محمود الإبياري يكتب : سر الهجمة الأمنية على جماعة الإخوان ورموزها

تماما وكما هو مخطط له في كل مرة، تجيئ حملة التشويه المفاجئة في المسلسل المستمر منذ فترة، لرمز ناصع من رموز الجماعة, وقد بُنيت على اجتزاءٍ مشوه ومخل لمراجعات أجراها مع قناة الحوار الفضائية في برنامج ” مراجعات” للدكتور عزام التميمي حول مرحلة تاريخية مرت بها أرض الكنانة وعالمنا العربي والإسلامي في الستينيات من القرن الماضي.

ومما يزيد الاستغراب والإندهاش والتساؤل أن يأتي هذا الاجتزاء المخل الذي تم على منهج ” لا تقربوا الصلاة ” متجاهلا تكملة الآية الكريمة (وأنتم سكارى) للوصول إلى أغراض مخفية، بعد أكثر من خمس سنوات من إذاعة هذه المراجعات، لم يجد فيها من شاهدها من مختلف الطوائف والجنسيات شبهة هذا الافتراء.

ليس دفاعا عن الأستاذ إبراهيم منير, نائب المرشد العام للإخوان المسلمين, الذي بفضل الله وحده لم تنكسر إرادته أمام هجمة الأنظمة المستمرة على جماعته فظل عاضا بالنواجذ على طريق دعوته رغم مالاقاه هو ورجال الدعوة في هذه الفترات من ترهيب في السجون وترغيب في محاولات حرفهم عن الطريق.

ولمن لا يعلم فقد استمر النظام المصري في مطاردته في مهجره، ففي عام 1998 وبعد ثلاثين عاما من هجرته لوطنه الذي قضى في سجونه زهرة شبابه حوالي العشرين عاما، واجه اتهامات زائفة من غسيل أموال وتمويل جماعة الاخوان المسلمين, دافعا قضاءه للحكم عليه غيابيا بإثني عشرة سنة.

ولمن لا يعلم … وقبل أن ينصت لافتراءات الاجتزاء المخل الذي تم والكتابات حوله, أو يجهد نفسه في الاستماع لحقيقة ما جاء في المراجعات، فإن هذه الحملة على الجماعة ورموزها حتى ولو كانوا غائبين خلف القضبان أو مطاردين من أجهزة سلطة ديكتاتورية مغتصبة، يسهل إدراكها حينما يتم الوقوف على أبعاد الصورة الحقيقية للوضع العام في مصر والمنطقة في تلك الفترات،

ولنبدأ بأحداث عام 1965 التي بنى عليها أصحاب الاجتزاء المخل حملتهم..

فبحلول ذلك العام كانت قد طرأت على مصر تطورات رئيسية تمثلت في انفراد الجيش بإدارة البلاد وكل مفاصل الدولة فيها معتمدا على أجهزته الأمنية ورمزية المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية، فقام العقيد شمس بدران مدير مكتب المشير بحملته على التيار الإسلامي بكل فصائله والرموز الوطنية الأخرى مصحوبا بهجمة إعلامية شرسة مدعومة من تيار ماركسي لإيقاف أيه همسة اعتراض على ما يجري من تدمير لمقدرات الوطن، ثم أعقب ذلك وبعد حوالي السنتين وفي يونيو 1967 وقوع حرب الأيام الستة التي استولى فيها الكيان الصهيوني على الضفة الغربية والجولان وسيناء كاشفة عن حقائق مؤلمة في تاريخنا المعاصر من اتفاقيات تم عقدها ولم يعلن عنها حول استخدام خليج العقبة ونزع سلاح سيناء بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.

نعود إلى الوراء قليلا إلى أحداث عام 1954، وقيام نظام الحكم وقتها بشن هجمته الدموية على الجماعة بتهم معلبة ومصنوعة بعد قيامه بسحق القوى المعارضة الأخرى ، لتقع بعدها حرب 1956 وما نتج عنها من تمدد وتركيز وضع الكيان الصهيوني، الذي جاء بعد حوالي العشر سنوات ( 1956-1967 ) وعقب حرب الأيام الستة امتدادا وتمددا له.

وإيغالا في العودة إلى الوراء نأتي إلى أحداث عام 1948 ما وقع بعد حربها التي أكدت قيام دولة الكيان الصهيوني من اعتقالات متطوعي الجماعة بعد مشاركتهم في الحرب ببسالة شهد بها القادة الرسميون, وهم في ميادين القتال بالرغم من أن مشاركتهم كانت بموافقة الدولة وبإشراف الجيش المصري آنذاك.

ثم ما أعقب ذلك من دفع الأمور لإحداث أزمة بين الجماعة ونظام الحكم فيها وإشعال فتنة انتهت إلى استشهاد الإمام البنا وما صاحب ذلك من توقيع معاهدة “رودس” لتثبيت الكيان الصهيوني.

نعود سريعا إلى واقع مصر والعالم العربي اليوم وقبل أن يسأل عاقل نفسه بحثا عن تفسير لما يتم من حرب ضروس على الجماعة، لندرك في ضوء وقائع التاريخ الماضي أية مؤامرة تتعرض لها المنطقة وليدرك كل من يشارك في الهجوم على الجماعة ( بعلم أو بغير علم )- في ضوء الصورة التي ترسمها الأحداث التي تمر بالمنطقة منذ أكثر من ستين عاما- خطأ ما يرتكبه.

وعودة إلى من لا يعلم, وواجبه أن يعلم جرمَ ما يرتكبه الفاعلون والمساهمون في هذه الحملات، ليس فقط في حق الجماعة، وشخصياتها وموزها، ولكن في حق وطن وشعب امتد مؤشر تراجعه ليغطي كل مجالات حياته، ولنتقي سنةً أكدها لنا وحذرنا منها القرآن الكريم في سورة الأنفال ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة، واعلموا أن الله شديد العقاب).

فليهاجم الجماعة ورموزها من يهاجم، وليحمل خطايا الآخرين للجماعة من يحمل، فقد اعذرنا إلى الله سبحانه وتعالى.

ونقول أيضا ما على المهاجمين من ملامة، إذا بادروا بانشاء جماعة أخرى تحت أي مسمى للعمل الوطني بدلا من أن يبذلوا جهودهم وينفقوا أموالهم فيما هم قائمون عليه, وليتركوا الاسم ومنتسبيه لأقدارهم .. هذا إذا كانوا لا يعلمون!

السنبلة المزهرة في صحراء الناس المجدبة                                                                                          

اهتم حديثنا السابق بالتعريف والتبصرة بما كان مخبوءا في ثنايا الحملات الإعلامية الظالمة على الجماعة ورموزها ممثلة في شخصية نائب مرشدها الأستاذ إبراهيم منير ومن معه من قادة سفينة الدعوة في هذه المرحلة

والآن نكشف بالدليل والبرهان كذب هذه الحملة وزيفها أمام من لا يكون قد أسعفه الظرف أو سمح له الوقت بالوقوف على الزيف والافتراء المتضمن في هذه الهجمة المشبوهة، بأن نضع أمام القاريء  رابط حلقتين من حلقات هذه المراجعات اجتزأ أصحاب الحملة ما ورد فيهما لتكون مادة لهذه الحملة المشبوهة التوجه ليستمع إليهما بكل تأن وروية:

الحلقة الثالثة عشرة
https://www.youtube.com/watch?v=ZpjuwVMJhdQ

الحلقة الرابعة عشرة
https://www.youtube.com/watch?v=n5wPP0N1Qb4&app=desktop

فيدرك مدى البهتان الذي اقترفه أصحاب الحملة.

ثم عودة مرة أخرى إلى صفحات التاريخ وبالرجوع إلى نهاية الثلاثينيات وبداية الأربعينيات من القرن العشرين حينما بدأت سنبلة الجماعة يقوى عودها ويشتد ساعدها وتزدهر ثمراتها في دنيا الناس على ربوع أرض الكنانة وما حولها، مما أغاظ البعض من المناوئين وللأسف كان منهم بعض بني جلدتنا والمتحدثون بنفس لغتنا والمنادون بنفس ما ننادي به، فخرجت الإتهامات الظالمة, ولكن حينما جاء وقت الحصاد كان الزرع الذي زرعه الإمام البنا ورجال الدعوة هم الذين في الميدان، وكان الرجال الذين تربوا في أحضان هذه الدعوة، أوائل المضحين في ميادين البذل والعطاء على ربوع فلسطين الحبيبة وفي أجواء القدس المزهرية وعلى ضفاف النيل الأبية منذ عام 1948 وما بعده، وبلغ أوجه عطاء سنبلة الدعوة باستشهاد الزارع الأول والراعي الراشد لها الإمام المؤسس حسن البنا ودخول أوتاد الدعوة في خلوة مع الله – الغاية والمرتجى – في سجون الظلمة والطغاة، سقيا وريا لشجرة الجماعة وسنابلها التي بدأت تورق.

وحينما شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يحمل الراية جيل ثانٍ يخرج من بين الصفوف حتى وإن كانت غير معلومة في دنيا الناس، بعد استشهاد  الإمام المؤسس وانكشاف غبار الحملة الظالمة, جوبهت سنبلة الجماعة بحملة مشابهة إن لم تكن أشد وأعتى أعقبتها حملات متنوعة ومتعددة الرايات، وللأسف شارك فييها من نسي أن:

الحر من راعى وداد لحظة    وانتمى لمن أفاده لفظة

فتلقت السنبلة وعودها الكثير من حملات التشويه والهجوم، ولكن إرادة الله كانت وستظل أقوى وأرحب وأرحم, وعافيته هي الأوسع، فبقيت السنبلة غضة طرية مستمرة في عطائها بإذن ربها بالرغم من كل الزخارف التي حاولوا بها إبعاد الأمة وأبنائها عن تلقف ثمارها، وكان معلم الصمت الشامخ وإخوانه في ليل المحنة الطويل الذي حل على أرض الكنانة حتى السبعينيات من القرن الماضي هم السقاة والرواة لسنبلة الدعوة، التي أغدقت وأينعت وتفرق بعض ثمارها لتنبت في أرض الله سنابل وليدة، ويحيى بها الله أجيالا جديدة من أبناء الأمة يمتد عطاؤها لينفع به الله البشرية جمعاء.

