سليم عزوز يكتب :الإعلام المصري: صراع المكاتب وتنازع الاختصاصات… وحديث الوزير لـ«فرانس 24»

تكلم ولم يقل شيئاً، أو للدقة لم يقل شيئاً ذا قيمة!
إنه وزير الدولة للإعلام في مصر، في حواره مع قناة «فرانس 24» وقد فقد كثيراً من حيويته، وصار أقرب إلى الإنسان الآلي، حيث بدا ليس مرتاحاً، وللدقة فإنه لا يوجد لديه ما يقوله دفاعاً عن النظام، وربما كان كلامه الذي كان يخرج من فمه بـ «القطارة» كاشفا عن أزمة أوسع وأعمق!
لقد استخدم أمنه الخاص في إخلاء مكتب له، ففي ذات ليلة اقتحموا مقر المجلس الأعلى للإعلام في مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو» لهذا الغرض، حيث حرص رئيس المجلس مكرم محمد أحمد في اليوم الأول لتوليه مهام منصبه أن يكون مكتبه هو مكتب وزير الإعلام، وقد نقل عنه أنه كان يسأل عندما دخل المبنى أين مكتب صفوت الشريف؟ وربما ساعتها لم يتذكر أن هناك أربعة أشخاص شغلوا هذا المنصب من بعده: ممدوح البلتاجي، وأنس الفقي، قبل الثورة، ثم أسامة هيكل، وصلاح عبد المقصود، بعدها!
وكان رئيس الهيئة الوطنية للإعلام «حسين زين» وباعتباره ابن المبنى، قد بادر وشغل مكتب الوزير بوضع اليد على قاعدة «من سبق أكل النبق» لكن مكرم استطاع أن يخرجه منه، باعتبار أن مجلسه هو البديل لمنصب الوزير، في حين أن هيئة صاحبهم هي بديل اتحاد الإذاعة والتلفزيون وليس له أن يحتل منصب الوزير، ويبدو أن هناك جهات خارج المبنى تدخلت وحسمت الأمر لصالح مكرم، الذي خسر معركة المكتب على يد أسامة هيكل، الذي ظل لعدة أسابيع خارجه، فقرر في دولة الرجل الواحد غير المتفرغ للتفاصيل، أن يحسم الأمر بيده؛ فأرسل رجالا شدادا غلاظا والناس نيام، واقتحموا مقر المجلس الأعلى للإعلام، وإلى الآن لا نعرف إن كان ما تم اقتحامه هو مكتب رئيس المجلس، أم حجرة مجاورة له، لكن ما نعرفه أن مكرم اندفع وتقدم ببلاغ للنائب العام ضد الوزير ومليشياته، وقال إنهم استولوا على أوراق ومخاطبات مهمة بينه وبين أجهزة الدولة!
وهو تصرف دفع مكرم ثمنه بعد ذلك، حيث تمت الإطاحة به، ولم تنجح زيارة رئيس المجلس الجديد كرم جبر له في منزله، والتأكيد على الاعتزاز به، في أن تزيل أثر المرارة، وربما الإهانة التي شعر بها، والموضوع برمته يؤكد غياب الدولة، وفي غيابها بدا الاختصاص منعقداً للأجهزة الأمنية التي يحدث بينها تنازع في الاختصاص والنفوذ، ودولة الرجل الواحد لا يمكنها أن تلم بكل التفاصيل واتخاذ ما يلزم بدلاً من وقوع الشجار بين رجال النظام وكأنهم في «خناقة شوارع» أو في صراع التلاميذ داخل الفصول على من يجلس في الصفوف الأولى، في اليوم الأول من العام الدراسي.
وفي تقديري أن جهة أمنية وقفت مع المجلس الأعلى للإعلام، فساندت اتجاه عدم تخصيص مكتب للوزير في مقر المجلس، وأن جهة ساندت الوزير فكان الاقتحام، وأن هناك من حرضوا مكرم على تقديم بلاغ للنائب العام، فينال هذا من الهيبة الافتراضية للنظام، فيكون الجزاء هو الإطاحة به بتدخل الجهة المساندة لأسامة هيكل، والانتصار بعزل مكرم في إجراء مهين، فلم ينتظر صاحب القرار حتى تشكيل مجلس الشيوخ وتعيينه فيه في منصب شرفي هو وكيل المجلس في مقعد الأديب ثروت أباظة وكيل مجلس الشورى لدورات عدة حتى وفاته، ما داموا يرونه ليس قادراً بحكم تقدمه في السن على القيام بالأدوار المطلوبة منه بكفاءة!

في دولة الحد الأدنى

وفي مقابلة «فرانس 24» مع وزير الدولة للإعلام أسامة هيكل، ألمح إلى أن اللقاء ليس في مقر الوزارة، فهل تدخلت الجهة المساندة لمجلس الإعلام فلم تمكن الوزير من المكتب الذي استحوذ عليه غصباً؟ وإذا كانت قد هُزمت بعزل مكرم محمد أحمد، فليس أقل من أنها تمنع الوزير من المكتب، وهذا أضعف الإيمان. وقد ورد في الأثر: «عندما تتصارع الأفيال لا تسأل عن العشب»!
ما جرى لا يمكن أن يحدث في دولة، ولو في دولة الحد الأدنى، التي كان يحكمها مبارك، والذي وإن كان ليس من طبعه أن يشغل نفسه بالتفاصيل، فإن مثل هذه الأزمات على المكاتب كان يمكن أن تحسم عن طريق مكتب رئيس الوزراء عندما كان شاغله صاحب شخصية قوية مثل كمال الجنزوري، أو عن طريق رئيس ديوان الرئاسة زكريا عزمي إذا كان شاغل منصب رئيس الوزراء «رجل بركة» كعاطف صدقي، أو «تائه» كعاطف عبيد، أو مستشرق كـ «أحمد نظيف» شعاره لا أدري من أين أتيت ولكني أتيت والسلام!
وإن كانت مشكلات أخرى بطبيعة الحال بين شخصيات كبيرة، لا يفهم فيها زكريا عزمي، وتلجأ للرئيس، فيبادر أحد أطرافها بالحل الجذري لها. تماماً كما المشكلة التي نشبت بين أنيس منصور، رئيس تحرير جريدة «مايو» لسان حال الحزب الحاكم، وبين رئيس مجلس الإدارة عبد الله عبد الباري، حيث افتقد أيامها أنيس لوجود السادات، الذي كان يهتم بالتفاصيل، ويحل بنفسه مثل هذه المشكلات، فمبارك كان في كل مرة يلجأ اليه أنيس فيها يقول له أنتم صحافيون كبار، حلوا مشاكلكم، فاستقال! وبالإطاحة بمكرم محمد أحمد من منصب رئيس المجلس الأعلى للإعلام وبكل أعضاء المجلس، فإن معركة مراكز القوى لم تنته، وتنازع الاختصاص لم يتوقف، وليس أدل على هذا من مقال «طويل عريض» كتب في صحيفة «الأخبار» الحكومية ضد وزير الدولة للإعلام في نهاية الأسبوع الماضي، وعندما نعلم أنه لم يعد مسموحاً الآن في مصر بالهجوم على الوزراء في الاعلام، لأن قيمتهم من قيمة السيسي، فلا يمكن حساب هذا المقال إلا ضمن معركة انتصر أحد أطرافها بعزل مكرم، لكن هذا الطرف خسر الحرب ولم يخسر المعركة!

باب الرزق

لقد رأت بعض الأبواق الإعلامية في فترة سابقة، أن تستدعي السياسة التي كان معمولاً بها في عهد مبارك بالهجوم على الحكومة وسياستها، وهذا الوزير أو ذاك، ليكون الرئيس بعيداً عن النقد، بل ولا مانع من طلب تدخل الرئيس بنزاهته لردع الظالم والضرب على يد الفاشل، لكن السيسي رفض هذا وأعلن في حدة أن هذا ليس مسموحاً به، فالإعلاميون لا يعرفون الوزراء كما يعرفهم، ولا يجلسون معهم كما يفعل هو، حيث يجلس معهم يومياً بالست ساعات، حسب قوله!
وأغلق تماماً باب الرزق هذا الذي فُتح في عهد مبارك، ودفع البعض إلى حساب هذا الكاتب أو السياسي على المعارضة وأنه أسد هصور، مع أن الهجوم على الوزراء، عدا وزيري الداخلية والإعلام في زمن صفوت الشريف، هو نضال مجاني، لكنها خطة الذين من حول مبارك، حيث كان السادات يشتبك مع المعارضين في خطبه المعلنة وبالاسم، ونصحوه بأن الحزب هو من يتولى عملية الاشتباك حفاظاً على هيبة رئيس الجمهورية، فلم يوافق على هذا، وأعجبت النصيحة مبارك فاعتمدها سياسة له!
بيد أن السيسي لم يكن السادات، الذي يبادل المعارضين هجوماً بهجوم، ولا مبارك الذي لا يحاسب على الهجوم على الوزراء والحكومة وسياساتها.
وفي الآونة الأخيرة شاهدنا تأثراً من المواطنين البسطاء بسياسة ظلت تحكم مصر على مدى ثلاثين سنة، فالذين هدمت بيوتهم طالبوا «الرئيس» عبد الفتاح السيسي بالتدخل لوقف الحكومة عند حدها، وكأنها لم تنفذ أوامر السيسي نفسه الذي هدد بنزول الجيش للمحافظات للإبادة، وإزالة المباني المخالفة!
بعيداً عن أزمة المكاتب، والتي هي جزء من أزمة أكبر هي أزمة الاختصاص بين الوزير وبين المجلس الأعلى والهيئة الوطنية للإعلام، فإن أسامة هيكل يبدو مثيراً للشفقة في ظل الوضع البائس لحرية الإعلام، لا سيما ومحاوره تامر عز الدين، مراسل «فرانس 24» يطلب رأيه في ترتيب مصر في المرتبة 166 ما بين 180 دولة، في مجال الحريات الإعلامية، حسب تقرير «مراسلون بلا حدود» فلم يجد أمامه من سبيل إلا أن يتحول إلى أنور السادات في فيلمه الشهير، عندما سأله أحد الجالسين معه عن عدم وجود الديمقراطية في مصر، فكان جوابه إنه يجلس مع رئيس الدولة ثم يسأل عن الديمقراطية؟! وهل هناك ديمقراطية أكثر من هذا؟! وكأن هذه هي الديمقراطية!
فقد أكد وزير الدولة للإعلام على كفالة حرية الإعلام في مصر، والدليل على ذلك وجود المراسل هنا (في حضرته) وأنه وافق على الحوار معه، وأنهم خصصوا مكاناً على النيل للمراسلين الأجانب!
لقد سأله مراسل «فرانس 24» عن منع كتاب من الكتابة في الصحف، ولأن أسامة صحافي في الأصل، فقد اعتبر السؤال ممراً أمناً للهروب، فأرجع هذا إلى السياسة التحريرية للصحف، التي لا يمكنه التدخل فيها، وكيف أن المقال المحظور يجد رواجاً أكثر عبر منصات التواصل الاجتماعي!.
مع أن السؤال المهم الذي لم يطرح هو حول حجب أكثر من مئة موقع عبر الانترنت؟ لكنه كان سيرد بأنه لا يؤيد ذلك، ليكون السؤال ومن يمكن أن يكون وراء ذلك إذا كان هذا ليس من اختصاص المسؤول السياسي الأول عن الإعلام في المحروسة؟!

إن الحق أبلج والباطل لجلج!

أرض – جو: لفترة طويلة ظل عاجل قناة «النيل» للأخبار متمدداً على الشاشة يوم الخميس الماضي: «مروحيات تابعة للجيش اللبناني تساعد في اخماد حريق مرفأ بيروت». يرفعونه ثم يعيدونه مرة أخرى، ولكي نقول إن دلالة ذلك وصلتنا في عقر بيوتنا، فها نحن نشكر الجيش اللبناني، وكل جيوش الوطن العربي، فلولاها لكان الإسرائيليون يعربدون في المنطقة.. أي خدمة!
ولم يكد رئيس الهيئة العليا للانتخابات يعلن عن موعد انتخابات مجلس النواب، حتى هتفت مذيعة المرحلة، ونجمة الشاشة الأولى، رانيا هاشم: «الله عليكي يا مصر.. انتخابات للمرة الثانية، رغم انتشار فيروس كورونا…». وعليه طالبت من يكتبون اسكريبت قنوات الاخوان بالتجديد «فالموضوع بقى سخيف قوي»!
وما المذكورة إلا نتاج محاولة استنساخ فاشلة لمنى الشاذلي، مع أنهم لا يستطيعون الآن تحويل منى الشاذلي إلى منى الشاذلي.. ضعف الطالب والمطلوب.
الوحيدة التي كانت صالحة للاستنساخ هي النعجة دوللي!

 

شاهد أيضاً

من أعلام الدعوة الإسلامية: الأستاذ الشيخ “ماهر عقل” ـ يرحمه الله ـ

بقلم أ.د. إسماعيل علي أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان جامعة الأزهر قصيرةٌ هذه الحياة الدنيا، وأقصرُ …