أحمد المحمدي المغاوري: الحقيقة المُرة أم الوهم المريح؟!

ما سبب هذه الحال التي وصلنا إليها من هواننا على أعدائنا وتكالبهم علينا؟!
الجواب: إنها الغثائية التي حذرنا منها النبي صلى الله عليه وسلم. فما من هزيمة وانتكاس إلا كان سببها ترك ما كان عليه الأولون، إنه الوهن (حب الدنيا وكراهية الموت).
فعلى عكس ما قال حارثة حين سأله النبي عن حقيقة إيمانه، فقال (عزفت نفسي عن الدنيا)، على عكس ذلك صار حالنا اليوم عنوانه – إلا من رحم ربي: (عزفت أنفسنا عن الآخرة وتعلقنا بالدنيا) وذلك حينما فتر الإيمان في القلوب، لقد ادعى البعض الإيمان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فرد الله عليهم. “قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ” (الحجرات14). تلك هي الحقيقة. ولنكن صادقين مع أنفسنا وكما قيل (إن الحقيقة المُرة خير ألف مرة من الوهم المريح).

أمة ولّادة
إن أمة أنجبت رجالاً مثل أبي بكر وعمر وخالد وصلاح الدين ومحمد الفاتح وغيرهم كُثر بذلوا وضحوا وما بدلوا تبديلا، لهي قادرة على أن تنجب آخرين وهم يُعدون من الآن، لكن المخاض لابد له من آلام وسيولد القائد ويخرج من بين هذه الألام ولكل عصر رجاله ، ولا شك أن هذا العصر قلت فيه النخوة والرجولة، ومتى انتصرت الأمة بالكثير؟ قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين).
وما تزال ثلة من الآخرين ينافحون عنها، وهم القليل (وقليل من عبادي الشكور) ، والرجال المصلحون الصالحون ما زالوا يضحون بأموالهم وأنفسهم وأهليهم وديارهم لأجل الحق ضد مجرمي كل عصر وأعداء هذه الأمة من المنافقين والكافرين الخاسرين.
وليست البطولة بنصر مؤقت أو بظل زائل ولكن البطولة والرجولة الحقيقية فيمن فهم وأيقن هذه المعادلة. قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) (الشورى: 20).

الوعد الحق
وهذا القليل المؤمن سينتصر حتماً لأن المحرك هو هو نفسه الذي حرك الأجداد الأوائل مغروس فيهم وهو الإيمان والأمل في نصر الله، لذلك ستنتصر وتعود الأمة إلى سابق عزها وريادتها إذا صدقت النوايا وصحت العزائم.
هذا وعد الله عز وجل. ووعد الله حق. (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55). وإذا لو لم نرَ النصر، فالنصر الحقيقي حينما نعذر إلى الله ونبذل الوسع، بذلك ننال رضوان الله والجنة. أصحاب الأخدود ماذا جنوا وما كانوا يرجون؟ ففي هذه الحياه، آلآم وكبد للبر والفاجر وكلاهما يتعب ويبذل فيما يريده لأجل غايته!! ولكن شتان بين ألم وألم وغاية وغايه وجزاء وجزاء!
قال الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 105).وقد حذرنا الله من الوهن والخوف والحزن ما دمنا مؤمنين. قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران: 139).

الأمة تحتاج رجالاً
إن الأمة تحتاج إلى رجال جادين مبادرين مخلصين، مؤمنون حقاً، فـ”ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل”، كما قال الحسن البصري. وكما قال الشيخ محمد العزالي: “يا لها من أمة لو أن لها رجالاً”. قال الله تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.
كان من دعاء الفاروق عمربن الخطاب: (اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاسق وعجزالثقة). وسُئل: أتهلك القرى وهي عامرة؟ قال: “نعم إذا علا فجارها على أبرارها” وذاك واقع نعيشه.

شاهد أيضاً

محمد السهلي يكتب : الأونروا والعودة.. معركة واحدة

بحكم معناها ورمزيتها ووظيفتها، يصبح الدفاع عن الأونروا معركة واجبة وملحة .. ومفتوحة. ومع أن …