أحمد المحمدي المغاوري : إن للحق رجالا

ما من أمة ارتقت في أعالي المجد, إلا وكانت وراء ذلك المجد أهداف عظيمة وغايات سامية يحملها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. هم رجال الحق، قدموا تضحيات جساما وبذلوا الجهد والعرق، ذلك بما حملوه من إيمان عميق بعثهم على بذل كل غالٍ ونفيس في سبيل الحق الذي اتبعوه, ليصل إلينا غضا طريا دون جهد, ونعيش في كنفه وعدله. فهل نتصف بصفاتهم؟ فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم.. إن التشبه بالرجال فلاح .

رجال الحق

 جسدهم واحد ولُحمتهم صلبة،وعزيمتهم لا تنكسر، وروابطهم  قوية موثقة، رحماء بينهم تربطهم عاطفة الحب والأُخوة، قد جعل لهم الرحمن ودًا، ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) سورة محمد 29 ، فما من يوم تشرق شمسه إلا وتراهم  يرددون( أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله لا شريك له, لا إله إلا هو وإليه النشور). وحين تغرب يرددون ( قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران 26.  يعلمون أن الملك لله,لا لأحد سواه. يصدحون ( أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا شريك له, لا إله إلا هو وإليه المصير).. وثقوا بالله, وبوعده، فوعد الله حق, فلا يغرنَّهم غرور المجرمين واستعلاء الظالمين لأنهم الأعلون فلا يهنوا ولا يحزنوا. يخافون من قول الله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) محـمد 38.

يتطهرون من الباطل..

 رجال الحق يحبون أن يتطهروا من الباطل بالحق، شاء الله أن يختارهم، فجعل لهم نورا يمشون به يرون به الحق, ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، قال تعالى “وكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (الشورى 52). لا يغرنَّهم بطش المجرمين، من غرهم حلم الله, لا ييأسون بل يفرون إلى الله ويلبون إذا نودوا, ويعلمون أنهم على ثغر، فهذا عبّاد بن بشر يقف على ثغرٍ حيث يحرس خيمة النبي صلى الله عليه وسلم، يصلي ويقرأ سورة الكهف، فتأتيه سهام الغدر فينزعها ثم تأتيه ثانية وثالثة فينزعها فيرى رديفهُ في الحراسة؛ عمارُ بن ياسر دماءَ عبّاد تنزف غزيرة من جراحه فيقول له: سبحان الله هلا أيقظتني عند أول سهم رماك به الكافر اللعين؟! فقال عبّاد: لقد كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها, وأيم الله ولولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله بحفظه لكان قطع نفسي أحب إلى من قطعها. هؤلاء هم رجال الحق, أما المجرمون المستهزئون فما هم بمعجزي الله. “وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَ‌ۖ قُلۡ إي وَرَبِّىٓ إِنَّهُ ۥ لَحَقٌّ۬‌ۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ”  (يونس 53)

لا تلهيهم تجارة ولا بيع

رجال الحق لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عن ذكر الله ومقارعة الباطل, يصطفيهم الله ولا زال يصطفي لهذه اللحظة الفارقة في تاريخ الأمة  للذود عنها والصدع بالحق ونصرته, فعملوا وأخلصوا لله لتظل راية الحق مرفوعة بهم, تراهم يرددون: في  سبيل الله ما أحلى المنون، يقولون صباح مساء: أصبحنا (أمسينا ) على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين . اجتمعوا على محبة الله, والتقوا على طاعته, وتوحدوا على دعوته, وتعاهدوا على نصرة شريعته, فلن يضيعهم أبدا ولن يضيع إيمانهم, والله معهم ولن يترهم أعمالهم, لذا فالحق منصور لأن هؤلاء رجاله “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” (الأحزاب 23), ” رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ” (النور37).

وهذا رجل عظيم منهم، إنه الشهيد الفذ والمفكر والباحث سيد قطب عملاق التفسير والعقيدة والدعوة والبلاغة والأدب يقول يرحمه الله: إن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة, وتكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية, وإن الذين يستعدون للموت توهب لهم الحياة.

 هذا هو سيد قطب الذي عاش في ظلال القرآن الوارفة فعشق – رحمه الله – كتاب الله, فأبدع في تفسيره وترجم ما فهمه منه، إلى سلوك عملي حي يتحرك به ويدعو الناس إليه من خلال كتاباته, وقبل ذلك  كله مواقفه الراسخة في نصرة الحق والثبات عليه, فعاش للحق ومات على الحق شهيدا, هو وملهمه حسن البنا.

إن للحق رجالا قد تواصوا به: ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” فالرجال يُعرفون بالحق والحق لا يُعرف بالرجال, فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.

إن للحق رجالا .. فاللهم اجعلنا منهم.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …