د. عادل الأسطل: أبومازن – مشعل .. غزل مُتبادل في فضاءات حرّة

في يوم 24 سبتمبر الماضي، وخلال ندوة (التحولات في الحركات الإسلامية) التي ينظمها مركز الجزيرة للدراسات، قدّم خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي لحركة  حماس، اعترافاً لا سابق له، بأن  حماس أخطأت عندما استسهلت حكم قطاع غزة بمفردها بعد أحداث الانقسام مع حركة فتح منتصف عام 2007، وأخطأت أيضاً عندما ظنّت أن الزمن الفتحاوي قد مضى، وبرغم أنه وازن تصريحاته بقوله إن فتح أخطأت عندما أرادت إقصاء حماس، إلاً أن الكثيرين اعتبروا هذه التصريحات هي بداية لخطوة تالية هي تقديم الاعتذار!

في يوم  28 نوفمبر الماضي وبناءً على دعوة حركة فتح لحماس لحضور افتتاح مؤتمرها السابع، لبى مشعل الدعوة وأرسل وفدًا من حماس للمؤتمر, مع رسالة مُثقلة بعناوين مُعالجة لقضايا مهمّة، وأهمها (جاهزية الحركة للشراكة مع فتح وكافة الفصائل لصالح القضية الفلسطينية)، وهي العناوين التي جعلت الرئيس الفلسطيني “أبومازن”؛ قائد حركة فتح مجدداً، لا يكف عن استحسان الرسالة والإشادة بها، باعتبارها تمس الروح الوطنية الفلسطينية وجادّة في نفس الوقت، حيث خصص جزءاً وافراً من خطابه الذي تلاه خلال المؤتمر، مُعبّراً عن أن الفرصة أصبحت متواجدة أكثر من أي وقتٍ مضى لطي صفحة الانقسام.

الأمر المفاجئ، أن “أبومازن” لم يقف عند هذا الحد من القبول والاستحسان، بل أبرز تحولاً ضخماً في سياسته تجاه حماس، حيث اختار مصطلح (أحداث الانقسام عام 2006)، بدلاً عن استخدامه المصطلح التاريخي السائد (الانقلاب الأسود)، حيث جعل المؤتمرين والفلسطينيين بشكلٍ عام، في حيرةٍ من أمرهم، فمنهم من اعتبر أن ذلك ضروري لتقديم سياسة مختلفة عن السابقة، تتماشي والظروف السياسية الحالية، ومنهم من اعتبره غزلاً عاجلاً لسلب تنازلات مهمّة، وآخرين اعتبروا بمثابة هدية مجانية لحماس، ومنحها صك براءة من تلك الأحداث أو أيّ من مُسبباتها، بالإضافة إلى ما يترتب عليها من قضايا قانونية، باعتبار حُكمها لقطاع غزة هو حكم شرعي.

وبغض النظر عن الاعتبارات السابقة، وبناءً على التصريحات المطروحة، فهل من طريق يمكنها جمع الفريقين معاً، وصهر توجهاتهما في بوتقةٍ واحدة، وسواء لاستخدامات سياسية أو عسكرية، بغية الوصول الى الأهداف المفضّلة؟

 الإجابة: لا. بسبب أن هذه التصريحات تنطلق ضمن  فضاءات حُرّة، وهي تتلاشى ببساطة إذا ما ضاقت تلك الفضاءات.  

يُقال إن تصريحات مشعل-  ربما- في ختام مسيرةٍ حفلت بصراعات داخلية وخارجية مُخيفة، دامت منذ تولّيه رئاسة المكتب السياسي في العام 1996، وقد تكون رضوخاً للواقع الحياتي والسياسي الذي يعيشه القطاع المحاصر منذ 2006، أو أنها صدرت لدوافع أخرى تتصل بتغيير صورة الحركة ككل.

وقد تُعتبر تصريحات “أبومازن”، وسيلة لاستفزاز وتحريك مياه الإسرائيليين، الذين يعتبرون تقرّبه من حماس أكثر مما هو مسموح به، أمرًا مرفوضًا، باعتبارها حركة إرهابية، ولدينا من يعتبرها أداةً لقطع الطريق أمام حماس كي لا تقوم بإعطاء القيادي الفتحاوي “محمد دحلان” المزيد من الامتيازات، وسواء داخل القطاع أو الضفة الغربية، برغم تنافرها معه، وفي ضوء أنه يحظى بقبولٍ عربي ومصري بشكلٍ خاص.

تلك التصريحات, أيّاً كانت نغماتها ورطوبتها، لا تعكس الصواب بالضرورة، ولا تمس الطريقة الوسائلية لأجل الوصول إلى نقاط حاسمة، والتي من شأنها أن تُسهم في بلورة تخطيط  حقيقي للمستقبل الفلسطيني، حتى برغم ما قيل من أنها تابعة لتفاهمات جرت مسبقاً، وذلك بسبب اختلاف الرؤى ووعورة الأجندات، فكلا الفريقين يُدرك تماماً أن تصريحاته هي شكليّة وليست استراتيجية.