أخبار عاجلة

مصطفى عبد السلام يكتب : عن تراجع الدولار والأسعار… ‎”المية تكدب الغطاس”

قيل في الأمثال الشعبية إن ‎”المية تكدب الغطاس”، والذي يعني ببساطة أن مياه البحر أو النهر، أو حتى الترعة في المناطق الريفية والشعبية، تكذب مدعي احتراف الغطس والسباحين الوهميين وأصحاب الثلاث ورقات الذين يحاولون تصدير صورة وهمية ومعلومات غير حقيقية إلى من حولهم بادعاء المهارة الشديدة في السباحة، والقدرة على الفوز بمسابقات عالمية، والقدرة كذلك على السيطرة داخل حمامات السباحة، رغم أنه قد يغرق في شبر مياه إذا ما تعرض لاختبار حقيقي.

هذا المثل ينطبق أيضا على الأسواق، سواء أسواق السلع والعملات والصرف والذهب والمعادن النفيسة والنفط والغاز والطاقة والخدمات أو غيرها من السلع المتداولة في أسواق التجزئة والجملة والمحال التجارية والمولات وغيرها.

فإذا قال لك أحد إن أسعار السلع الرئيسية، سواء كانت غذائية أو أجهزة منزلية أو أدوات كهربائية أو مواد بناء وتشييد وغيرها، قد تراجعت بشدة في الأسواق، فلا تصدق إلّا إذا لمست ذلك بنفسك وذهبت إلى السوق مشترياً أو بائعاً ومعايناً للسلعة.

هنا يجب ألا تعتمد في المعلومات المتعلقة بالأسواق على السمع، أو على ما تبثه وسائل إعلام حكومية أو خاصة ليل نهار عن حدوث تهاو في الأسعار حتى لو كثف الغطاس، سواء حكومة أو مؤسسات رسمية أو تجار، الحملات الإعلامية والدعائية التي تسعى لإقناعك أنه أفضل سباح في العالم، وأنّ لديه القدرة على التحكم في الأسواق وإدارتها، وتوفير السلع والخدمات ومنها الكهرباء والمياه والوقود بسعر مناسب، وكبح مطامع وجشع التجار وجرائم المحتكرين وناهبي مال المستهلك.

ولأن الشخص العاقل لا يلدغ من جحر مرتين، فلا يجب أن تصدق بداية أي شخص أو مؤسسة خدعتك من قبل وزعمت في أوقات سابقة أن سعر سلعة ما سيتهاوى في الفترة المقبلة، وأن السلعة ستكون “مرطرطة” في الأسواق ولا تجد من يشتريها.

وتثبت الأيام بعدها أن هذا الشخص أو المؤسسة ومن يقف خلفهما كانوا يتلاعبون بالجميع عبر نشر أخبار وبيانات وتوقعات كاذبة وغير دقيقة، وأنهم باتوا فاقدي الأهلية وحسن السمعة بخاصة إذا كان منتميا إلى مهنة الصحافة وقطاع الإعلام.

أمر آخر يجب الالتفات إليه في الحكم على الأسعار الحقيقة للسلع في الأسواق، وهو مبدأ الاتاحة والوفرة، بمعنى أن السلعة قد تتراجع أسعارها لأسباب عدة، منها غلاء سعرها، وبالتالي ضعف الإقبال عليها.

لكن السؤال الأهم هنا هو: هل السلعة متاحة للمستهلك داخل منافذ البيع المختلفة، سواء كانت بنكاً، شركة صرافة، محلاً تجارياً أو حتى لدى الباعة الجائلين في الشارع؟ هل يمكن التعامل بها بيعاً وشراء بسهولة وبنفس الأسعار المعلنة؟

لأن العبرة في النهاية بإتاحة السلعة في الأسواق، وليس بالحديث عن تراجع في السعر، هذا ينطبق على كلّ شيء، الطماطم والخيار والفاكهة والسكر والشاي والسجائر والملابس، وينطبق أيضاً على الدولار واليورو والريال السعودي.

أكبر دليل على ذلك الحملة الدعائية المكثفة الحالية التي تتوقع تراجع سعر الدولار في مصر إلى 40 جنيهاً مقابل أكثر من 48 جنيهاً حالياً، فليقل أصحاب تلك الحملة للجمهور المستهدف، ما الأسباب التي بنوا عليها تلك التوقعات.

وحتى في حال تراجع سعر الدولار إلى الرقم الذي يستهدفه أصحاب الحملة السريين، فهل ستكون العملة الأميركية متاحة في البنوك وشركات الصرافة والمطارات والموانئ وبكم؟، أم أن السعر المستهدف من قبل الحملة يسير في اتجاه، بينما سوق الصرف تسير إلى مكان آخر؟

السباح الماهر والذكي، وهو الحكومة هنا إذا كنا نتحدث عن الأسعار والدولار، هو من يقول الحقيقة، من يؤمن بالشفافية والإفصاح وحرية الرأي وتداول المعلومات، يبتعد عن المبالغة وحملات الدعاية المضللة والتدليس والخداع.

يعتبر أن الموطن شريك في حماية اقتصاد الوطن، وتحصين الأسواق من الاحتكار والعبث والفساد، وليس عدواً كل همه هو نهب المال العام، ذلك السباح هو من يكافح الفساد والممارسات الضارة بالأسواق ولا يعمقها.

شاهد أيضاً

د. عزالدين الكومي يكتب : فرقٌ كبير بين جامعة “أبو الغيط” وجامعة “كولومبيا”

وُلِدتْ جامعة الدول العربية ميتة،بل ماتت قبل أن تولد!. فقد  تأسَّست عام 1945 بترتيب من …