تضاعف أسعار العمرة بمصر بسبب تنافس السيسي والسعودية على أرباحها

“المعتمر بدون باركود لا عمرة له”.. هذه ليست فتوى دينية، ولكنها تعليمات من النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، لضمان حصول السلطة وسماسرة العمرة على “إتاوة” جديدة من المعتمرين المصريين.

خلف هذه الفتوى السياسية يكمن خلاف وصراع عميق بين مصر والسعودية بشأن المعتمرين، يدور حول رغبة كل طرف في الانفراد بالمكاسب المالية من وراء اعتمار آلاف المصريين، ما أدى لتقلص عددهم وارتفاع تكلفة العمرة في العام 2022، بحسب موقع “الاستقلال”.

القصة بدأت حين قرر مجلس الوزراء المصري في 18 سبتمبر/أيلول 2020، وضمن سياسة فرض إتاوات على المصريين لتوفير أموال للسلطة، سن قانون لبوابة إلكترونية لرحلات العمرة، وبدء العمل بالقانون في 20 يونيو/حزيران 2021.

ترتب على العمل بهذا النظام ارتفاع هائل في أسعار العمرة من 10 و15 ألف جنيه، حتى وصلت تكاليفها للفرد في رمضان 2022 من 40 إلى 100 ألف جنيه (1 دولار = 18,50 جنيه).

عقب القرار المصري بعشرة أيام أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية تخصيص تطبيق “اعتمرنا” الإلكتروني لاستخراج تصريح أداء العمرة وزيارة المسجد النبوي، وحددت بداية العمل به من 4 أكتوبر/تشرين أول 2020.

إتاوات باهظة

البرنامج السعودي يسمح بتحميل برامج العمرة مباشرة من أي دولة في العالم من دون وسطاء، وتنظيمها مع وكيل سعودي مباشرة.

وهو ما يلغي بالتالي الإتاوات التي فرضتها مصر على المعتمرين لصالح الحكومة وشركات السياحة وجهات أخرى.

لم تظهر المشكلات والتضارب بين قرارات القاهرة والرياض إلا حين بدء موسم العمرة في شهر رجب وشعبان ورمضان، وبعد انتهاء قيود فيروس كورونا، حين بدأ المصريون يتجاهلون البوابة المصرية ويلجؤون مباشرة لتطبيقات العمرة السعودية.

تنبهت السلطات المصرية لخسارتها المالية، فأصدرت تعليمات للمطارات بمنع سفر من حصل على تأشيرة عمرة عبر البوابة السعودية، ولم يشترك في بوابة وزارة السياحة المصرية للحصول على الباركود، وأعيد معتمرون من مطار القاهرة لمنازلهم.

تعتمد غالبية شركات السياحة المصرية على نصيبها من تأشيرات العمرة والحج السنوية لتحقيق أرباح خصوصا في السنوات الأخيرة وسط تراجع حركة السياحة الوافدة إلى مصر.

مع هذا فرضت السلطات المصرية عليها “إتاوة” في صورة ضرورة الاشتراك في بوابة العمرة الرسمية برسوم اشتراك سنوية 10 آلاف جنيه مقابل ما يسمى “باركود العمرة”، لمعرفة وتتبع السلطات سفر كل مصري عبر باركود شركته.

قرار مصر بعدم سفر أي معتمر إلا إذا حجز عن طريق البوابة المصرية للعمرة، هدفه تحصيل رسوم باهظة تزيد عن تكاليف البوابة السعودية ما بين 3 و5 أضعاف، وفق معتمرين.

قالوا إن سعر تأشيرة العمرة السعودية 300 ريال، أي 1300 جنيه مصري، بينما باركود وزارة السياحة المصرية يرفع تكلفة العمرة إلى 15 ألف جنيه، بعد إضافة رسوم استعلام، وتوثيق، وتأمين، ورسوم استخراج، ورسوم مسحات وباركود.

أكدوا أن هذا المبلغ يزيد الضغط عليهم بجانب تذاكر الطيران وحجز الفنادق، ما يرفع السعر الإجمالي للعمرة إلى قرابة 40 إلى 50 ألف جنيه، بعدما كان المصريون يعتمرون في السابق بقرابة 10 آلاف جنيه شاملة كل شيء.

مصريون اشتكوا من منعهم من السفر عقب لجوئهم إلى برنامج العمرة السعودي (دون وسطاء)، وحجز العمرة بتكاليف أقل من بوابة العمرة المصرية.

وسادت حالة من الغضب بعد رفض سفر مصريين من مطار القاهرة لم يحصلوا على ما يسمى “عمرة رمضان تأشيرة باركود” مصرية ترفع سعر العمرة مقابل التكلفة المخفضة وفق التطبيق السعودي، بحسب ما أعلنت شركات سياحية.

وصفوا ما فعله النظام في مصر عبر “باركود العمرة” بأنه “سبوبة ضخمة” للمسؤولين واستمرار لفرض الإتاوات على كل شيء في مصر.

بعدما انتشرت أخبار منع المصريين من السفر، أكد مصدر مسؤول بوزارة السياحة والآثار لصحيفة “الوطن” شبه الحكومية أنه لن يسمح بسفر أي مصري حاصل على تأشيرة البوابة السعودية دون الباركود المصري.

زعم في 17 مارس/آذار 2022 أن قانون إنشاء البوابة الإلكترونية المصرية للعمرة قصر تنفيذ كافة برامج العمرة على البوابة المصرية وباستخدام “باركود” خاص لكل معتمر، وأن تنظم تلك الرحلات بواسطة شركات السياحة المصرية.

وجاءت تصريحات المسؤول المصري بعد تفعيل السلطات السعودية نظام “b2c” الذي يسمح لمواطني كل دول العالم بالحصول على تأشيرة العمرة، بثلاثة طرق مختلفة من الوكيل السعودي مباشرة عبر النظام الإلكتروني، لا طريقة واحدة.

مسؤول بإحدى شركات السياحة الصغيرة التي تعتمد على موسم العمرة لتحقيق ربح، أبلغ “الاستقلال” أن نظام “باركود العمرة” أفسد طريقة عمل الشركات، وقد يسهم في إفلاس الكثير منها.

شرح الأمر بقوله إن كل شركة أصبحت مطالبة بدفع عدة مبالغ للحكومة المصرية للتسجيل في بوابة العمرة المصرية الحكومية يصل مجموعها إلى 10 آلاف جنيه سنويا، ومع هذا لم تحصل كل شركة سوى على 15 تأشيرة فقط بعدما كانت بالمئات.

مسؤول الشركة، الذي رفض ذكر اسمه، أوضح أن رؤساء الشركات كانوا يبيعون لبعضهم البعض التأشيرات مقابل نسبة معينة لصعوبة تحقيق ربح من تسفير هذا العدد القليل، بحيث يعمل عدد أقل من الشركات على تسفير معتمري الشركات الأخرى.

أكد أنه بعد صدور قانون بوابة العمرة، بات بيع التأشيرات صعبا؛ لأن كلا منها لها كود تعريفي لا يمكن تغييره وإلا تعرضت لعقوبات.

ومع هذا يتحايل البعض منهم لتغطية تكاليف ما تحصل الحكومة عليه منهم مقابل تأشيرات العمرة، دون شرح تفاصيل.

السعودية والأموال

مسؤول شركة السياحة كشف أن بعض المصريين يتحايلون أيضا على الإتاوات الحكومية التي فرضتها البوابة المصرية بالحجز على التطبيقات السعودية الرخيصة ثم السفر من الأردن، لتوفير مبالغ ضخمة.

أوضح أن السفر بهذه الطريقة قد يتكلف أقل بكثير من تكاليف العمرة في مصر، فعبر البوابة المصرية لا تقل تكاليف العمرة عن 40 و50 ألف جنيه، بينما عبر التطبيق السعودي والسفر من الأردن قد لا يتكلف الأمر سوى من 5 إلى 8 آلاف فقط.

وقد كشف إيهاب عبد العال، عضو الجمعية العمومية لغرفة شركات السياحة التابعة للاتحاد المصري للغرف السياحية، عن وصول أسعار بعض برامج العمرة في شهر رمضان إلى 100 ألف جنيه.

أوضح “عبدالعال” لـ “الاستقلال” أن بعض الشركات عرضت أسعارا متفاوتة خلال شهر رمضان، بسعر لبرنامج العمرة الاقتصادية يبدأ من 33 ألف جنيه لبرامج الثلاثة نجوم، وقرابة 40 ألفا للأربعة نجوم وما بين 65 إلى 100 ألف للخمس نجوم.

مقابل الموقف المصري، اشترطت الداخلية السعودية في الثاني من أبريل/نيسان 2022 على القادمين الراغبين بأداء العمرة ضرورة الحصول على تصريح العمرة عبر تطبيقي “اعتمرنا” أو “توكلنا” ما زاد حيرة المصريين الراغبين في العمرة.

أكدت الوزارة السعودية أنه “لن يتم السماح بالعمرة دون تصريح”، وكشفت أن عقوبة القادمين لأداء مناسك العمرة دون تصريح دفع غرامة قدرها 10 آلاف ريال.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أعلنت وزارة الحج والعمرة السعودية إطلاق تطبيقي “اعتمرنا” و”توكلنا” لإصدار تصاريح العمرة والصلاة في المسجد الحرام والزيارة في المسجد النبوي الشريف، من خارج المملكة.

ثم أعلنت في 16 يناير/كانون الثاني 2022 عن ست خطوات أمام الراغبين في أداء مناسك العمرة، لإصدار تأشيرات العمرة للقادمين إلى المملكة.

الخطوات تتضمن اختيار المعتمر شركة سياحية مرخصة من وزارة الحج والعمرة السعودية، والبرنامج المناسب، وسداد قيمته (السكن والنقل)، إرسال جواز السفر وتحديد تاريخ المغادرة والعودة، بخلاف الاشتراطات الطبية.

ثم يجري تزويد المعتمر برقم مرجعي يمكنه من تقديم طلب تأشيرة العمرة من منصة خدمات التأشيرة الإلكترونية التابعة لوزارة الخارجية السعودية.

وقد أكد مروان شعبان نائب رئيس الغرف التجارية في مكة المكرمة، في 5 يناير/كانون الثاني 2022 بأن “حجز العمرة عبر b2c يوفر 30 بالمئة من التكلفة” لأنه يتضمن الاستغناء عن الوسيط.

وتتضمن تأشيرات العمرة بنظام b2c ثلاثة طرق، أولها الحصول على فيزا سياحة متاحة لـ 49 دولة ليس من بينها مصر.

وثانيها أن يكون المعتمر لديه فيزا شنغن الأوروبية أو فيزا أميركا وإنجلترا صالحة فيدخل مباشرة لأداء العمرة.

والوسيلة الثالثة للعمرة، هي التقديم على فيزا عمرة مباشرة من السعودية والحجز مع شركة سعودي أونلاين، واستصدار تصاريح العمرة من خلال تطبيقي “اعتمرنا” و”توكلنا”.

وقد استفاد من هذه الخدمة مصريون يعيشون في الخارج قالوا إن تكلفتها قرابة ألفي جنية مصري، مقابل 45 ألفا للبوابة المصرية.

خلاف أم منافسة؟

الخلاف الظاهر بين القرارات المصرية والسعودية بشأن المعتمرين المصريين طرح تساؤلات حول احتمالات وجود خلاف سياسي بين البلدين.

لكن مصادر مصرية وسعودية أكدت أن الأمر لا يعدو خلافات مالية ناتجة عن رغبة كل طرف في الاستحواذ على مكاسب العمرة لنفسه، وأبرزت هذه الخلافات الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها كل دولة على حدة.

مسؤول الشركة السياحية المصرية الذي تحدث لـ “الاستقلال” ذكر أن الحكومة المصرية تسعي لوضع يدها منذ سنوات على “كنز” العمرة والحج بسبب أداء آلاف المصريين سنويا العمرة والحج بمليارات الدولارات.

أوضح أن الوضع الاقتصادي الصعب دفع السلطة لفرض أفكار جديدة مثل بوابة العمرة، لجلب أموال وضرائب ورسوم للحكومة، وبالمقابل فعلت السعودية الشيء نفسه.

أكاديمي سعودي متخصص في الشؤون السياسية يعيش خارج المملكة، أوضح لـ “الاستقلال” أيضا أن أصل الخلاف “صراع مالي” لا سياسي، بدليل دعم السعودية لمصر بـ 15 مليار دولار في صورة ودائع بالبنك المركزي واستثمارات.

الأكاديمي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أشار إلى سعي كل دولة لتحصيل أكبر استفادة من “كنز” العمرة، وفي ظل تراجع الودائع السيادية السعودية ومحاولة تعويض الإنفاق الباذخ على أنشطة ومواسم الترفيه.

أوضح أن السعودية تسعى للحصول على 50 مليار دولار سنويا من موسم الحج والعمرة، بدلا من حوالي 12 مليار دولار سنويا حاليا، حيث تعد هذه المواسم من الروافد الاقتصادية المهمة للمملكة.

ووضعت “رؤية السعودية 2030” لولي العهد محمد بن سلمان هدفا يقضي برفع الطاقة الاستيعابية للحجاج إلى 30 مليون معتمر بحلول 2030 ويقدر بعض الاقتصاديين أن تتجاوز إيرادات الحج والعمرة 40 مليار ريال سنويا.

ومن المتوقع أن تتجاوز هذه الإيرادات 50 مليار ريال سنويا وفق رؤية 2030.

وتعود جذور هذه الخلافات المالية حول العمرة بين البلدين إلى عام 2016 حين فرضت السعودية مبالغ باهظة على المعتمرين المصريين فردت غرفة شركات السياحة بتجميد تعاقداتها مع الوكلاء السعوديين لموسم عمرة 2016.

وتزامن هذا مع فرض الحكومة المصرية رسوما بـ 10 آلاف جنيه (570 دولارا) لمن كرر العمرة خلال ثلاث سنوات.

“باسل السيسي” رئيس لجنة السياحة الدينية في مجلس الغرفة السياحية السابق قال حينئذ لصحيفة الشروق الخاصة في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2016 إنهم قرروا تجميد العمرة لفرض السعودية مبالغ خيالية على المعتمرين المصريين.

وأضاف: “لا توجد دولة في العالم تصل تكلفة تأشيراتها إلى 600 دولار، بعدما قررت السعودية رفع رسوم التأشيرات إلى 2000 ريال للمرة الثانية”

وتعد مصر من أكبر الدول التي يخرج منها معتمرون كل عام، وبحسب تقديرات وزارة السياحة، فإن عدد المعتمرين عام 2015 بلغ نحو 1.3 مليون معتمر. ولذلك تقرر مقاطعة العمرة.

وكان لافتا خلال مناقشة هذا الأمر في مجلس النواب، قول عضو الغرفة السياحية علي غنيم إن الهدف من قرار مقاطعة رحلات العمرة لمدة عام هو توفير مليار دولار، في ظل احتياج الدولة لذلك.

وبلغ حجم إنفاق المصريين على رحلات الحج والعمرة نحو 2.4 مليار دولار خلال العام المالي 2015/ 2016، بحسب بيانات وزارة السياحة المصرية.

وقدرت دراسة سابقة للخبير الاقتصادي بمركز الأهرام للدراسات السياسية عبد الخالق فاروق، حجم إنفاق المصريين على العمرة عام 2016 بقيمة 7.5 مليارات دولار سنويا.

شاهد أيضاً

حماس: المرونة التي نبديها لا تعني التراجع عن شروطنا وإسرائيل لا يعنيها أسراها

قال القيادي في حركة “حماس” باسم نعيم، إن “إسرائيل باتت تفهم المرونة التي تبديها حماس …