عـادل أبو هـاشـم

عـادل أبو هاشـم يكتب: اغـتـيال ” الـنايـف ” .. سـفـراء وعـمــلاء   

ألم يحن الوقت الذي يتوجب فيه على كل فلسطيني فضح وتعرية كل البؤر والمستنقعات التي يعشعـش فيها كل من ارتكب جريمة خيانة فلسطين وبيعها في سوق النخاسة؟

ليس من الدقة ولا الصدق أن نستمر في التركيز على العدو الإسرائيلي – بالرغم من دوره الأساسي في الكوارث والمصائب التي حلت بشعبنا – دون أن نلتفت إلى داخل بيتنا ومجتمعنا لنطهره من الطحالب الفاسدة والعفن، والتائهين والضائعين بين العجز والانحراف، والسرطان الذي ينمو وتزداد أورامه في أحشاء الأمة.

حين قال القائد الشهيد صلاح خلف ” أبو إياد ” مقولته الشهيرة ( أخشى أن تصبح الخيانة وجهة نظر ) فقد قالها على قاعدة أنها ضرب من المستحيل, ولم يخطر بباله أن يتحقق ما كان يخشاه، بل تجاوز الأمر ذلك لتصبح الخيانة في زمن أوسلو آيديولوجيا, لا وجهة نظر.

آيديولوجيا يفاخر على مرأى ومسمع من الجميع أبناء ” خطيئة أوسلو “.

نذكر ما سبق ونحن نتأمل التراجيديا الفلسطينية المعمدة بالدم الطاهر والممتدة على مدار أكثر من قرن من الزمان.

 فمن موكب جنائزي إلى آخر، ومن شهيد يرتقي إلى آخر يسابقه، وكأنهم جميعـًا في سباق أسطوري يفيض برائحة القـدس وعبق يافـا واللـد والرملة وحـيفـا.

ففي الطريق إلى ما تبقى من أرض الوطن، وفي مرثية جديدة على صفحة الحزن اليومي الفلسطيني ترجل القائد المناضل عمر نايف زايد النايف, في جريمة صهيونية جديدة قال عنها إسماعيل هنية  نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية  “حماس ” إنها من أعظم الخزايا.

 فمنذ ورود الأنباء عن اغتيال عمر النايف في السفارة الفلسطينية بالعاصمة البلغارية ” صوفيا ” وجد الفلسطينيون أنفسهم  أمام ثمرة جديدة للتنسيق الأمني ” المقدس ”  بين سلطة رام الله و العدو الإسرائيلي  طالما شاهدوها ولمسوها مئات المرات منذ   إتفاق أوسلو المشؤوم.

لقد ذاق الفلسطينيون مرارة التنسيق الأمني بدءاً من مؤامرة تسليم مجاهدي خلية صوريف المنتمين لحماس عام 1997م للإسرائيليين، والتي كانت المؤشر على طبيعة المؤامرة التي نُفذت لاحقـًا وهي تصفية قائد كتائب عز الدين القسام محيي الدين الشريف في مارس 1998م ثم تصفية الشقيقين عماد وعادل عوض الله في سبتمبر من العام نفسه, مرورا  باغتيال القادة المجاهدين يوسف السركجي قائد كتائب القسام في الضفة الغربية، ورفاقه نسيم أبو الروس، وجاسر سمارو وكريم مفارجة في يناير 2002 م  في مدينة نابلس، واستسلام مقر الأمن الوقائي في بيتونيا في أوائل ابريل 2002 م ، وتسليم 23 مناضلا من نشطاء المقاومة المعتقلين في المقر لقوات الإحتلال.

واستباح بعض قادة أجهزة أمن السلطة الدم الفلسطيني خدمة للعدو الصهيوني، فلم تترك تلك الأجهزة حراماً إلا فعلته؛ فنسقت مع العدو لاعتقال  القائد مروان البرغوثي والقائد أحمد سعدات، واعتقلت الآلاف من عناصر حماس والجهاد منذ مجيئ السلطة الفلسطينية في يوليو 1994 م ، ومورس ضدهم أبشع أنواع التعذيب،  ومنهم من استشهد داخل المعتقلات، ومنهم من تم اغتياله خارج السجون ( محمد رداد ومجد البرغوثي وعبد المجيد دودين ومحمد ياسين ومحمد السمان و غيرهم ) حتى جاءت ” إنتفاضة السكاكين ” في بداية أكتوبر 2015م ، وكان اقتحام قوة من المستعربين الصهاينة للمستشفى الأهلي بالخليل في 12 / 11 / 2015 م  واغتيال الشاب عبد الله عزام الشلالدة واختطاف ابن عمه الجريح عزام عزات الشلالدة قمة التنسيق الأمني، فقد اختفى حراس المستشفي فور وصول وحدة المستعربين!

ووصل الأمر برئيس السلطة أن يفاخر بأنه صاحب فكرة إغراق حدود رفح بمياه البحر، وليقر بتواطئه مع السلطات المصرية بإغراق الحدود بين فلسطين ومصر بمياه البحر للقضاء على الأنفاق! الأمر الذي شجع  رئيس جهاز المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية اللواء ماجد فرج ” جنرال التنسيق الأمني ”  على الاعتراف لصحيفة “ديفنس نيوز” الأمريكية بأن قواته نجحت منذ بداية ” انتفاضة السكاكين ” في إحباط أكثر من 200 عملية ضدّ الاحتلال، واعتقال 100 ناشط  فلسطيني وداهمت عشرات المنازل وصادرت كميات كبيرة من الأسلحة خلال ثلاثة شهور!

لقد بدأت قضية الشهيد عمر النايف القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين  عندما سلمت النيابة العسكرية الاسرائيلية بتاريخ 15/12/2015 م رسالة إلى وزارة العدل البلغارية بواسطة السفارة البلغارية في اسرائيل تطالب فيها بتسيلم الشاب الفلسطيني المقيم في بلغاريا عمر نايف حسن زايد النايف إلى اسرائيل باعتباره هاربًا من العدالة ومحكومًا بالسجن المؤبد، وعلى الفور طالبت النيابة البلغارية بوضع عمر بالحجز لمدة 72 ساعة لحين اتخاذ القرار بالمحكمة السريعة لتقرير الاستجابة للطلب أم رفضه. ولكن عمر لم يسلم نفسه، ولجأ إلى مقر السفارة الفلسطينية باعتبارها الموقع الطبيعي والوحيد الذي يمكن أن يوفر له ولكل فلسطيني وفلسطينية الحماية القانونية والسياسية.

وكان عمر النايف ( من جنين) هو وشقيقه حمزة ورفيقهم الثالث سامر المحروم قد قاموا بتاريخ 15/12/1986 م بقتل مستوطن طعنا بالسكاكين في حارة السعدية في القدس المحتلة، وتم اعتقالهم بعد العملية مباشرة، والحكم على ثلاثتهم بشكل سريع بالسجن مدى الحياة.

حمزة أفرج عنه  يوم 18 / 10 / 2011 م في صفقة ” وفاء الأحرار” بين حماس والحكومة الأسرائيلية والتي تم بموجبها الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً من سجون العدو مقابل الإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير  جلعاد شاليط ، وأبعد إلى غزة، ويقيم حاليا في عمان، أما سامر فقد أفرج عنه أيضا ضمن الصفقة ثم أعيد اعتقاله لاحقا .

بعد أربع سنوات في السجن خاض عمر إضرابا مفتوحا عن الطعام ونقل بتاريخ 12/5/1990 م إلى مستشفى في بيت لحم، وتمكن من الهرب من المستشفى الذي كان يخضع لحراسة من قوات الاحتلال وتخفى داخل الأراضي الفلسطينية إلى أن تمكن من مغادرتها، وعاش متنقلاً بين عدد من الدول العربية حتى عام 1994 م، ثم سافر إلى بلغاريا وحصل على إقامة فيها، وتزوج من فلسطينية وأنجب ثلاثة أبناء يحملون الجنسية البلغارية.

وقد حمّلت عائلة الشهيد عمر النايف السلطة الفلسطينية المسؤولية عن حادث اغتيال نجلها في مقر سفارة فلسطين في بلغاريا  .

وقال حمزة شقيق الشهيد:  ” السفير الفلسطيني أحمد المذبوح شريك في اغتيال أخي عمر. السفارة الفلسطينية ومنذ اليوم الأول للجوء عمر إليها وهي تضيق عليه الخناق، وحاولوا إخراجه من السفارة , وكانت تطلب منه مغادرة السفارة, والطاقم الأمني لم يشكل له حماية بالمطلق “.

ويوضح أن السفير الفلسطيني في بلغاريا كان يقول لشقيقه حرفياً: “سوف يضعون لك السُم في الطعام ويقتلونك, والطيارة تنتظرك لتعيدك إلى اسرائيل”!

وأكد حمزة أن عمر تعرّض لضغوط كبيرة من السفارة الفلسطينية في بلغاريا لإخراجه منها، وتعرّض للضغط النفسي والمعنوي حيث كان يتم احتجازه في سرداب، ويُمنع من مقابلة عائلته، بعدما كان يسمح لزوجته بزيارته مرتين أسبوعياً فقط ولفترات قصيرة، بالإضافة إلى الضغط عليه للخروج من السفارة وتحمّل المسؤولية بمفرده”, ويضيف:  ” شقيقي كان يتعرض لتهديدات مباشرة وغير مباشرة من قبل بعض أفراد السفارة وخاصة السفير حيث كانوا يطالبوه بالخروج من السفارة التي احتمى بها بعد تهديده من قبل الموساد الاسرائيلي بالاعتقال”.

ويتساءل الشعب الفلسطيني الذي عاش لسنوات طويلة من الضياع السياسي والاقتصادي وفقدان الثقة بالقيادة:

هل وصل التنسيق الأمني مع العدو إلى سفاراتنا في الخارج لملاحقة وقتل المجاهدين؟ وهل أصبحت السفارات الفلسطينية خنجرًا مسمومـًا في ظهر القضية؟

  وللتاريخ فإنه لم تسيء للقضية الفلسطينية حالة شائكة  ــ  بعد العملاء ــ كما أساءت “بعض” السفارات والممثليات الفلسطينية للقضية .!

فقد عانى الفلسطينيون  في الشتات من حجم الفساد الذي ينخر في السلك الدبلوماسي الفلسطيني، ووضع بعض المنافقين والانتهازيين والأفاقين و “كذابين الزفة ” ، والذين لا يملكون أي تاريخ نضالي أو سياسي في مناصب سفراء وممثلين لدولة فلسطين والسلطة الفلسطينية، حولوا السفارات إلى دكاكين سياسية،  وما يصاحبه من عفن ومرض أدى بها إلى أن تكون عبئـًا ثقيلا على جالياتـنا، ومسيئة لسمعتـنا، وسببـًا لتـنفير الناس من قضيتـنا العادلة، وسببـًا في السخرية من كياناتـنا السياسية، وزعاماتـنا التاريخية.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب :هذا الحراك الجماهيري الشرير

يُطلق الاحتلال على كلِّ من يقاوم أو يدعم المقاومة لقب “المخرّب”، وبالتالي يعطي لنفسه الحقّ …