسخر من كل الحراس

تخرج مثل شعاع الفجر وهم نوام

…..

وبعد! هل للكلمة أن تُشنق!

هل للكلمة أن تُسرق!

الكلمة تصرخ..تصرخ.. وتمرق!

ماتت واحدة .. وتكاثرت أخرى..

كلمات خلف كلمات.. هل للكلمة أن تشنق!

هل للكلمة أن تسرق!!

ماتت كلمة عاشت كلمة.

للكلمة سر عجيب

صديقي.. للكلمة سر عجيب لأنه بحضور الكلمه وأصحابها يرتفع الوعي لدى الشعوب وترتفع معه دولها. وبغياب الكلمة وغياب أصحابها تغيب الشعوب في سرداب التاريخ. أسالك: لو لم تكن الكلمة قوية. لو لم تكن الكلمة مرعبة ومخيفة للمجرمين والظالمين والطغاة ومؤيديهم، فلماذا كان صناديد قريش يحولون بينها وبين الناس بالتصفيق تارة والتحليق تارة والتشويش عليها؟! ألم تقرأ قوله تعالى في سورة (الأنعام) (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (26)؟

 لو كانت الكلمة ضعيفة ولا تأثير لها  كما تظن لما صنعوا بين صاحبها وبين الناس حاجزا وهو محبوس في قفصه! ودعني أقل لك إن الكلمة لو كانت بإخلاص وصدق من الممكن أن تنزل بك منازل الشهداء بل منازل سيد الشهداء، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله”. رواه الحاكم – وصححه – والخطيب، وصححه الألباني.

جعلنا الله واياكم من الذين يستمعون (أو يقولون أو يكتبون) القول (الكلم ) فيتبعون أحسنه.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …