مصطفى عبد السلام يكتب : خلافات مصر والسعودية وقرض الصندوق

وكأن كرة ثلج باتت تتدحرج بسرعة في ملف الخلافات بين مصر والسعودية، خلافات لم تبدأ، كما يردد البعض، بانتقاد مندوب السعودية لدى مجلس الأمن لمندوب مصر لتصويته لمصلحة القرار الروسي الخاص بالوضع المأساوي في سورية، ولم تبدأ أيضاً بقرار المملكة وقف إرسال شحنات المواد البترولية إلى مصر عن شهر أكتوبر الجاري والبالغة 700 ألف طن، لكنها بدأت منذ شهور حول ملفين رئيسيين، هما اليمن وسورية، ومن هذين الملفين تفرعت ملفات ومعها خلافات أخرى منها العلاقات مع إيران وحزب الله وخليفة حفتر وغيرها.

ورغم وجود خلافات عميقة بين الطرفين متعلقة باليمن وسورية، إلا أن السلطات السعودية واصلت تقديم مساعداتها النقدية والعينية للنظام في مصر، بحجة أنها مقدمة للشعب المصري وليس للنظام، وأن المملكة حريصة على استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في مصر؛ أكبر دولة في المنطقة.

ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها السعودية والناجمة عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية وفقدانها نحو 60% من قيمتها منذ منتصف عام 2014، إلا أن حجم ما قدمته المملكة إلى مصر فاق 25 مليار دولار، منذ 3 يوليو 2013، إضافة لقرض بقيمة 23 مليار دولار تعهدت به المملكة في شهر أبريل الماضي وتم تخصيصه لتمويل استيراد مصر المنتجات البترولية من بنزين وسولار وغاز وغيرها.

كل ذلك معروف، لكن السؤال الآن ليس عن الماضي، بل عن الخلافات الحالية، وكيف يمكن أن تؤثر سلباً على مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي ومحاولات القاهرة اقتراض 9 مليارات دولار من أطراف أخرى منها البنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية.

لا أحد ينكر أن السعودية لعبت الدور الأكبر في إقناع صندوق النقد بإقراض مصر 12 مليار دولار في هذا التوقيت الحرج، وأن المملكة استغلت ثقلها لدى الدول الكبرى وعضويتها بمجموعة العشرين لإقناع الدول الأعضاء في الصندوق بالطلب المصري.

ولا أحد ينكر أن السعودية والإمارات والولايات المتحدة كانت من أكثر الأطراف الداعمة لمصر في مفاوضاتها مع الصندوق، وبالتالي فعندما تتوقف السعودية عن الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مصر، فإن هذا قد يؤثر سلبا وبشدة على المفاوضات الجارية مع الصندوق.

قبل أسابيع اتفقت مصر والسعودية على قرض مساند (وديعة) تمنح المملكة بموجبه القاهرة ملياري دولار في إطار خطتها لاقتراض 6 مليارات دولار من دول إقليمية، وهو أحد شروط صندوق النقد للافراج عن الشريحة الأولى من قرضه البالغة 2.5 مليار دولار، وكان من المقرر أن يصل الملياران يوم الاثنين الماضي، إلا أنهما لم يصلا بعد.

وهناك توقعات قوية بعدم وصول القرض السعودي في المستقبل القريب في ظل تصاعد وتيرة الخلافات بين البلدين والتي توجت بمغادرة السفير السعودي القاهرة أمس، وهذا ربما يؤثر على قدرة مصر على جمع قرض الـ 6 مليارات دولار المطلوب من الصندوق.

الأمر الثاني، أنه كان هناك تنسيق مسبق بين مصر والسعودية بشأن مواعيد طرح سندات في الأسواق الدولية، وألا تكون مواعيد طرح متزامنة لعدم التزاحم، ولذا كان الاتفاق أن تقوم المملكة بتأجيل طرح سنداتها لما بعد طرح السندات المصرية البالغ قيمتها بين 3 و5 مليارات دولار.

لكن ما حدث أول أمس يقول عكس ذلك، فقد فوجئنا بإطلاق الحكومة السعودية حملة لتسويق أول سندات تطرحها في الأسواق الدولية، بهدف اقتراض 10 مليارات دولار، بل إن مسؤولين سعوديين عقدوا لقاءات أول أمس مع مستثمرين دوليين في لندن للترويج للسندات، تليها اجتماعات مع مستثمرين أخرين لمدة 3 أيام في الولايات المتحدة.

هذا قد يدفع مصر لتأجيل طرح سنداتها في الأسواق الدولية لأسباب عدة منها عدم الدخول في منافسة غير متكافئة مع السندات السعودية التي تتسم بالقوة، خاصة وأن وكالات التصنيف الدولية تمنح هذه السندات تقييم مرتفع A1، وهي مضمونة باحتياطي أجنبي ضخم لدي السعودية يبلغ نحو 560 مليار دولار، كما أن الاقبال على السندات المصرية قد يكون ضعيفا في ظل الأزمة المالية التي تمر بها الموازنة المصرية،

وفي حال تأجيل مصر طرح سنداتها، فإن فرص حصولها على القروض الخارجية تبدو ضعيفة، خاصة وأن الحكومة تراهن على حصيلة السندات في زيادة الاحتياطي الأجنبي إلى 24 مليار دولار، وهذا كله قد يؤثر على الوفاء بشروط الصندوق.

في المجمل، فإن التوقعات تشير إلى أن الخلاف المصري السعودي في حال تصاعده سيؤثر بشدة على فرص مصر في الحصول على القروض الدولية ومنها قرض صندوق النقد الدولي.

شاهد أيضاً

من أعلام الدعوة الإسلامية: الأستاذ الشيخ “ماهر عقل” ـ يرحمه الله ـ

بقلم أ.د. إسماعيل علي أستاذ الدعوة الإسلامية والأديان جامعة الأزهر قصيرةٌ هذه الحياة الدنيا، وأقصرُ …