 

ودارت عجلة الزمان ومضت على السنبلة ورجالاتها عقود من الثبات وتجذر الجذور بفضل من الله ومنه في صحراء الحياة بالرغم من سجون الظلم والطغيان، حتى قيض الله لهذه السنبلة رعاة أمناء أوفياء خرجوا من رحم المحن حاملين الراية والمشعل، فكان قدر الله للسنبلة أن تعود مرة ثانية إلى بستان العطاء في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وما بعده، كان من أثره بفضل الله سبحانه وتعالى تلك الصحوة الإسلامية الوارفة الظلال التي عاشت في ظلها أجيال الأمة الجديدة والتي أخرجتهم من زيف التصورات وخداع الدعاوى والرايات إلى صدق التوجه والغاية، ولكن أيضا كان من عطائها بعض الأوراق التي شاركت في حملة ظالمة ضمن مخططات التشوية والهدم المستمر لكل مقومات الفلاح والنجاة في الأمة التي تحاول سنبلة الدعوة أن تغذيها، ولكن كان وسيظل قدر الله غالب، فتحولت أشجار الدعوة إلى بساتين وارفة الظلال مغدقة العطاء في بقاع كثيرة بالرغم من محاولات الهجوم والتشويه والتي ساهم فيها للأسف بعض من كان لا يرجى مشاركتهم فيها.

واستمرت السنبلة الأم وسنابل الخير الأخرى في العطاء وتوزعت حبات عطائها على بيئات شتى وأرجاء واسعة وتعمقت أعواد السنابل الجديدة بفضل ما رويت به من عطاء رجال الدعوة ومباركة صاحب الأمر سبحانه وتعالى في هذا العطاء، وأضحت نبراس الأمة ومنارة سفينتها في مرحلة الصحوة الإسلامية الواعدة وخاصة في أوقات الريح الهوجاء والعواصف المدمرة بفعل أحداث حاولت أن تأخذ السفينة إلى مسارب غادرة ومسالك مهلكة، ومرة أخرى كان عطاء رجال هذه الدعوة السبب بعد الله سبحانه وتعالى في أن تتخطى سفينة الأمة هذه الشعاب المعوقة والمسارب الغادرة، على الرغم  من استمرار الحفر لها وتوسيع مجرياتها لكي تحرف شباب الأمة وتوقعه في غوائلها!

حتى جاءت المرحلة الحالية التي نمر بها والتي تواجه فيها سنبلة الجماعة بريح عاتية وعواصف هوجاء قوية تسعى لاقتلاعها من جذورها – ولكن هيهات لهم هذا بفضل من الله ومنة – فضلا عن إيقاف عطائها وبعثرة ثمارها حتى لا تستمر في إرواء حياة الناس، وللأسف يشارك في ذلك من حيث لا يدرى  – والله حسيبه وحسيبنا – بعض ممن كانوا ثمرات هذه السنبلة، فيقومون بالاجتزاء المشبوه والافتراء المجحف والتأويل المخل ورفع سراب الدعاوى الخادعة التي سبقها إليهم آخرون، والتي بفضل الله أولا وأخيرا ثم بثبات وتمسك رجال الدعوة بما مضى عليه أسلافهم غير مضيعين ولا مبدلين، ذهبت أدراج الرياح، ولم يبق من بعدها إلا الحسرة والندم على ما فات وما اكتسبت الأيادي مما خطته، وصحائف التاريخ الشاهدة على ظلم هذه الحملات ومدى سراب الخداع الذي وقع أصحابها فيه، وبقيت سنبلة الجماعة قائمة تزهر في حياة الناس يرويها عطاء الرجال الذين وجهت سهام مثل هذه الحملات إلى صدورهم والنيل من عطائهم الخفي المتجرد، لأن إرادة الله هي الغالبة دوما، واستمر العطاء وانزوت الحملات بعد أن سجلت الصحائف، وبقي رجال الدعوة الأخفياء الأتقياء سنابل الخير لأمتنا، والتي نحسب أن رمزنا ومن معه من رجال هذه الدعوة في هذه المرحلة موضوع هذه الحملات الظالمة اليوم، من بينهم، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحد، والله حسيبهم وحسيبنا جميعا .. وصدق الله العظيم إذ يقول:(والذين جاهدوا فيينها لنهديهم سبلنا)

شاهد أيضاً

شعبان عبد الرحمن يكتب :الخيط الرفيع بين الهدنة واتفاق السلام في ضوء موقف حماس

تصريحات السيد خليل الحية نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لوكالة اسوشيتدبرس التي أكد فيها …