وائل قنديل

وائل قنديل يكتب: سموم سعد الدين إبراهيم

.. ثم إنه أيضاً، وبشكل مفاجئ، هبط على الكوكب سعد الدين إبراهيم، في هيئة حمامة السلام، متحدثاً في كل الفضائيات عن “مبادرة” للمصالحة الوطنية، ونجحت “الشركة الراعية” لحفلات النجم القادم من مؤسسة الانقلاب، في ترتيب لقاءاتٍ بينه وبين “إخوان تركيا”، لا هي رسمية، ولا شخصية، ولا هي متفق عليها مسبقاً، ولا هي عفوية عشوائية، وإنما هي بين هذا وذاك.

تتزامن قفزة سعد الدين إبراهيم على “أرض الشرعية” مع ما فهمه بعضهم على أنها قفزات من “سفينة الانقلاب”، بينما هي في واقع الأمر لا تخرج عن كونها طرقاتٍ على الصاج، أو صيحات إنذار، من أجل إنقاذ القبطان الأعمى، وسفينته التي تتخبط في عرض البحر.

قبل الغوص في وقائع إنزال سعد الدين إبراهيم على سطح المعسكر المعارض للانقلاب، من المهم التذكير بأن الرجل لم يكن رقماً كبيرا في معادلة الانقلاب، ولا يستطيع هو شخصياً أن يدعي ذلك، فلم يُعرف عنه أنه قائد جماهيري، قادر على حشد وتحريك الجموع إلى ميادين الثورة المضادة، كما كان محمد البرادعي وحمدين صباحي ومحمد أبو الغار، على سبيل المثال وليس الحصر.

الوصف الأدق لما تسمى”مبادرة سعد الدين إبراهيم” أنها “مبادرة تجريم الثورة والتوبة عن المعارضة”، حيث يقول فى حواره مع صحيفة “الوطن” السيسية إنه “على الدولة ومؤسساتها، خاصة مجلس النواب، تبنّي مبادرته التي تشمل الإفراج عن كافة قيادات الإخوان، وعلى رأسهم المرشد والرئيس محمد مرسي، وأن تتيح لهم العودة للعمل العام مقابل التوبة والاعتذار للشعب ووقف عمليات العنف”.

 يشرح سعد بالقول “دعوت الإخوان خلال لقاءاتي بهم في تركيا، الأسبوع الماضي، لأن يعلنوا التوبة والاستتابة، ويتقدموا باعتذار للشعب المصري عما بدر منهم خلال السنوات الماضية، وأن يكفوا عن استخدام العنف، وينتهجوا السلمية في أعمالهم، في مقابل أن تعفو السلطات المصرية عن جميع المسجونين الإخوان، بمن فيهم المرشد محمد بديع، وخيرت الشاطر، نائب المرشد، والدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية الأسبق، والدكتور سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة المنحل، وأن تسمح لهم السلطات كذلك بالعودة إلى العمل العام الشرعي مرة أخرى من خلال القنوات الشرعية، ويشمل العمل العام هنا العمل الدعوي والسياسي وجميع الأوجه السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.

جوهر تلك التي تسمى مبادرة أن الرئيس المنتخب الذي أسره وزير دفاعه وحبسه، من أجل الاستيلاء على السلطة، ارتكب جرماً واقترف ذنباً، حين صدّق أن مصر شهدت ثورة، تولدت عنها حالة ديمقراطية عابرة، أتاحت له الوصول إلى السلطة، عبر الانتخابات الديمقراطية الوحيدة التي عرفتها مصر خلال أكثر من ستين عاماً كاملة.. كما أن الذين رفضوا القرصنة الإجرامية على الديمقراطية، وتظاهروا ضدها، أيضا مجرمون ومذنبون، كما أن آلاف البشر الذين دفعوا أرواحهم في ميادين الغضب؛ رابعة العدوية وغيره، هم أيضاً مدانون.. وبناءً على ما تقدم، يتوجب على الرئيس مرسي ومعاونيه, والثائرين من أجل استرداد ثورة مسلوبة, أن يعلنوا توبتهم، ويقبّلوا أيدي وأقدام القتلة والسفاحين والجلادين، لكي يتواضعوا، ويسمحوا لهم بالحق في الحياة والمواطنة والعمل.

هي مبادرة زمن الحق الضائع، والعدل المائع، وتقنين الإجرام الشائع، يطرحها صاحبها، أو الرعاة والمسوقون، باعتبارها طوق النجاة الوحيد من العنف، في حين أنها، في واقع الأمر، مقصلة وقيد غليظ في معصم الثورة، يحولها إلى خادمة مطيعة ذليلة في بلاط سافكي الدماء.

الأسوأ من “الطرح الإبراهيمي” أن يتعاطى معه محسوبون على الحراك الثوري، باعتباره “انقلاباً على الانقلاب”، أو تعبيرا عن ذعر الانقلابيين إلى الحد الذي يعرضون معه المصالحة، من وراء ستار، بينما المردود الوحيد لمثل هذه الفقرات الاستعراضية الصاخبة أنها تهدئ وتخدر وتنوّم، مثلها مثل صرخات الفزع الاصطناعية بين مؤيدي الانقلاب، لحشد الجماهير لمنع سقوط الجنرال.

وبالتالي، على الذين يتيهون على الناس بأنهم حقّقوا اختراقاً في جبهة مؤيدي الانقلاب، بالتعاقد مع سعد الدين إبراهيم، أن يبحثوا عن نكتةٍ أقل سماجة لترديدها.

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …