ممدوح بري: فرنسا وثورتها.. ولهيب الديكتاتوريات.. وفقر شعوب المشرق

علينا أن نتحدث قليلاً عن التاريخ، حتى نتمكن من فهم سياسة فرنسا المعاصرة في منطقة المشرق العربي، منذ نجاح الثورة الفرنسية في إنهاء النظام الملكي وتأسيس الجمهورية الأولى، حيث تولى نابليون بونابرت رئاسة مجلس الإدارة الفرنسية 1795م، وقاد فرنسا إلى حروب مجنونة في الشمال الروسي حيث البرد والثلوج، وقتل من جنوده الآلاف ورجع إلى بلاده يجر خلفه ذيول الهزيمة.

خاض هذه الحرب مدفوعاً بروح الثورة الفرنسية حينما اعتقد أن بمقدوره نشر مبادئ الثورة في مجمل أوروبا وروسيا، وعاود محاولته مرة أخرى، ولكن هذه المرة توجه نحو مصر والمشرق العربي، واحتل مصر وهزم المماليك بمنتهى السرعة، ولكنه فشل على أسوار عكا نتيجة أسباب كثيرة من بينها صراعه مع بريطانيا ودعم العثمانيين لواليهم على عكا، ولكنه نجح في تأسيس منهج فكر تعيس في مصر، حينما خلف وراء ظهره نظام محمد علي باشا وأحفاده، وبدأ يحارب الدولة العثمانية بهذا الجسم الجديد، ومنح مصر بعض مظاهر العلم والحضارة بما يساعد بمقدار ما على نشر علمانية الثورة الفرنسية وبالتحديد فكرة حربها مع الدين، معتقداً بأن مناخات الدين في الشرق هي نفس مناخات الدين والكنيسة في عهود الإقطاع في أوربا، وهذه وسيلة روج لها في مصر، بينما في الشام مارس سياسات مختلفة، كالثعلب تماماً.

 

وهنا دعونا نتحدث عن حروب نابليون في بلاد الشام، فقد ورد في المنشور الذي وزعه جيش نابليون بونابرت 1798م على أهالي العريش وغزة ويافا ما نصه: “إننا حضرنا إلى هذا الطرف بقصد طرد عساكر الجزار والمماليك، وإلى أي سبب أرسل الجزار عساكره إلى قلعة العريش، وأما أنتم يا أهالي الأطراف لا نقصد لكم أدنى ضرر”، وبعد ذلك بأسابيع قليلة لم يكتفِ نابليون بتلك الأطراف، بل أتبعها القدس ودمشق وحمص …، وقتل 3,000 أسير في يافا، وحاصر عكا، وأعلن عن أول وعد موجه إلى يهود العالم، سابقًا وعد بلفور الانجليزي بحوالي 120 عام، وهو صاحب النداء الشهير والأول في التاريخ الذي طلب فيه العون من اليهود وعودتهم إلى وطنهم وأرضهم، وبذلك فإن نابليون الفرنسي ليس إلا الشيطان الذي تتلمذ على يديه آرثر جيمس بلفور الإنجليزي.

 

وترى فرنسا نفسها سيدة أوروبا القديمة، ونراها سيدة الحروب الفرنجية (France، Franj، Frankish)، حتى إنها وصفت بها، وهي من قتلت 75,000 مسلم في ساحات المسجد الاقصى عام 1099م.

وهي من وسوست في أُذُن إبراهيم باشا ووالده محمد علي باشا بفكرة احتلال بلاد الشام 1830 – 1841م، بهدف إرهاق وتفكيك الدولة العثمانية، وإشغالها بحروب داخلية، وهي من وسوست في أذن بعض زعماء ساحل الشام، وشجعتهم على التمرد ضد الدولة العثمانية وولاة دمشق وصيدا، ودخلت بينهم تحت ستار التجارة، ونذكر من تلك الزعامات المفتونة بفرنسا ظاهر العمر الزيداني وفخر الدين المعني الثاني. 

أما تاريخها الحديث، فهو حافل أيضًا, كونها أول دولة فتحت أبواب الاستعمار الحديث عند احتلال الجزائر عام 1830م، وارتكبت ما المجازر، وهي سيدة فكرة القومية العربية، وصدرتها على اعتبار كونها جزءً من قيم الثورة الفرنسية، ووسيلة لتحقيق غايتها في نسف قيم المشرق العربي، ودعمت فكرة الجمهوريات وفق تلك الطريقة والمناخات، وهنا علينا أن نتذكر كتابات رواد الثورة الفرنسية عن فكرة الجمهورية، وكيف أسهم نابليون ومجلس الإدارة في تأسيس الجمهورية الأولى في العالم. 

وهي ربيبة إسرائيل الأولى، وسيدة فكرتها الاشتراكية اليسارية الأولى، وعلينا أن نتذكر أن فرنسا منحت الاحتلال الإسرائيلي أول مشروع نووي متمثل بمفاعل (ديمونا) ومنحته تلك التقنيات في وقت مُبكر جداً، وعلينا أن نتذكر أن المعارض الإيراني؛ الخوميني, جاء من باريس على متن طائرة فرنسية ليتولى قيادة الحكم في طهران، ووضع دستورا جديدا يتناغم مع روح الدستور الفرنسي وأسس جمهورية جديدة بمسمى إسلامي فرنساوي.

ودعونا نتذكر أن فرنسا أول دولة اعترفت بانقلاب السيسي في مصر، وهي أول من استقبلته وأول من منحته صقة طائرات – ريفال – بمبلغ خيالي، أرهق لقمة عيش فقراء مصر؛ بهذه الصفقة وغيرها من المشاريع التي قدمها الجنرال السيسي لفرنسا من عرق الفقراء في حين قام بتوسعة ممر قناة السويس ليسهل سير قوافل التجارة الفرنسية.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …