أشرف البربرى يكتب : شماعة الوزير

إذا لم يكن وقوع 4 حوادث قطارات خطيرة خلال أقل من شهر، سببا كافيا لمساءلة السيد كامل الوزير وزير النقل، سياسيا وبرلمانيا وشعبيا، فإن تصريحاته أمام مجلس النواب يوم الإثنين الماضى تكفى وزيادة.

ولكن لأن المصائب لا تأتى فرادى، فإن النواب الموقرين لم يكتفوا بالصمت على تصريحات الوزير التى أقل ما يمكن أن يقال عنها هى محاولة للتهرب من المسئولية، بل إنهم صفقوا لهذه التصريحات.

فبعد أن أغرق الوزير النواب فى بحر من البيانات والأرقام والكلام الكثير عن الإنجازات والمشروعات والإنفاق والعائد والتطوير والتحديث والتعاقد مع الشركات الأجنبية وتعيين المهندسين الجدد واختبارهم وتأهيلهم ، حمل مسئولية حوادث القطارات التى حصدت فى شهر واحد العشرات، لأطفال صغار «بيفكوا صواميل القضبان ويقذفوا القطارات بالحجارة»؛ ثم تحدث عن الخلايا الإخوانية النائمة فى السكة الحديد، الذين يمارسون التخريب ويحاولون عرقلة مسيرة الإنجاز والتطوير، رغم أن التحقيقات التى أجرتها السلطات المعنية فى الحوادث الأخيرة لم تشر لا إلى وجود عناصر مندسة وراء هذه الحوادث ولا إلى أطفال أشقياء يلعبون فى القضبان، وإنما أشارت إلى تسيب وإهمال وتراخٍ فى صفوف العاملين، وإلى قرار هيئة السكة الحديد وقف تشغيل أنظمة الأمان فى القطارات لأنها تؤدى إلى إبطاء القطار.

المؤكد أن النواب الذين لم يجرأوا على استدعاء وزير شهدت وزارته سلسلة من الحوادث المميتة والناجمة عن أخطاء بشرية، وانتظروا حتى تفضل الرجل وطلب الذهاب إلى البرلمان والحديث إلى نوابه، لن يستطيعوا التعليق ولا الاعتراض على ما يقوله، بل وسيصفقون لما يقوله .
ثم تحدث الوزير عن الاستعانة بدعاة من الأوقاف للمشاركة فى تأهيل وتوعية العاملين فى السكك الحديدية، دون أن يشير إلى الاستعانة بقساوسة من الكنيسة لتوعية وتأهيل الإخوة المسيحيين العاملين فى الهيئة أيضا. ولم يعترض أحد من النواب على هذا الكلام الذى لم يأتِ به أى وزير من السابقين والحاليين. فبدلا من التركيز على التأهيل الفنى والوظيفى للعاملين فى الهيئة والاستعانة بأفضل العناصر الفنية من الجامعات والشركات الأجنبية، يتحدث الوزير عن الاستعانة بالوعاظ والمشايخ.

وعندما تحدث وزير النقل عن مشروع القطار السريع الذى يواجه معارضة واسعة باعتباره ليس من الأولويات، قال إنه عندما وقع حادث جنوح السفينة إيفر جيفن فى قناة السويس وتوقف الملاحة فى القناة لمدة أسبوع تقريبا، «لو عندنا قطار سريع يربط بين السخنة وموانئ البحر المتوسط كنا نزلنا كل بضائع المراكب فى ميناء السخنة على القطار ويتحرك لإسكندرية ودمياط فى 3 أو 4 ساعات».
الغريب أن هذا الكلام لم يستوقف أحد من النواب لكى يوضح للسيد الوزير أن السفينة إيفر جيفن وحدها كانت تحمل أكثر من 20 ألف حاوية، فى حين أن نقل 120 حاوية من ميناء الدخيلة فى الإسكندرية إلى العين السخنة يوم 6 نوفمبر 2020 احتاج إلى 3 قطارات. معنى هذا أنه لا يمكن أبدا الحديث عن أى قطارات كبديل ولا حتى بديل مؤقت لقناة السويس، لأن نقل حمولة سفينة عملاقة واحدة مثل إيفر جيفن يحتاج إلى 2000 قطار إذا افترضنا أن القطار يمكن أن يحمل 100 حاوية.

أخيرا، نقول إن البحث عن شماعات للتهرب من المسئولية عن أى حوادث أو أخطاء، لا يمكن أن يكون أساسا جيدا لتحقيق أى تقدم حقيقى أو لمنع تكرار مثل هذه الحوادث أيا كان المسئول عنها.

(نقلا عن جريدة الشروق)

شاهد أيضاً

وائل قنديل يكتب : عبّاس وغانتس: إجماع فاسد أم انقسام حميد؟

لا ينتعش محمود عبّاس، وتدبّ فيه الحياة والقدرة على استئناف نشاطه في “مقاومة المقاومة” إلا …